فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا كان الولي هو الخاطب

(بابٌُ إذَا كانَ الوَلِيُّ هُوَ الخَاطِبَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا إِذا كَانَ الْوَلِيّ فِي النِّكَاح هُوَ الْخَاطِب،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَي هَل يُزَوّج نَفسه أم يحْتَاج إِلَى ولي آخر؟ قلت: هَذِه التَّرْجَمَة قطّ لَا تَقْتَضِي مَا قَالَه، بل الَّذِي يفهم مِنْهَا أَن الْوَلِيّ إِذا كَانَ الْخَاطِب هَل يجوز أم لَا؟ فأبهم وَلَكِن الْآثَار الَّتِي ذكرهَا تدل على الْجَوَاز أما أثر عَطاء فَإِنَّهُ يدل صَرِيحًا على أَنه يجوز، وَأما بَقِيَّة الْآثَار، فَإِن كَانَ فِيهَا أَمر الْوَلِيّ غَيره بِأَن تزَوجه فَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على الْمَنْع صَرِيحًا من تَزْوِيجه نَفسه، فَافْهَم.

وخَطَبَ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَة امْرَأةً هُوَ أوْلى النّاسِ بِها، فأمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ

هَذَا الْأَثر وَصله وَكِيع فِي مُصَنفه، وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن الثَّوْريّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَهُوَ وَليهَا، فَجعل أمرهَا إِلَى رجل، والمغيرة أولى مِنْهُ فَزَوجهُ.
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق الشّعبِيّ وَلَفظه: أَن الْمُغيرَة خطب بنت عَمه عُرْوَة بن مَسْعُود فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي عقيل، فَقَالَ: زوجنيها، فَقَالَ: مَا كنت لأَفْعَل، أَنْت أَمِير الْبَلَد وَابْن عَمها، فَأرْسل الْمُغيرَة إِلَى عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فَزَوجهَا مِنْهُ، وَقد أوضح فِيهِ اسْم الرجل الميهم فِي الْأَثر الْمَذْكُور.

وَقَالَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ لِأمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قارِظٍ: أتَجْعَلِينَ أمْرَك إلَيَّ؟ قالَتْ: نَعَمْ.
فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ

هَذَا الْأَثر وَصله ابْن سعد من طَرِيق ابْن أبي ذئي عَن سعيد بن خَالِد أَن أم حَكِيم بنت قارظ قَالَت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّه قد خطبني غير وَاحِد فَزَوجنِي أَيهمْ رَأَيْت، فَقَالَ: وتجعلين ذَلِك إِلَيّ؟ فَقَالَت: نعم.
قَالَ: قد تَزَوَّجتك.
قَالَ ابْن أَب ذِئْب: فَجَاز نِكَاحه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَإِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه الصُّورَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة مشعرة بِأَن عبد الرَّحْمَن كَانَ وَليهَا يُوَجه من وُجُوه الولايات.
انْتهى.
قلت: قَوْله: (أتجعلين أَمرك إِلَيّ) تَفْوِيض مِنْهَا، وَهُوَ الْوكَالَة وَلَا يفهم مِنْهُ إلاَّ أَنه وَكيل، وَلَا يفهم أَنه وَليهَا.
غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَنه يفهم مِنْهُ جَوَاز هَذَا الحكم لَيْسَ إلاَّ، وَقد ذكر ابْن سعد أم حَكِيم فِي النِّسَاء اللواتي لم يدركن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروين عَن أَزوَاجه.

وَقَالَ عطاءٌ: لِيُشْهِدْ أنِّي قَدْ نَكَحْتُكْ، أوْ لِيأْمُرْ رَجُلاً مِنْ عَشِيرَتِها

أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: ليشهد الْمَرْأَة أَن فلَانا خطبهَا وَأشْهد أَنِّي نكحتك، يُخَاطب بِهِ رجلا.
قَالَ ابْن جريج لعطاء: امْرَأَة خطبهَا رجل، فَقَالَ عَطاء: ليشهد أبي قد نكحتك أَو لتأمر رجلا من عشيرتها، أَي: من قبيلتها وأوضح هَذَا عبد الرَّزَّاق رُوِيَ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: امْرَأَة خطبهَا ابْن عَم لَهَا لَا رجلَ لَهَا غَيره، قَالَ: فليشهد أَن فلَانا خطبهَا وَإِنِّي أشهدكم أَنِّي قد نكحتها، أَو لتأمر رجلا من عشيرتها.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي.
قَوْله: عشيرتها، يَعْنِي: تفوض الْأَمر إِلَى الْوَلِيّ الْأَبْعَد، أَو تحكّم رجلا من أقربائها، أَو يَكْتَفِي بالإشهادة، وللمجتهدين فِي مثله مَذَاهِب، وَلَيْسَ قَول بَعضهم حجَّة على الآخر.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فِي الْوَجْه الأول لَيْسَ من معنى قَول عَطاء، وَلَيْسَ يُنَاسب مَعْنَاهُ إلاَّ فِي الْإِشْهَاد أَو التَّحْكِيم.

وَقَالَ سَهْلٌ: قالَتِ امْرَأةً لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهَبُ لَكَ نَفْسي.
فَقَالَ رجُلٌ: يَا رسولَ الله { إِن لَمْ تَكُنْ لَكَ بِها حاجةٌ فَزَوِّجْنِيها

أَي: قَالَ سهل بن سعد، هَذَا طرف من حَدِيث الواهبة، وَقد مضى مَوْصُولا فِي: بابُُ تَزْوِيج الْمُعسر، وَفِي: بابُُ النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل التَّزْوِيج وَغَيرهمَا، وَوَصله فِي هَذَا الْبابُُ بِلَفْظ آخر، وَأقر بهَا إِلَى هَذَا التَّعْلِيق رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم بِلَفْظ: أَي أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله جِئْت لأهب لَك نَفسِي إِلَى قَوْله) فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ) أَي رَسُول الله}
إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها الحَدِيث.
وَوجه دُخُوله فِي هَذَا الْبابُُ من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما طلب الرجل.

     وَقَالَ  لَهُ مَا قَالَ، ثمَّ زَوجهَا مِنْهُ كَأَنَّهُ خطبهَا لَهُ، وَالْحَال أَنه وَليهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولي كل من لَا ولي لَهُ.



[ قــ :4855 ... غــ :5131 ]
- حدَّثنا ابنُ سَلاَمٍ أخبرَنا أبُو مُعاوِيَةَ حَدثنَا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رضيَ الله عَنْهَا فِي قَوْلِه: { ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ} (النِّسَاء: 721) إِلَى آخِرِ الآيةَ، قالَتْ: هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر الرَّجُلِ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَاله فَيَرْغَبُ عَنْها أنْ يَتَزَوَّجَها ويَكْرَهُ أنْ يُزَوِّجَها غَيْرَهُ فَيَدْخُلَ علَيْهِ فِي مالهِ فَيَحْبِسُها، فَنَهاهُمُ الله عنْ ذَلِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فيرغب عَنْهَا أَن يَتَزَوَّجهَا) لِأَنَّهُ أَعم من أَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، أَو يَأْمر غَيره فيزوجه، وَبِه احْتج مُحَمَّد بن الْحسن على الْجَوَاز، لِأَن الله عَاتب الْأَوْلِيَاء فِي تَزْوِيج من كَانَت من أهل المَال وَالْجمال بِدُونِ سنتها من الصَدَاق، وعاتبهم على ترك تَزْوِيج من كَانَت قَليلَة المَال وَالْجمال، دلّ على أَن الْوَلِيّ يَصح مِنْهُ تَزْوِيجهَا من نَفسه، إِذْ لَا يُعَاتب أحد على ترك مَا هُوَ حرَام عَلَيْهِ.

وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام وتخفيفها، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم الضَّرِير، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :4856 ... غــ :513 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حدّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا أبُو حازِمِ حَدثنَا سَهْلُ بنُ سَعْدٍ قالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُلُوسا، فَجاءَتْهُ امْرَأةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَخَفَّضَ فِيها النظَرَ ورفَعَهُ فلَمْ يُرِدْها، فَقَالَ رجُلٌ منْ أصْحابِهِ: زَوِّجْنِيها يَا رسولَ الله.
قَالَ: أعِنْدَكَ مِنْ شَيء؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْء.
قَالَ: وَلَا خَاتما مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: وَلَا خَاتمًا مِنْ حَدِيدٍ، ولاكِنْ أشُقُّ بُرْدَنِي هاذِهِ فاعْطِيها النِّصْفَ وآخُذُ النِّصْفَ، قَالَ: لَا! هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَها بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فَوق حَدِيث عَائِشَة فِي حَدِيث سهل، وَأحمد بن الْمِقْدَام، بِكَسْر الْمِيم: الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ، وفضيل مصغر فضل بن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.

وَهَذَا الحَدِيث قد مضى مكررا بطرق مُخْتَلفَة ومتون بِزِيَادَة ونقصان.

قَوْله: ( فَجَاءَتْهُ) ويروي: فَجَاءَت.
قَوْله: ( فخفض فِيهَا النّظر) ويروي: الْبَصَر.
قَوْله: ( أعندك؟) ويروي: هَل عنْدك؟ قَوْله: ( فَلم يردهَا) بِضَم الْيَاء من الْإِرَادَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَحكى بعض الشُّرَّاح بِفَتْح أَوله وَتَشْديد الدَّال، وَهُوَ مُحْتَمل.
قلت: هُوَ الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ هُوَ الحاكي بذلك.
قَوْله: وَهُوَ مُحْتَمل، يدل على أَنه مَا يَأْخُذ كَلَامه بِالْقبُولِ.