فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حق إجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ونحوه

( بابُُ إجابَةِ الوَلِيمَةِ والدَّعْوَةِ ومَنْ أوْلَمَ سَبْعَةَ أيَّامٍ ونَحْوَهُ ولَمْ يُوَقِّتِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْما وَلَا يَوْمَيْنِ) أَي: هَذَا فِي بابُُ بَيَان إِجَابَة الْوَلِيمَة، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ حق إِجَابَة الْوَلِيمَة، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب أَن الْوَلِيمَة طَعَام الْعرس والأملاك، وَقيل: طَعَام الْعرس خَاصَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: أَجمعُوا على وجوب الْإِتْيَان إِلَى الْوَلِيمَة فِي الْعرس، وَاخْتلفُوا فِيمَا سوى ذَلِك.

قَوْله: ( والدعوة) ، بِفَتْح الدَّال وَبِضَمِّهَا فِي الْحَرْب، وبكسرها فِي النّسَب، وَعطف الدعْوَة على الْوَلِيمَة من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن الْوَلِيمَة مُخْتَصَّة بِطَعَام الْعرس، وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي إِجَابَة الدعْوَة.
مِنْهَا: حَدِيث أبي مُوسَى الْمَذْكُور فِي الْبابُُ، وَكَذَا حَدِيث الْبَراء فِيهِ.
قَوْله: ( وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) ، عطف على قَوْله: إِجَابَة الدعْوَة، أَي: وَفِي بَيَان من أولم سَبْعَة أَيَّام وَنَحْوهَا ... أَي: نَحْو سَبْعَة أَيَّام، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: نَحْوهَا، قيل: إِن البُخَارِيّ ترْجم على جَوَاز الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام وَلم يَأْتِ فِيهِ بِحَدِيث، فاستدل على جَوَاز سَبْعَة أَيَّام وَنَحْوهَا بِإِطْلَاق الْأَمر بإجابة الدَّاعِي من غير تَقْيِيد، فاندرج فِيهِ السَّبْعَة الْمُدَّعِي أَنَّهَا مَمْنُوعَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح كَأَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ بقوله: ( وَمن أولم سَبْعَة أَيَّام) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث وهيب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد: حَدَّثتنِي حَفْصَة أَن سِيرِين عرس بِالْمَدِينَةِ فأولم، فَدَعَا النَّاس سبعا، فَكَانَ فِيمَن دعى أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ صَائِم فَدَعَا لَهُم بِخَير وَانْصَرف، وَكَذَا ذكره حَمَّاد بن زيد إلاَّ أَنه لم يذكر حَفْصَة فِي إِسْنَاده.

     وَقَالَ  معمر عَن أَيُّوب: ثَمَانِيَة أَيَّام، وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين، قَالَت: لما تزوج أبي دَعَا الصَّحَابَة سَبْعَة أَيَّام، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَنْصَار دَعَا أبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَغَيرهمَا فَكَانَ أبي صَائِما فَلَمَّا طعموا دَعَا أبي وَأثْنى.
قَوْله: ( وَلم يُوَقت) أَي: لم يعين النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، للوليمة يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ للْإِيجَاب أَو للاستحبابُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاق وَيمْنَع التَّحْدِيد إلاَّ بِحجَّة يجب التَّسْلِيم لَهَا.
فَإِن قلت: رُوِيَ أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ عَن رجل أَعور من بني ثَقِيف، كَانَ يُقَال لَهُ زُهَيْر مَعْرُوف أَي: يُثنى عَلَيْهِ خيرا، وَإِن لم يكن اسْمه زُهَيْر بن عُثْمَان فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالْيَوْم الثَّالِث رِيَاء وسَمعه.
انْتهى.
فَكيف يَقُول البُخَارِيّ: وَلم يُوَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا لَا يَوْمَيْنِ؟ قلت: قَالُوا إِنَّه لم يَصح عِنْده.

     وَقَالَ  فِي تَارِيخه الْكَبِير: لَا يَصح إِسْنَاده وَلَا يعرف لَهُ صُحْبَة، وَلما ذكره أَبُو عمر تبع البُخَارِيّ فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر، يُقَال: إِن حَدِيثه مُرْسل وَلَيْسَ لَهُ غَيره.
وَلَكِن قَالَ غَيره: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده حسن مَتنه، وَإِذا لم يعرفهُ هُوَ فقد عرفه غَيره،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة: لَهُ صُحْبَة، وَذكره فِي جُمْلَتهمْ من غير تردد جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه الْأَوْسَط وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالتِّرْمِذِيّ فِي تَارِيخه وَابْن السكن وَابْن قَانِع وَأَبُو عَمْرو الفلاس وَأَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ فِي كِتَابه المخزون والبغويان أَحْمد فِي مُسْنده الْكَبِير وَابْن بنته،.

     وَقَالَ : لَا أعلم لزهير غير هَذَا: وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه الأصبهانيان وَمُحَمّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَذكر غير وَاحِد أَن الْحسن رُوِيَ عَنهُ فَإِن قلت: دخل بَينهمَا عبد الله بن عُثْمَان قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْدُود أَيْضا فِي جملَة الصَّحَابَة عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي: أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتشْهدَ باليرموك.
فَإِن قلت: رُوِيَ النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا.
قلت: لَا يضر ذَلِك الحَدِيث لِأَن الْحسن صَاحب فَتْوَى وَفقه، فَرُبمَا يسْأَل عَن شَيْء يكون مُسْندًا فيذكره بِغَيْر سَنَد، وَرُبمَا ينشط فيذكر سَنَده، وَهَذِه عَاده أشباهه من أَصْحَاب الْفَتْوَى، وَلَئِن سلمنَا للْبُخَارِيّ فِي إرْسَاله فالاصطلاح الحديثي: أَن الْمُرْسل إِذا جَاءَ نَحوه مُسْندًا من وَجه آخر قوى حَتَّى لَو عَارضه حَدِيث صَحِيح لَكَانَ الرُّجُوع إِلَيْهِمَا أولى، وَقد مر أَن لمتنه أصلا فَلذَلِك حكمُوا على الْمَتْن بالْحسنِ، من ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، قَالَ: طَعَام أول يَوْم حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي سنة، وَطَعَام يَوْم الثَّالِث سمعة وَمن سمع سمع الله بِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بِهِ،.

     وَقَالَ : لَا نعرفه مَرْفُوعا إلاَّ من حَدِيث زِيَاد بن عبد الله وَهُوَ كثير الغرائب والمناكير، وَمِنْه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة، وَفِي سَنَده عبد الْملك بن حُسَيْن النَّخعِيّ الوَاسِطِيّ تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَمِنْه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْوَلِيمَة أول يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وَسُمْعَة،.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح: سَنَده صَحِيح فَإِن قلت: قد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بقوى وَفِيه بكير بن خُنَيْس تكلمُوا فِيهِ.
قلت: أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد بن صَالح الْعجلِيّ، قَالَ: كُوفِي ثِقَة،.

     وَقَالَ  البرقي عَن يحيى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ، وَخرج الْحَاكِم حَدِيثه فِي الْمُسْتَدْرك.



[ قــ :4896 ... غــ :5173 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيأتها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن أبي قدامَة عبيد الله بن سعيد.
قَوْله: ( فليأتها) أَي: فليحضرها.
وَقيل: فليأت مكاتبها.
أَي: مَكَان الْوَلِيمَة، وَاخْتلف فِي هَذَا الْأَمر فَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالأَصَح أَنه إِيجَاب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى عَن قريب.





[ قــ :4897 ... غــ :5174 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ قَالَ: حدّثني مَنْصُورٌ عَن أبي وائِلٍ عنْ أبي مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فُكُّوا العانِيَ وأجِيبُوا الدَّاعِيَ وعُودُوا المَريضَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وأجيبوا الدَّاعِي) وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.

والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ فكاك الْأَسير.

قَوْله: ( العاني) أَي: الْأَسير.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ( وأجيبوا الدَّاعِي) يُرِيد إِلَى وَلِيمَة الْعرس.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الدَّاعِي أَعم من أَن يكون إِلَى وَلِيمَة الْعرس أَو إِلَى غَيرهَا.
وَلكنه خص بإجابة صَاحب الْوَلِيمَة لما فِيهِ من الإعلان بِالنِّكَاحِ وَإِظْهَار أمره.
فَإِن قلت: فَالْأَمْر مُسْتَعْمل بِإِطْلَاق وَاحِد فِي الْإِيجَاب وَالنَّدْب وَذَلِكَ مَمْنُوع عِنْد الْأُصُولِيِّينَ.
قلت: جوزه الشَّافِعِي وَأما عِنْد غَيره فَيحمل على عُمُوم الْمجَاز.
قَوْله: ( وعودوا الْمَرِيض) ويروى: وعوداو المرضى بِالْجمعِ.





[ قــ :4898 ... غــ :5175 ]
- حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ عنِ الأشْعَثِ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ البَرَاءُ بنُ عازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أمَرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ ونَهانا عنْ سَبْعٍ: أمَرَنا بِعيادَةِ المَرِيضِ واتِّباعِ الجَنازَةِ وتَشْمِيتِ العاطسِ وإبْرارِ القَسَمِ ونَصْرِ المَظْلُومِ وإفْشاءِ السَّلاَمِ وإجابَةِ الدَّاعِي، ونَهانا عنْ خَواتِيمِ الذَّهَب وعنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ وَعَن المَياثِرِ والقَسِّيَّةِ الإسْتَبْرَقِ والدِّيباجِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَإجَابَة الدَّاعِي) .
وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ مولى بني حنيفَة، والأشعث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء بِالْمُثَلثَةِ فِيهَا وَاسم أبي الشعْثَاء سليم الْمحَاربي، وَمُعَاوِيَة بن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو.

وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون، والبراء أَيْضا نزل الْكُوفَة.

والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز.

قَوْله: ( وتشميت الْعَاطِس) بالشين الْمُعْجَمَة وبالمهملة أَيْضا، وَالْأول أفْصح اللغتين وَهُوَ الدُّعَاء بِالْخَيرِ وَالْبركَة.
قَوْله: ( وإبرار الْقسم) هُوَ تَصْدِيق من أقسم عَلَيْك، وَهُوَ أَن تفعل مَا سَأَلَهُ، يُقَال: أبر الْقسم إِذا صدقه وَقيل: المُرَاد أَنه لَو حلف أحد على أَمر مُسْتَقْبل وَأَنت تقدر على تَصْدِيق يَمِينه كَمَا لَو أقسم.
أَن لَا يفارقك حَتَّى تفعل كَذَا وَأَنت تَسْتَطِيع فعله فافعله لِئَلَّا يَحْنَث، ويروى: وإبراز الْمقسم على صيفه اسْم الْفَاعِل من أقسم قَوْله: ( وَإجَابَة الدَّاعِي) وَرُوِيَ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَقبلُوا الْهَدِيَّة وأجيبوا الدَّاعِي، وَعند مُسلم عَن جَابر يرفعهُ: إِذا دعِي أحدكُم فليجب فَإِن كَانَ صَائِما فَليصل، وَإِن كَانَ مُفطرا فليطعم.
وَفِي لفظ: إِن شَاءَ طعم وَإِن شَاءَ ترك، وَعند أَحْمد عَن أنس: أَن يَهُودِيّا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خبز شعير وإهالة سنخة فَأَجَابَهُ، وَعِنْده أيضال من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج عَنهُ: شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة تدعى لَهَا الْأَغْنِيَاء وتترك الْفُقَرَاء، وَمن ترك الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله.
قَوْله: ( وَعَن المياثر) .
جمع الميثرة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء: وَهِي فرَاش صَغِير من الْحَرِير محشو بالقطن يَجعله الرَّاكِب تَحْتَهُ.
قَوْله: ( والقسية) بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ضرب من ثِيَاب كتَّان مخلوط بحرير ينْسب إِلَى قَرْيَة بالديار المصرية.
قلت: القسي، بَلْدَة كَانَت على سَاحل الْبَحْر بِالْقربِ من دمياط ركب عَلَيْهَا الْبَحْر فاندرست وَكَانَ ينسج فِيهَا القماش من الْحَرِير وَلَا يُوجد لَهُ نَظِير من حسنه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقيل: هُوَ القز وَهُوَ الرَّدِيء من الْحَرِير أبدلت الزَّاي سينا.
قَوْله: ( والاستبرق) وَهُوَ مَا غلظ من الْحَرِير.
وَهِي لَفْظَة أَعْجَمِيَّة معربة لأصلها باستبره ( والديباج) الثِّيَاب المتخذة من الإبر يسم، فَارسي مُعرب وَقد يفتح أَوله وَيجمع على ديابيح وديابيج بِالْيَاءِ وَالْبَاء لِأَن أَصله دباج بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمنْهِي عَنْهَا سِتّ لَا سبع؟ قلت: السَّابِع هُوَ الْحَرِير، وَسَيَجِيءُ صَرِيحًا فِي كتاب اللبَاس.

تابَعَهُ أبُو عَوَانَةَ والشَّيْبَانِيُّ عنْ أشْعَثَ فِي إفْشاءِ السّلاَمِ

أَي: تَابع أَبَا الْأَحْوَص سَلام بن سليم المذكورأبو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي فِي رواي عَن أَشْعَث الْمَذْكُور فِي إفشاء السَّلَام، يَعْنِي فِي رِوَايَة بِلَفْظ: إفشاء السَّلَام.
لِأَن غَيره رُوِيَ رد السَّلَام وَهُوَ رِوَايَة شُعْبَة عَن أَشْعَث كَمَا مر فِي الْجَنَائِز فَإِن فِيهَا ورد السَّلَام، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بابُُ آنِية الْفضة حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن الْأَشْعَث إِلَى آخِره، وَلَفظه: وإفشاء السَّلَام.
قَوْله: ( والشيباني) أَي: تَابع أَبَا الْأَحْوَص أَيْضا أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، فِي رِوَايَة عَن أَشْعَث بِلَفْظ: إفشاء السَّلَام، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة عَن جرير عَن الشَّيْبَانِيّ عَن أَشْعَث إِلَى آخِره: وإفشاء السَّلَام.





[ قــ :4899 ... غــ :5176 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعا أبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُرْسِهِ، وكَانَتِ امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خادِمَهُمْ وهْيَ العَرُوسُ قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أنْقَعتْ لهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فلَمَّا أكلَ سَقَتْهُ إيَّاهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِن فِيهِ دَعْوَة أبي أسيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، وَاسم أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار يروي عَن سهل بن سعد ويروي عَنهُ ابْنه عبد الْعَزِيز.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروي عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن سهل وَهُوَ سَهْو إِذْ لَا بُد أَن يكون بَينهمَا أَبوهُ أَو رجل آخر.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن عَليّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.

قَوْله: ( أَبُو أسيد) بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين: مصغر أَسد، وَقيل بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين، وَالصَّوَاب الأول واسْمه مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ، وَقيل: إِنَّه آخر من مَاتَ من الْبَدْرِيِّينَ سنة سِتِّينَ أَو خمس وَسِتِّينَ، لَهُ عقب بِالْمَدِينَةِ وبغداد.
قَوْله: ( وَكَانَت امْرَأَته) أَي: امْرَأَة أبي أسيد، وَاسْمهَا سَلامَة ابْنة وهب بن سَلامَة بن أُميَّة.
قَوْله: ( خادمهم) لفظ الْخَادِم يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَكَانَ ذَلِك قبل نزُول الْحجاب.
قَوْله: ( وَهِي الْعَرُوس) أَي: وَكَانَت خادمهم امْرَأَة أبي أسيد هِيَ الْعَرُوس.
وَقد مر أَن الْعَرُوس يُطلق على كل من الزَّوْجَيْنِ، قَالَ صَاحب الْعين: رجل عروس فِي رجال عرس وَامْرَأَة عروس فِي نسَاء عرس، قَالَ: والعروس نعت اسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث مَا داما فِي تعريسهما، أما إِذا عرس أَحدهمَا بِالْآخرِ فَالْأَحْسَن أَي يُقَال للرجل: معرس لِأَنَّهُ قد أعرس أَي: اتخذ عروسا.
قَوْله: ( تَدْرُونَ) همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة أَي: أَتَدْرُونَ؟ قَوْله: ( مَا سقت) أَي: امْرَأَة أبي أسيد الْعَرُوس.
قَوْله: ( أنقعت) على لفظ الغائبة من الْمَاضِي من أنقعت الشَّيْء فِي المَاء، وَيُقَال: طَال إنقاع المَاء واستنقاعه ومادته نون وقاف وَعين مُهْملَة.
قَوْله: ( فَلَمَّا أكل) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( الطَّعَام سقته إِيَّاه) أَي: سقت نَقِيع النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.

وَفِيه: إِجَابَة الدعْوَة وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ إِذا كَانَت لغير الْعرس من الدَّعْوَات، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَمَالك: يجب إتْيَان وَلِيمَة الْعرس وَلَا يجب إتْيَان غَيرهَا من الدَّعْوَات، وَمن شَرط الْإِجَابَة أَن لَا يكون هُنَاكَ مُنكر، وَقد رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
لما رَأيا تصاوير ذَات الْأَرْوَاح.