فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يحل من النساء وما يحرم

( بابُُ مَا يَحلُّ مِنَ النِّساءِ وَمَا يَحْرُمُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يحل نِكَاحه من النِّسَاء وَمَا لَا يحل.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: { حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم.
.
وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت}
( النِّسَاء: 32) الْآيَة إِلَى قوْلِهِ { إِن الله كَانَ عليما حكميا} ( النِّسَاء: 42)

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: مَا يحل، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة كريمه، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر { حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم} ( النِّسَاء: 32) الْآيَة إِلَى { عليما حكيما} ( النِّسَاء: 42) قَوْله: الْآيَة، وَفِي بعض النّسخ: الْآيَتَيْنِ، لِأَن من قَوْله { حرمت} ( النِّسَاء: 32) إِلَى قَوْله: { عليما حكيما} ( النِّسَاء: 42) آيَتَيْنِ الأولى من { حرمت عَلَيْكُم} ( النِّسَاء: 32) إِلَى قَوْله { إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} ( النِّسَاء: 32) وَالثَّانيَِة من قَوْله { وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} إِلَى قَوْله { إِن الله كَانَ عليما حكيما} ( النِّسَاء: 42) وَقد بَين الله تَعَالَى هُنَا الْمُحرمَات من النِّسَاء وَهن أَربع عشرَة امْرَأَة: سبع من نسب وَسبع بِسَبَب، فالسبع الَّتِي من نسب هِيَ قَوْله: { حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} إِلَى قَوْله { وَبَنَات الْأُخْت} ( النِّسَاء: 32) الأولى: الْأُمَّهَات وَالْمرَاد بهَا الوالدات وَمن فوقهن من الْجدَّات من قبل الْأُمَّهَات والآباء، الثَّانِيَة: الْبَنَات وَالْمرَاد بهَا بَنَات الأصلاب وَمن أَسْفَل مِنْهُنَّ من بَنَات الْأَبْنَاء وَالْبَنَات، وَإِن سفلن الثَّالِثَة: الْأَخَوَات وَالْمرَاد الشقيقات وغيرهن من الْآبَاء والأمهات.
الرَّابِعَة: العمان وَالْمرَاد أَخَوَات الْآبَاء وأخوات الأجداد وَإِن علون.
الْخَامِسَة: الخالات وَهِي أَخَوَات الْأُمَّهَات الوالدات لآبائهن وأمهاتهن.
السَّادِسَة: بَنَات الْأَخ من الْأَب وَالأُم أَو من الْأَب أَو من الْأُم.
وَبَنَات بناتهن وَإِن سفلن.
السَّابِعَة: بَنَات الْأُخْت، كَذَلِك من أَي جِهَة كن، وَأَوْلَاد أَوْلَادهنَّ وَإِن سفلن.
وَإِمَّا السَّبع الَّتِي من جِهَة السَّبَب فَهِيَ من قَوْله تَعَالَى: { وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} ( النِّسَاء: 42) إِلَى آخر الْآيَة، وَالْمرَاد الْأُم الْمُرضعَة وَمن فَوْقهَا من أمهاتهاوإن بعدن وَقَامَ ذَلِك مقَام الوالدة ومقام أمهاتها وَالْأُخْت من الرَّضَاع الَّتِي أرضعتها أمك بلبان أَبِيك سَوَاء أرضعتها مَعَك أَو مَعَ ولد قبلك، أَو بعْدك.
وَالْأُخْت من الْأَب دون الْأُم وَهِي الَّتِي أرضعتها زَوْجَة أَبِيك بلبان أَبِيك، وَالْأُخْت من الْأُم دون الْأَب وَهِي الَّتِي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر، وَأم الْمَرْأَة حرَام عَلَيْهِ دخل بهَا أَو لم يدْخل بهَا، وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء،.

     وَقَالَ  عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَمُجاهد وَعِكْرِمَة: لَهُ أَن يتَزَوَّج قبل الدُّخُول بهَا، والربيبة وَهِي بنت امْرَأَة الرجل من غَيره، وَإِنَّمَا تحرم بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَلَا تحرم بِمُجَرَّد العقد، وَذكر الْحجر بطرِيق الْأَغْلَب لَا على الشَّرْط، وحليلة الابْن أَي: زَوجته، وَإِنَّمَا قَالَ من أصلابكم تَحَرُّزًا عَن زَوْجَات المتبني، وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرتين كَانَت أَو أمتين وطئتا فِي عقد وَاحِد فِي حَال الْحَيَاة، وَحكي عَن دَاوُد أَنه جوز ذَلِك بِملك الْيَمين، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

وَقَالَ أنَسٌ { وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} ذَوَات الْأزْوَاج الْحَرَائِر حرَام { إلاَّ مَا ملَكَتْ أيْمانُكُمْ} ( النِّسَاء: 42) لَا يَرَى بَأْسا أنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جارِيتَهُ منْ عَبْدِهِ

أَي: قَالَ أنس بن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالْمُحصنَات} أَي: النِّسَاء الْمُحْصنَات اللَّاتِي لَهُنَّ أَزوَاج حرَام إلاَّ بعد طَلَاق أَزوَاجهنَّ وانقضاء الْعدة مِنْهُنَّ، وَقيل: الْمُحْصنَات أَي العفائف حرَام إلاَّ بعد النِّكَاح، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: أصبْنَا سَبَايَا يَوْم أَوْطَاس لَهُنَّ أَزوَاج، فكرهنا أَن نقع عَلَيْهِنَّ، فسألنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة.
قَوْله: ( إِلَّا مَا ملكت) يعي إلاَّ الْأمة الْمُزَوجَة بِعَبْد، فَإِن لسَيِّده أَن يَنْزِعهَا من تَحت نِكَاح زَوجهَا.
قَوْله: ( وَلَا يرى بهَا) أَي: فِيهَا ( بَأْسا) أَي: حرجا ( أَن ينْزع الرجل جَارِيَته من عِنْده) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: جَارِيَة من عَبده.

وَقَالَ { وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ( الْبَقَرَة: 122)
أَي: قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ( الْبَقَرَة: 122) أَي: لَا تتزوجوهن حَتَّى يُؤمن بِاللَّه، وقرىء بِضَم التَّاء أَي: وَلَا تزوجوهن، وَالْمرَاد بالمشركات الحربيات، وَالْآيَة ثَابِتَة، وَقيل: المشركات الكتابيات والحربيات أهل الْكتاب من أهل الشّرك لقَوْله تَعَالَى: { وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله.

     وَقَالَ ت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله}
( التَّوْبَة: 03) وَهِي مَنْسُوخَة بقوله: { وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} ( الْمَائِدَة: 5) .

وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ، مَا زَادَ علَى أرْبَعٍ فهْوَ حرامٌ كأُمِّهِ وابْنَتِه وأُخْتِه أَي: مَا زَاد على أَربع نسْوَة، وَهَذَا وَصله إِسْمَاعِيل بن زِيَاد فِي تَفْسِيره عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك مِنْهُ.



[ قــ :4833 ... غــ :5105 ]
- وَقَالَ لَنا أحْمَدُ بنُ حنْبلٍ: حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ سُفْيانَ حدّثني حَبِيبُ عَن سَعِيدٍ عَن ابْن عبّاسٍ: حَرُمَ مِنَ النَّسَب سبْعٌ ومِنَ الصِّهْرِ سبْعٌ، ثُمَّ قرَأ { حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} ( النِّسَاء: 32) الْآيَة.

قَوْله: ( قَالَ لنا أَحْمد بن حَنْبَل) وَهُوَ الإِمَام الْمَشْهُور، وَأخذ البُخَارِيّ عَنهُ هُنَا مذاكرة.
وَلم يقل: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا فِي آخر الْمَغَازِي فِي مُسْند بُرَيْدَة قَوْله: إِنَّه غزا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة غَزْوَة،.

     وَقَالَ  فِي كتاب الصَّدقَات: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا أبي حَدثنَا ثُمَامَة: الحَدِيث، ثمَّ قَالَ عقيبة: وَزَادَنِي أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ  هُنَا: قَالَ أَحْمد، رُوِيَ عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير.

قَوْله: ( حرم) ، أَي: حرم من النّسَب سبع نسْوَة وَمن الصهر كَذَلِك والصهر وَاحِد الأصهار وهم أهل بَيت الْمَرْأَة، وَمن الْعَرَب من يَجْعَل الصهر من الأحماء والأختان جَمِيعًا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْأخْتَان من قبل الْمَرْأَة، والأحماء من قبل الرجل: والصهر يجمعهما وخان الرجل إِذا تزوج إِلَيْهِ قيل: الْآيَة لَا تدل على السَّبع الصهري.
وَأجِيب بِأَنَّهُ اقْتصر على ذكر الْأُمَّهَات وَالْبَنَات لِأَنَّهُمَا كالأساس مِنْهُنَّ.
وَهَذَا بترتيب مَا فِي الْقُرْآن من النّسَب.
وَقيل: مَا فَائِدَة ذكر الْأُخْتَيْنِ بعْدهَا؟ وَأجِيب: الْإِشْعَار بِأَن حرمتهما لَيست مُطلقًا ودائما كالأصل وَالْفرع، عِنْد الْجمع.
وَلم يذكر الْأَرْبَعَة الْأُخْرَى لِأَن حكمهن يعلم من الْأُخْتَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا لِأَن عِلّة حرمتهما الْجمع الْمُوجب لقطيعة الرَّحِم، وَذَلِكَ حَاصِل فيهمَا.

وقَدْ جَمَعَ عبْدُ الله بنُ جعفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عليٍّ وامْرَأةِ علِيٍّ
أَي: قد جمع عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب بَين ابْنة عَليّ بن أبي طَالب وَامْرَأَته ليلى بنت مَسْعُود، فكانتا عِنْده جَمِيعًا.
وَفِي حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ: حَدثنِي غير وَاحِد أَن عبد الله بن جَعْفَر جمع بَين امْرَأَة عَليّ وَابْنَته، ثمَّ مَاتَت بنت عَليّ فَتزَوج عَلَيْهَا بِنْتا لَهُ أُخْرَى قَالَ: وَحدثنَا قبيصَة عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان، قَالَ: جمع ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب بَين بنت عَليّ وَامْرَأَته فِي لَيْلَة، وَعند ابْن سعد من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان أَن ابْن جَعْفَر تزوج زَيْنَب بنت عَليّ وَتزَوج مَعهَا امْرَأَته ليلى بنت مَسْعُود،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: فَلَمَّا توفيت زَيْنَب تزوج بعْدهَا أم كُلْثُوم بنت عَليّ بنت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَقَالَ ابنُ سِيرِين: لَا بأْسَ بهِ وكَرهَهُ الحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بأْسَ بهِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لَا بَأْس بِهَذَا الْجمع،.

     وَقَالَ  الْقَاسِم بن سَلام: حَدثنَا أسماعيل بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ لَا يرى بذلك بَأْسا،.

     وَقَالَ  الْقَاسِم، وَكَذَلِكَ قَول سُفْيَان.
وَأهل الْعرَاق لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا، وَلَا أَحْسبهُ إلاَّ قَول أهل الْحجاز وَكَذَلِكَ هُوَ عندنَا، وَلَا أعلم أحدا كرهه إلاَّ شَيْئا يروي عَن الْحسن ثمَّ رَجَعَ عَنهُ.
قلت: أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: ( وَكَرِهَهُ الْحسن مرّة ثمَّ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ) .

     وَقَالَ  ابْن بطال قَالَ ابْن أبي ليلى: لَا يجوز هَذَا النِّكَاح، وَكَرِهَهُ عِكْرِمَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: ثَبت رُجُوع الْحسن عَنهُ وَأَجَازَهُ أَكثر أهل الْعلم.
وَفعل ذَلِك صَفْوَان بن أُميَّة، وأباحه بن سِيرِين وَسليمَان بن يسَار وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق والكوفيون وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا أعلم ذَلِك حَرَامًا، وَبِه نقُول، وَفِي الْإِسْنَاد إِلَى عِكْرِمَة فِي كَرَاهَته مقَال.

وجَمَعَ الحَسَنُ بنُ الحَسنِ بنِ علِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍ فِي لَيْلةٍ

أَي: جمع الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو عبيد بن سَلام فِي كتاب النِّكَاح تأليفه: عَن حجاج عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار أَن الْحسن بن مُحَمَّد أخبرهُ: أَن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بني فِي لَيْلَة وَاحِدَة ببنت مُحَمَّد بن عَليّ وببنت عمر بن عَليّ، فَجمع بَينهمَا، يَعْنِي: بَين ابْنَتي الْعم، وَأَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: هُوَ أحب إِلَيْنَا مِنْهُمَا، مَا يَعْنِي ابْن الْحَنَفِيَّة، قَالَ ابْن بطال: وَكَرِهَهُ مَالك وَلَيْسَ بِحرَام، إِنَّمَا هُوَ لأجل القطيعة، قَالَ: وَهُوَ قَول عَطاء وَجَابِر بن زيد، وَفِي المُصَنّف: عَن عَطاء يكره الْجمع بَينهمَا لفساد بَينهمَا.
وَكَذَا ذكره عَن الْحسن، وَحدثنَا ابْن نمير عَن سُفْيَان حَدثنِي خَالِد الفأفاء عَن عِيسَى بن طَلْحَة، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْكح الْمَرْأَة على قرابتها مَخَافَة القطيعة.

وكَرِهَهُ جابِرُ بنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ، ولَيْسَ فِيهِ تحْرِيمٌ لقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} ( النِّسَاء: 42)

أَي: كره هَذَا النِّكَاح الْمَذْكُور جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء الْأَزْدِيّ اليحمدي الجوفي بِالْجِيم نَاحيَة عمان الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: ( للقطعية) أَي: لوُقُوع التنافس بَينهمَا فِي الحظوة عِنْد الزَّوْج، فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى قطيعة الرَّحِم.
قَوْله: ( وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيم) من كَلَام البُخَارِيّ، وَقد صرح بِهِ قَتَادَة قبله.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَباسٍ: إِذا زَنَى بأُخْتِ امْرَأتِه لَمْ تَحْرُمْ علَيْهِ امْرَأتُهُ

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن هِشَام عَن قيس بن سعد عَن عَطاء،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا حرم الله الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِالنِّكَاحِ خَاصَّة لَا بِالزِّنَا، أَلا ترى أَنه يجوز نِكَاح وَاحِدَة بهد أُخْرَى من الْأُخْتَيْنِ وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْمَرْأَة وابنتها من غَيره، والكوفيون على أَنه إِذا زنى بِالْأُمِّ حرم عَلَيْهِ بنتهَا، وَكَذَا عَكسه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: إِنَّه يحرم عَلَيْهِ ابْنَتهَا وَأمّهَا.
وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَخَالف فِيهِ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَرَبِيعَة وَاللَّيْث، فَقَالُوا: الْحَرَام لَا يحرم حَلَالا.
وَهُوَ قَوْله: فِي ( الْمُوَطَّأ) ، ويه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر.

ويُرْوَى عنْ يَحْيَى الكِنْديِّ عنِ الشَّعْبِيِّ وَأبي جعْفَرٍ فِيمَنْ يلْعبُ بالصَّبِيِّ إِنْ أدخلَهُ فِيه فَلا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ، ويَحْيَى هاذا غيْرُ مَعْرُوفٍ لَمْ يُتابَعْ علَيْهِ

يحيى هَذَا هُوَ ابْن قيس الْكِنْدِيّ، رُوِيَ عَن شُرَيْح وَرُوِيَ عَنهُ أَبُو عوَانَة وَشريك الثَّوْريّ، وَقَول البُخَارِيّ: وَيحيى هَذَا غير مَعْرُوف أَي غير مَعْرُوف الْعَدَالَة وإلاَّ فاسم الْجَهَالَة ارْتَفع عَنهُ بِرِوَايَة هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَلم يذكرَا فِيهِ جرحا، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات على عَادَته فِيمَن لم يجرح.
قَوْله: ( عَن الشّعبِيّ) هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
قَوْله: ( وَأبي جَعْفَر) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: وَابْن جَعْفَر.
وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن الْمهْدي عَن الْمُسْتَمْلِي كالجماعة.
وَهَكَذَا وَصله وَكِيع عَن سُفْيَان عَن يحيى.
قَوْله: ( فِيمَن يلْعَب بِالصَّبِيِّ إِن أدخلهُ فِيهِ) أَرَادَ بِهِ إِذا لَاطَ بِهِ فَلَا يتزوجن أمه، يَعْنِي: تحرم عَلَيْهِ، الْحَاصِل أَنه يثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أما تَحْرِيم النِّكَاح باللواطة فأصحاب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرمُونَ بِهِ شَيْئا،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: إِذا لعب بِالصَّبِيِّ خرمت عَلَيْهِ أمه.
وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: إِذا تلوط بِابْن امْرَأَته أَو أَبِيهَا أَو أُخْتهَا حرمت عَلَيْهِ امْرَأَته،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِذا لَاطَ غُلَام بِغُلَام وَولد للمفجور بِهِ بنت لم يجز لِلْفَاجِرِ أَن يتَزَوَّج بهَا لِأَنَّهَا بنت من قد دخل هُوَ بِهِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبّاسٍ: إِذَا زَنَى بِها لاَ تَحْرُمْ علَيْهِ امْرَأتُهُ

أَي: قَالَ عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن مَوْلَاهُ ابْن عَبَّاس: إِذا زنى رجل بِأم امْرَأَته لَا تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هِشَام عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة بِلَفْظ: فِي رجل غشي أم امْرَأَته لَا تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته.

ويُذْكَرُ عنْ أبي نَصْرٍ أنَّ ابنَ عبّاسٍ حَرَّمَهُ، وأبُو نَصْرٍ هاذا لمْ يُعْرَفْ سمَاعهُ مِنِ ابنِ عبَّاسٍ

أَبُو نصر هَذَا بِسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة يذكر عَنهُ أَن ابْن عَبَّاس حرمه أَي: حرم العقد الَّذِي بَينه وَبَين امْرَأَته بِوَطْء أمهَا، وَوَصله الثَّوْريّ فِي جَامعه من طَرِيقه وَلَفظه: أَن رجلا قَالَ إِنَّه أصَاب أم امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: حرمت عَلَيْك امْرَأَتك، وَذَلِكَ بعد أَن ولدت مِنْهُ سَبْعَة أَوْلَاد كُلهنَّ بلغ مبلغ الرِّجَال.
قَوْله: ( وَأَبُو نصر) هَذَا لم يعرف سَمَاعه عَن ابْن عَبَّاس، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمهْدي عَن الْمُسْتَمْلِي: لَا يعرف بِسَمَاعِهِ، وَعدم الْمعرفَة بِسَمَاعِهِ عَن ابْن عَبَّاس هُوَ قَول البُخَارِيّ، وعرفه أَبُو زرْعَة بِأَن أسدي وَأَنه ثِقَة، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سَأَلَهُ عَن قَوْله عز وَجل: { وَالْفَجْر وليال عشر} ( الْفجْر: 1 2) انْتهى.
فَإِن كَانَت الطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيحَة فَهُوَ يرد قَول البُخَارِيّ، وَلَا شكّ أَن عدم معرفَة البُخَارِيّ بِسَمَاعِهِ من ابْن عَبَّاس لَا تَسْتَلْزِم نفي معرفَة غَيره بِهِ عل أَن الْإِثْبَات أولى من النَّفْي.

ويُرْوَى عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن وجابِر بنِ زَيْدٍ والحَسَنِ وبَعْضِ أهْلِ العِراقِ،.

     وَقَالَ : تَحْرُمُ علَيْهِ

عمرَان بن الْحصين: بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَجَابِر بن زيد التَّابِعِيّ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ وَبَعض أهل الْعرَاق مثل إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، فكلهم يَقُولُونَ: إِن من وطىء أم امْرَأَته تحرم عَلَيْهِ امْرَأَته، أما قَول عمرَان بن حُصَيْن فوصله عبد الرَّزَّاق من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ عَنهُ، قَالَ: من فجر بِأم امْرَأَته حرمتا عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَأما قَول جَابر بن زيد وَالْحسن فوصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق قَتَادَة عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ جَابر بن زيد وَالْحسن يكرهان أَن يمس الرجل أم امْرَأَته يَعْنِي فِي الرجل يَقع على أم امْرَأَته، وَأما قَول بعض أهل الْعرَاق فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وعامر فِي رجل وَقع على ابْنة امْرَأَته، قَالَا: حرمتا عَلَيْهِ كلتاهما، وَرُوِيَ عَن جرير عَن حجاج عَن ابْن هانىء الْخَولَانِيّ، قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: من نظر إِلَى فرج امْرَأَة لم تحل لَهُ أمهَا وَلَا بنتهَا.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَحْرُمُ حتَّى يُلْزِقَ بالأرْضَ، يَعْنِي: يُجامِعَ

أَي: لَا تحرم الْبِنْت إِذا وطىء أمهَا، وَبِالْعَكْسِ أَيْضا.
قَوْله: ( حَتَّى يلزق) ، قَالَ ابْن التِّين بِفَتْح أَوله وَضَبطه غَيره بِالضَّمِّ، وَهُوَ أوجه، فسره البُخَارِيّ بقوله: ( يَعْنِي بِجَامِع) وَكَأَنَّهُ أحترز بِهِ عَمَّا إِذا لمسها أَو قبلهَا من غير جماع لاتحرم.

وجَوَّزَهُ ابنُ المُسَيَّبِ وعِرْوَةُ والزُّهْرِيُّ،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ: قَالَ عليٌّ: لَا تَحْرُمُ

أَي: جوز سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ النِّكَاح بَينه وَبَين امْرَأَة قد وطىء أمهَا، وَقد رُوِيَ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ: هَل تحل لَهُ بنتهَا؟ فَقَالَا لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال، وَرُوِيَ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ مثله.
قَوْله: ( وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ عَليّ) أَي: عَليّ بن أبي طَالب: لَا يحرم، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن أَيُّوب عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن رجل وطىء أم امْرَأَته، فَقَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ: لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال.

وهاذا مُرْسَلٌ

أَي: هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مُرْسل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَهُوَ مُرْسل أَي: مُنْقَطع، وَأطلق الْمُرْسل على الْمُنْقَطع وَهَذَا أَمر سهل.