فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها

(بابُُ إِذا باتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مَا إِذا باتت الْمَرْأَة مهاجرة أَي: تاركة فرَاش زَوجهَا ومعرضة عَنهُ، وَلم يذكر جَوَاب إِذا الَّذِي هُوَ الحكم اعْتِمَادًا على مَا يفهم من حَدِيث الْبابُُ وَهُوَ عدم الْجَوَاز لِأَن فِيهِ اسْتِحْقَاقهَا اللَّعْنَة من الْمَلَائِكَة فَلَا تسْتَحقّ ذَلِك إِلَّا بِمُبَاشَرَة أَمر مَحْظُور.



[ قــ :4916 ... غــ :5193 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بشّار حَدثنَا ابنُ أبي عدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ عنْ أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتهُ إِلَى فِرَاشِهِ فأبَتْ أنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا المَلائِكةُ حتّى تُصْبِحَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي تَرْجَمَة الْبابُُ الَّذِي قبله قَوْله: (مُحَمَّد بن بشار) هُوَ بنْدَار، وَذكر أَبُو عَليّ الجياني أَنه وَقع فِي بعض النّسخ مُحَمَّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى وَهُوَ غلط، وَابْن عدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: هُوَ سُلَيْمَان الْأَشْجَعِيّ مولى عزة الأشجعية.

والْحَدِيث قد مر فِي بَدْء الْخلق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره.

قَوْله: (إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته إِلَى فرَاشه) ، كِنَايَة عَن الْجِمَاع.
قَوْله: (فَأَبت) أَي: امنتعت.
قَوْله: (أَن تَجِيء) كلمة: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: عَن الْمَجِيء قَوْله: (حَتَّى تصبح) ، ظَاهره اخْتِصَاص اللَّعْن بِمَا إِذا وَقع ذَلِك مِنْهَا لَيْلًا وَلَيْسَ ذَلِك بِقَيْد، وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك لِأَن مَظَنَّة ذَلِك غَالِبا بِاللَّيْلِ وَإِلَّا فَهُوَ عَام فِي اللَّيْل وَالنَّهَار، يُوضح ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث يزِيد بن كيسَان عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا من رجل يَدْعُو امْرَأَته إِلَى فراشها فتأبى عَلَيْهِ إلاَّ كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء ساخطا عَلَيْهَا حَتَّى يرضى عَنْهَا، وَمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث جَابر رَفعه: (ثَلَاثَة لَا تقبل لَهُم صَلَاة وَلَا يصعد لَهُم إِلَى السَّمَاء حَسَنَة: العَبْد الْآبِق حَتَّى يرجع، والسكران حَتَّى يصحو، وَالْمَرْأَة الساخط عَلَيْهَا زَوجهَا حَتَّى يرضى) فَهَذَا الْإِطْلَاق يتَنَاوَل اللَّيْل وَالنَّهَار، وروى ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كتاب النِّسَاء) من حَدِيث مُحَمَّد بن ربيعَة: حَدثنَا يحيى بن الْعَلَاء حَدثنَا الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسوفة والمغلسة، أما المسوفة فَهِيَ الْمَرْأَة الَّتِي إِذا أرادها زَوجهَا قَالَت: سَوف، والمغلسة فِي لفظ المغسلة، هِيَ الَّتِي إِذا أرادها زَوجهَا قَالَت: إِنِّي حَائِض، وَلَيْسَ بحائض، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث لَيْث عَن عبد الْملك عَن عَطاء عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله! مَا حق الزَّوْج على الْمَرْأَة؟ قَالَ: لَا تَمنعهُ نَفسهَا، وَإِن كَانَت على ظهر قتب.
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (كتاب الْعشْرَة) من حَدِيث يحيى بن الْعَلَاء بِلَفْظ: لَا تَمنعهُ نَفسهَا وَإِن كَانَت على رَأس تنور، وَرَوَاهُ ابْن عدي، وَلَفظه: على رَأس تنور أَو ظهر بَيت، وَيحيى بن الْعَلَاء ضَعِيف، وَفِي حَدِيث الْبابُُ: إِن الْمَلَائِكَة تَدْعُو لأهل الطَّاعَة إِذا كَانُوا على طاعتهم وَتَدْعُو على أهل الْمعْصِيَة إِذا كَانُوا فِي مَعْصِيّة.

وَفِيه: جَوَاز لعن العَاصِي الْمُسلم إِذا كَانَ على سَبِيل الإرهاب عَلَيْهِ لِئَلَّا يواقع الْفِعْل فَإِذا واقعه فَإِنَّمَا يدعى لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْهدى.





[ قــ :4917 ... غــ :5194 ]
- حدّثنا محمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ عنْ زُرَارَةَ عنْ أبي هُرَيُرَةَ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا باتَتِ المرْأةُ مُهاجِرَةً فِراش زَوْجِها لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتّى تَرْجِعَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ويوضح المُرَاد من التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة مُطلقَة، وزرارة بِضَم الزَّاي وبتكرير الرَّاء المخففة: ابْن أوفى بِالْوَاو وَالْفَاء مَقْصُورا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار.

قَوْله: ( مهاجرة) من بابُُ المفاعلة فِي الأَصْل وَلَكِن هُنَا بِمَعْنى: هاجرة لِأَن فَاعل قد يَأْتِي بِمَعْنى فعل نَحْو قَوْله تَعَالَى: { وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} ( آل عمرَان: 331) أَي: اسرعوا، وتوضحه رِوَايَة مُسلم: إِذا باتت الْمَرْأَة هاجرة، وَهُوَ اسْم فَاعل من هجر ومهاجرة اسْم فَاعل من هَاجر، وَإِذا كَانَ الهجر مِنْهُ فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا شَيْء من ذَلِك.
قَوْله: ( حَتَّى ترجع) أَي: عَن الْهِجْرَة ( فَإِن قلت) هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة هم الْحفظَة أَو غَيرهم؟ ( قلت) قيل: يحْتَمل الْأَمريْنِ وَأَنا أَقُول إِن الله عز وَجل خلق الْمَلَائِكَة على أَنْوَاع شَتَّى: مِنْهُم مرصدون لأمور كالموكلين بالقطر والرياح والسحب، والموكلين بمساءلة من فِي الْقُبُور، والسياحين فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ مجَالِس الذّكر، والموكلين بِقَذْف الشَّيَاطِين بِالشُّهُبِ، والموكلين بِأُمُور قَالَ فيهم: { لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون} ( التَّحْرِيم: 6) وَيحْتَمل أَن تكون الْمَلَائِكَة الَّذين يلعنون نَاسا من بني آدم على أُمُور محظورة تقع مِنْهُم من هَذَا النَّوْع، وَهُوَ الظَّاهِر.

وَفِيه: الْإِرْشَاد إِلَى مساعدة الزَّوْج وَطلب مرضاته.
وَفِيه: أَن صَبر الرجل على ترك الْجِمَاع أَضْعَف من صَبر الْمَرْأَة.
وَفِيه: أَن أقوى التشويشات على الرجل دَاعِيَة النِّكَاح.
وَلذَلِك حض الشَّارِع النِّسَاء على مساعدة الرجل فِي ذَلِك.