فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب شهادة المرضعة

( بابُُ شَهادَةِ المُرْضِعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان شَهَادَة الْمُرضعَة بِالرّضَاعِ وَحدهَا، وَفِيه خلاف، فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وطاووس جَوَاز شَهَادَة وَاحِدَة فِيهِ إِذا كَانَت مُرْضِعَة، وتستحلف مَعَ شهادتها، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: إِنَّه أجَاز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي ذَلِك إِذا شهِدت قبل أَن تتزوجه، فَأَما بعده فَلَا وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه: لَا يقبل فِي ذَلِك إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه،.

     وَقَالَ  مَالك: تقبل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ دون رجل، وَبِه قَالَ الحكم،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَا يقبل فِي ذَلِك أقل من أَربع نسْوَة، رُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء وَالشعْبِيّ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.



[ قــ :4832 ... غــ :5104 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا أيُّوبُ عنْ عَبْدِ الله بن أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: حدّثني عُبَيْدُ بنُ أبي مَرْيَمَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ قَالَ: وقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لكنِّي لِحَديثِ عُبَيْدٍ أحْفَظُ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأةً فَجَاءَتْنا امْرَأَةً فجاءَتْنَا امْرَأَةً سَوْدَاءٌ، فقالَتْ: أرْضَعْتُكُما فأتيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتُ فُلاَنٍ فجاءَتْنَا امْرَأةً سَوْداءٌ فقالَتْ لِي: إنِّي قدْ أرْضَعْتُكُما، وهْيَ كاذِبَةٌ، فأعْرَضَ عَنِّي فأتَيْتُهُ مِنْ قَبْلِ وجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كاذِبَة.
قَالَ: كَيْفَ بِها وقَدْ زَعَكَتْ أَنَّهَا قَدْ أرْضَعْتُكُما؟ دَعْها عَنْكَ.
وأشَارَ إسْماعِيلُ بإِصْبَعيْهِ السَّبابَُُةِ والوُسْطَى يَحْكِي أيُّوبَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( كَيفَ بهَا) ؟ إِلَى آخِره، وَبِه أَخذ اللَّيْث.

     وَقَالَ  يجواز شَهَادَة الْمُرضعَة.

وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، وَهِي أمه وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَعبيد بن أبي مَرْيَم الْمَكِّيّ مَاله فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين، وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف ابْن الْحَارِث الْقرشِي الْمَكِّيّ الصَّحَابِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي بابُُ الرحلة وَفِي كتاب الشَّهَادَات أَيْضا فِي: بابُُ شَهَادَة الْإِمَاء وَالْعَبِيد.

قَوْله: ( قَالَ: وَقد سمعته) أَي: قَالَ عبد الله بن أبي مليكَة: سَمِعت هَذَا الحَدِيث من عقبَة بن الْحَارِث، والاعتماد على سَمَاعه مِنْهُ.
قَوْله: ( تزوجت امْرَأَة) وَهِي أم يحيى بنت أبي إهَاب، بِكَسْر الْهمزَة، التَّمِيمِي.
قَوْله: ( امْرَأَة سَوْدَاء) وَلم يدر اسْمهَا.
قَوْله: ( فَأَعْرض عني) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فَأَعْرض عَنهُ، بطرِيق الِالْتِفَات.
قَوْله: ( من قبل وَجهه) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( كَيفَ بهَا) استبعاد مِنْهُ أَي: وَكَيف تَجْتَمِع بهَا بعد أَن قيل هَذَا.
قَوْله: ( دعها) أَي: اتركها وَهُوَ أَمر من يدع أمره بِالتّرْكِ وَالْأَخْذ بالورع وَالِاحْتِيَاط لَا على الْإِيجَاب، وَرُوِيَ ابْن مهْدي بِإِسْنَادِهِ عَن رجل من بني عبس، قَالَ: سَأَلت عليا وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن رجل تزوج امْرَأَة فَجَاءَت امْرَأَة فَزَعَمت أَنَّهَا أرضعتهما، فَقَالَا: ينزه عَنْهَا فَهُوَ خير، وَإِمَّا أَن يحرمها عَلَيْهِ أحد فَلَا، وَقد قَالَ زيد بن أسلم: إِن عمر بن الْخطاب لم يجز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الرَّضَاع.
قَوْله: ( وَأَشَارَ إِسْمَاعِيل) هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّاوِي، قَوْله: ( بِأُصْبُعَيْهِ) يَعْنِي أَشَارَ بهما حِكَايَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي إِشَارَته إِلَى الزَّوْجَيْنِ.