فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا تزوج الثيب على البكر

( بابُُ إذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّب علَى البِكْر)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يفعل الرجل إِذا تزوج امْرَأَة ثَيِّبًا على امْرَأَة بكر، وَهَذِه التَّرْجَمَة عكس التَّرْجَمَة الَّتِي قبلهَا، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن جَوَاب: إِذا مَحْذُوف، وَهنا كَذَلِك.



[ قــ :4936 ... غــ :5214 ]
- حدّثنا يُوسُفُ بنُ راشدٍ حَدثنَا أبُو أسامَةَ عنْ سُفْيانَ حَدثنَا أيُّوبُ وخالِدٌ عنْ أبي قِلاَبة عنْ أنَسٍ قَالَ: من السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّج الرَّجُلُ البِكْرَ علَى الثيِّبِ أقامَ عِنْدَها سَبْعا وقَسَمَ، وَإِذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ علَى البِكْرِ أقامَ عِندَها ثَلاَثا ثُمَّ قَسَمَ قَالَ أبُو قِلاَبَةَ: ولوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أنَسا رفَعَهُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

( انْظُر الحَدِيث 3125 طرفه فِي: 4125) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد نسب إِلَى جده وَهُوَ الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد وَهُوَ من أَفْرَاده.
وَأَبُو أُسَامَة، وسُفْيَان وَهُوَ الثَّوْريّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة هُوَ عبد الله بن زيد.

وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من عشر طرق صِحَاح، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا تزوج الثّيّب أَنه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سبَّع لَهَا وسبّع لسَائِر نِسَائِهِ، وَإِن شَاءَ أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا وَدَار على بَقِيَّة نِسَائِهِ يَوْمًا يَوْمًا وَلَيْلَة لَيْلَة قلت: أَرَادَ بالقوم إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبا ثَوْر وَأَبا عبيد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: إِن ثلَّث لَهَا ثلَّث لسَائِر نِسَائِهِ كَمَا إِذا سبَّع لَهَا وسبَّع لسَائِر نِسَائِهِ.
قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتبَة وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمدا رَحِمهم الله، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أم سَلمَة أخرجه الطَّحَاوِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: ( إِن شِئْت سبعت عنْدك سبعت عِنْدهن) وَأخرجه أَحْمد فِي ( مُسْنده) مطولا وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ بأطول مِنْهُ وَأخرجه أَبُو يعلى أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت سبعت لَك سبعت عِنْدهن، أَي: أعدل بَينهُنَّ وَبَيْنك فَاجْعَلْ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سبعا، كَذَلِك إِذا جعل لَهَا ثَلَاثًا جعل لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاثًا.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: حَدِيث أنس الْمَذْكُور حجَّة على الْحَنَفِيَّة قلت: كَذَلِك حَدِيث أم سَلمَة حجَّة على الشَّافِعِيَّة، واحتجت الْحَنَفِيَّة أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل الحَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة، وَقد مر عَن قريب، فَظَاهره يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة بَينهُنَّ مُطلقًا.

قَوْله: ( من السّنة) قد ذكرنَا عَن قريب أَن هَذَا اللَّفْظ يَقْتَضِي كَون الحَدِيث مَرْفُوعا وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيث خَالِد الْحذاء صَححهُ ثمَّ قَالَ: وَقد رَفعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس وَلم يرفعهُ بَعضهم.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق ابْن إِسْحَاق مَرْفُوعا عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للثيب ثَلَاث وللبكر سبع وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا مَرْفُوعا كَذَلِك من طَرِيق عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي ( صَحِيحهمَا) مَرْفُوعا.
قَوْله: ( وَقسم ثمَّ قَالَ: أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا ثمَّ قسم) بِالْوَاو فِي الأول وبلفظ ثمَّ فِي الثَّانِي، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم من طَرِيق حَمْزَة بن عون بِلَفْظ: ثمَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث ليَالِي مَعَ أَيَّامهَا.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْمقَام الْمَذْكُور.
هَل هُوَ من حُقُوق الْمَرْأَة على الزَّوْج أَو من حُقُوق الزَّوْج على سَائِر نِسَائِهِ؟ فَقَالَت طَائِفَة: هُوَ حق الْمَرْأَة إِن شَاءَت طالبته وَإِن شَاءَت تركته،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: هُوَ من حق الزَّوْج إِن شَاءَ أَقَامَ عِنْدهَا وَإِن شَاءَ لم يقم، فَإِن أَقَامَ عِنْدهَا فَفِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، وَإِن لم يقم عِنْدهَا إِلَّا لَيْلَة دَار، وَكَذَلِكَ إِن أَقَامَ ثَلَاثًا دَار على مَا مضى من الْخلاف الْمَذْكُور، الأول أولى لإخبار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ذَلِك حق الْبكر وَالثَّيِّب، وَهل يتَخَلَّف الْعَرُوس فِي هَذِه الْمدَّة عَن صَلَاة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة؟ فروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه لَا يتَخَلَّف عَنْهَا.
.

     وَقَالَ  سَحْنُون قد قَالَ بعض النَّاس: أَنه لَا يخرج لِأَن ذَلِك حق لَهَا بِالسنةِ.

وَقَالَ عبْدُ الرَّزَّاقِ: أخْبرنا سفْيانُ عَن أيُّوبَ وخالِد قَالَ خالِدٌ: ولوْ شِئْتُ قْلُتْ رفعَهُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

أَي: قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بِالْمَتْنِ الْمَذْكُور عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وخَالِد الْحذاء كِلَاهُمَا عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ: من السّنة إِلَى آخِره وَوَصله مُسلم قَالَ: وحَدثني مُحَمَّد بن رَافع قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب وخَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ: من السّنة أَن تقيم عِنْد الْبكر سبعا، قَالَ خَالِد: وَلَو سئت لَقلت رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( رَفعه) أَي: رفع الحَدِيث أنس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.



(بابُُ منْ طافَ علَى نِسَائهِ فِي غُسْلٍ واحِدٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من طَاف على نِسَائِهِ أَي: جامعهن فِي غسل وَاحِد أَرَادَ بِهِ أَنه لم يغْتَسل لكل جماع بِغسْل على حِدة.



[ قــ :4936 ... غــ :515 ]
- حدّثنا عبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حَدثنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ حَدثنَا سَعِيدٌ عَن قَتَادَة أنَّ أنس بنَ مالِك حدَّثَهُمْ أنَّ نَبيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَطُوفُ علَى نِسائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ ولهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوةٍ.

) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد بن نصر أَبُو يحيى أَصله بَصرِي سكن بَغْدَاد، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع.

والْحَدِيث مُضِيّ بأتم مِنْهُ فِي كتاب الْغسْل فِي بابُُ إِذا جَامع ثمَّ عَاد وَمن دَار على نِسَائِهِ فِي غسل وَاحِد، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وَله تسع نسْوَة) وَتقدم هُنَاكَ وَكَانَ يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة، وَجمع بَينهمَا بِأَن أَزوَاجه كن تسعا فِي هَذ الْوَقْت وسريتاه مَارِيَة وَرَيْحَانَة، على رِوَايَة من روى أَن رَيْحَانَة كَانَت أمة، وروى بَعضهم أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة، وَلَقَد سَمِعت أساتذتي الْكِبَار رَحِمهم الله تَعَالَى، أَن كل نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أُعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا وَأعْطِي نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ نَبيا، فَتكون قوته على هَذَا قُوَّة ألف رجل وسِتمِائَة رجل، فَانْظُر إِلَى ورعه وَصَبره الْعَظِيم الَّذِي لم يُعْط أحد مثله كَيفَ اكْتفى بِهَذَا الْمِقْدَار، وَانْظُر إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ كَانَت لَهُ ألف امْرَأَة على مَا قيل، مِنْهَا ثَلَاثمِائَة حرائر وَسَبْعمائة إِمَاء أما دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَت لَهُ مائَة امْرَأَة، وَمَعَ هَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوي الْأَيَّام لَا يَأْكُل ويواصل فِي الصَّوْم حَتَّى كَانَ يشد الْحجر على بَطْنه وَيقوم بالليالي حَتَّى تتورم قدماه، وَمَا هَذِه إِلَّا فَضَائِل خصّه الله بهَا وَجعله أفضل خلقه وَسيد أنبيائه، صلوَات الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.