فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد

( بابٌُ: هَلْ لِلْمَرْأةِ أنْ تَهَبَ نَفْسَها لأحَدٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان: هَل يحل للْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا لأحد من الرِّجَال؟ وَصورته أَن يَقع العقد بِلَفْظ الْهِبَة بِأَن تَقول الْمَرْأَة: وهبت نَفسِي لَك، وَالرِّجَال يَقُول: قبلت، وَلم يذكر الْمهْر، فَإِن جمَاعَة ذَهَبُوا إِلَى بطلَان النِّكَاح، يَعْنِي: لَا ينْعَقد النِّكَاح بِهَذَا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَأبي ثَوْر.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: ينْعَقد بِهِ العقد وَلها صدَاق الْمثل، وَكَذَا ينْعَقد بِلَفْظ الصَّدَقَة بِلَفْظ البيع بِدُونِ لفظ النِّكَاح أَو التَّزْوِيج أَنه يَصح، وَعند الشَّافِعِي: لَا يَصح إلاَّ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ.


[ قــ :4840 ... غــ :5113 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام حَدثنَا ابْن فُضَيْل حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه قَالَ كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ أَنْفسهنَّ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت عَائِشَة أما تَسْتَحي الْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت { ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} قلت يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من أول الحَدِيث وَابْن فُضَيْل هُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل مصغر فضل وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير والْحَدِيث قد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب وَخَوْلَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة بنت حَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَيُقَال خُوَيْلَة بِالتَّصْغِيرِ بنت حَكِيم بن أُميَّة كَانَت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة.

     وَقَالَ  أَبُو عمر تكنى أم شريك وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَول بَعضهم وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي سُورَة الْأَحْزَاب قَوْله " إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك " أَي فِي الَّذِي تحبه يَعْنِي مَا أرى إِلَّا أَن الله تَعَالَى موجد لمرادك بِلَا تَأْخِير منزلا لما تحبه وترضى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ هَذَا قَول أبرزه الدَّلال والغيرة وَهُوَ من نوع قَوْلهَا مَا أحمدكما وَمَا أَحْمد إِلَّا الله وَإِلَّا فإضافة الْهوى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يحمل على ظَاهره لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى وَلَا يفعل بالهوى وَلَو قَالَت إِلَى مرضاتك لَكَانَ أليق وَلَكِن الْغيرَة تغتفر لأَجلهَا إِطْلَاق مثل ذَلِك قلت الَّذِي ذكرته أحسن من هَذَا على مَا لَا يخفى
( رَوَاهُ أَبُو سعيد الْمُؤَدب وَمُحَمّد بن بشر وَعَبدَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة يزِيد بَعضهم على بعض) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو سعيد واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن أبي الوضاح الْجَزرِي وَهُوَ من رجال مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَكَانَ مؤدب مُوسَى بن الْهَادِي وَمَات بِبَغْدَاد فِي خِلَافَته وَيُقَال أَن اسْم أبي الوضاح الْمثنى وَرَوَاهُ أَيْضا مُحَمَّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي الْكُوفِي وَرَوَاهُ أَيْضا عَبدة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان كلهم رووا عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَوْله " يزِيد بَعضهم " أَي يزِيد بَعضهم فِي رِوَايَته على بعض أما رِوَايَة أبي سعيد فوصلها ابْن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَنهُ مُخْتَصرا قَالَت الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَوْلَة بن حَكِيم وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر فوصلها الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ حَدثنَا الْقَاسِم حدّثنَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر عَن هِشَام وَأما حَدِيث عَبدة فوصله مُسلم.

     وَقَالَ  حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تَقول أما تَسْتَحي الْمَرْأَة تهب نَفسهَا لرجل حَتَّى أنزل الله تَعَالَى { ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} فَقلت إِن رَبك ليسارع لَك فِي هَوَاك <"