فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف

( بابُُ ذَبِّ الرَّجُلِ عنِ ابْنَتِهِ فِي الغَيْرَةِ والإنْصاف)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذب الرجل بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَي: دَفعه على ابْنَته الْغيرَة، وَفِي بَيَان الانصاف لَهَا، والإنصاف من أنصف إِذا عدل، يُقَال: أنصفه من نَفسه وانتصفت أَنا مِنْهُ وتناصفوا أَي: أنصف بَعضهم بَعْضًا من نَفسه.



[ قــ :4952 ... غــ :5230 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا الليْثُ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ، وهْوَ عَلى المِنْبَر: إنَّ بَنِي هِشامِ بنِ المُغَيْرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ علِيَّ بنَ أبي طالِبٍ، فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ إلاّ أنْ يُرِيدَ ابنْ أبِي طالِبٍ أنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي ويَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أرَابها ويؤذِيني مَا آذَاها.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِخْبَار عَن ذب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ابْنَته فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي الْغيرَة والإنصاف لَهَا.

وَابْن أبي مليكَة وَهُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة اسْم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، والمسور كسر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي مَنَاقِب فَاطِمَة، رَضِي الله عَنْهَا، وَسَيَجِيءُ فِي الطَّلَاق أَيْضا.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة أَيْضا وَهنا كَذَا رَوَاهُ اللَّيْث وَتَابعه عَمْرو بن دِينَار وَغير وَاحِد وَخَالفهُم أَيُّوب فَقَالَ: عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الله بن الزبير أخرجه التِّرْمِذِيّ،.

     وَقَالَ : حسن، وَذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يككون ابْن أبي مليكَة حمله عَنْهُمَا.

قَوْله: ( وَهُوَ على الْمِنْبَر) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله: ( إِن بني هِشَام) ، وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: هَاشم بن الْمُغيرَة، وَالصَّوَاب: هِشَام.
لِأَنَّهُ جد المخطوبة.
وَبَنُو هِشَام هم أعماهم بنت أبي جهل، لِأَنَّهُ أَبُو الحكم عَمْرو بن هِشَام بن الْمُغيرَة، وَقد أسلم أَخَوَاهُ الْحَارِث بن هِشَام وَسَلَمَة بن هِشَام عَام الْفَتْح وَحسن إسلامهما، وَمِمَّنْ يدْخل فِي إِطْلَاق بني هِشَام بن الْمُغيرَة عِكْرِمَة بن أبي جهل بني هِشَام جد المخطوبة، وَقد أسلم أَيْضا وَحسن إِسْلَامه.
قَوْله: ( اسْتَأْذنُوا) ، فِي رِوَايَة الْكشميهني: اسْتَأْذنُوا فِي أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب، وَجَاء أَن عليا رَضِي الله عَنهُ اسْتَأْذن بِنَفسِهِ على مَا أخرجه الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ صَحِيح إِلَى سُوَيْد بن غَفلَة، قَالَ: خطب عَليّ بنت أبي جهل إِلَى عَمها الْحَارِث بن هِشَام، فَاسْتَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: عَن حسبها تَسْأَلنِي؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِن أتأمرني بهَا، قَالَ: لَا، فَاطِمَة بضعَة مني وَلَا أَحسب إلاَّ أَنَّهَا تحزن أَو تجزع.
فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا آتِي شَيْئا تكرههُ.
وَاسم المخطوبة جويرة أَو العوراء أَو جميلَة.
قَوْله: ( لَا آذن) ، ذكر ثَلَاثَة مَرَّات تَأْكِيدًا.
قَوْله: ( إلاَّ أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب) هُوَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَأَنَّهُ كره ذَلِك من عَليّ، فَلذَلِك لم يقل عَليّ بن أبي طَالب.
وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَيْضا: وَإِنِّي لست أحرم أحرم حَلَالا وَلَا أحلل حَرَامًا، وَلَكِن وَالله لَا تَجْتَمِع بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنت عَدو الله أبدا.
وَفِي رِوَايَة مُسلم مَكَانا وَاحِدًا أبدا، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عِنْد رجل وَاحِد.
قَوْله: ( بضعَة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: قِطْعَة، وَوَقع فِي رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة مُضْغَة، بِضَم الْمِيم وبالغين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( يريبني مَا أرابها) بِضَم الْيَاء ن أراب يريب، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: يرئبني من رأب ثلاثي، يُقَال: أرأبني فلَان إِذا رأى مني مَا يكرههُ، وَهَذَا لُغَة هُذَيْل أَعنِي: بِزِيَادَة الْألف فِي أول ماضيه، وَزَاد فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: وَأَنا أَتَخَوَّف أَن يفتن فِي دينهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَا تصبر على الْغيرَة فَيَقَع مِنْهَا فِي حق زَوجهَا فِي حَال الْغَضَب مَا لَا يَلِيق بِحَالِهَا فِي الدّين، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَأَنا أكره أَن يسوءها أَي: تَزْوِيج غَيرهَا عَلَيْهَا.
قَوْله: ( وَيُؤْذِينِي مَا أذاها) فِي رِوَايَة أبي حَنْظَلَة: ( فَمن آذاها فقد آذَانِي) ، وَفِي حَدِيث عبد الله بن الزبير: يُؤْذِينِي مَا آذاها وينصبني مَا أنصبها، من النَّصب بنُون وصاد مُهْملَة وباء مُوَحدَة وَهُوَ التَّعَب وَالْمَشَقَّة.

وَفِيه: تَحْرِيم أدنى أَذَى من يتَأَذَّى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتأذيه.
وَفِيه: بَقَاء الْعَار الْحَاصِل للآباء فِي أَعْقَابهم لقَوْله: بنت عَدو الله.
وَفِيه: إكرام من ينتسب إِلَى الْخَيْر أَو الشّرف أَو الدّيانَة.