فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة

( بابُُ نَظَر المرْأةِ إِلَى الحَبَشِ وغَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ رَيبَةٍ.
)


أَي: هَذَا بابُُ فِي جَوَاز نظر الْمَرْأَة إِلَى الْحَبَشَة وَغَيرهم من غير رِيبَة.
أَي: من غير تُهْمَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عِنْده جَوَاز نظر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ دون نظر الْأَجْنَبِيّ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا ذكر الْحَبَشَة، وَإِن كَانَ الحكم فِي غَيرهم كَذَلِك، لأجل مَا ورد فِي حَدِيث الْبابُُ على مَا يَأْتِي.
وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهِ الرَّد لحَدِيث ابْن شهَاب عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: كنت أَنا ومَيْمُونَة جالستين عِنْد على مَا يَأْتِي.
وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهِ الرَّد لحَدِيث ابْن شهَاب عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: كنت أَنا ومَيْمُونَة جالستين عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ ابْن أم مَكْتُوم، فَقَالَ: احتجبا مِنْهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله: أَلَيْسَ أعمى لَا يُبصرنَا وَلَا يعرفنا؟ فَقَالَ: أفعمياوان أَنْتُمَا؟ ألستما تبصرانه؟ أخرجه الْأَرْبَعَة.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
وَكَذَا صَححهُ ابْن حبَان فَإِن قلت مَا وَجه رد حدث نَبهَان وَهُوَ حَدِيث صَححهُ الْأَئِمَّة بِإِسْنَاد قوي؟ قلت: قَالَ ابْن بطال: حَدِيث عَائِشَة، أَعنِي: حَدِيث الْبابُُ أصح من حَدِيث نَبهَان، لِأَن نَبهَان لَيْسَ بِمَعْرُوف بِنَقْل الْعلم.
وَلَا يروي إلاَّ حديثين هَذَا، وَالْمكَاتب إِذا كَانَ مَعَه مَا يُؤَدِّي احْتَجَبت عَنهُ سيدته، فَلَا يعْمل بِحَدِيث نَبهَان لمعارضته الْأَحَادِيث الثَّابِتَة.
فَإِن قلت: قد عرف نَبهَان بِنَقْل الْعلم جمَاعَة مِنْهُم ابْن حبَان وَالْحَاكِم إِذْ صححا حَدِيثه وَأَبُو عَليّ الطوسي وَحسنه، وروى عَنهُ ابْن شهَاب وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن مولى طَلْحَة، وَذكره ابْن حبَان فِي ( الثِّقَات) وَمن يعرفهُ الزُّهْرِيّ ويصفه بِأَنَّهُ مكَاتب أم سَلمَة وَلم يُخرجهُ حد لَا ترد رِوَايَته، وَأما الْمُعَارضَة فَلَا نقُول بهَا بل نقُول: إِن عَائِشَة إِذْ ذَاك كَانَت صَغِيرَة فَلَا خرج عَلَيْهَا فِي النّظر إِلَيْهِم، أَو نقُول: إِنَّه رخص فِي الأعياد مَا لَا يرخص فِي غَيرهَا أَو نقُول: حَدِيث نَبهَان نَاسخ لحَدِيث عَائِشَة، أَو نقُول: إِن زَوْجَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خصصن بِمَا لم يخصص بِهِ غَيْرهنَّ لعظم حرمتهن، أَو نقُول: إِن الْحَبَشَة كَانُوا صبيانا لَيْسُوا بالغين.
قلت: الْأَوْجه أَن يُقَال بِالْجمعِ بَين الْحَدِيثين لاحْتِمَال تقدم الواقعية، أَو أَن يكون فِي حَدِيث نَبهَان شَيْء يمْنَع النِّسَاء من رُؤْيَته، لكَون ابْن أم مَكْتُوم أعمى، فَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْهُ شَيْء ينْكَشف وَلَا يشْعر بِهِ، وَيُؤَيّد قَول من قَالَ بِالْجَوَازِ اسْتِمْرَار الْعَمَل على جَوَاز خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد والأسواق والأسفار منتقبات لِئَلَّا يراهن الرِّجَال، وَلم يُؤمر الرِّجَال قطّ بالانتقاب لِئَلَّا تراهم النِّسَاء، فَدلَّ على مُغَايرَة الحكم بَين الطَّائِفَتَيْنِ.



[ قــ :4958 ... غــ :5236 ]
- حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ عنْ عِيسَى عنِ الأوْزَاعِيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: رأيْتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتُرُني برِدَائِهِ وَأَنا أنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ حتَّى أكُونَ أَنا الّذي أسْأمُ، فاقْدُرُوا قَدْرَ الجارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ الحَريصَةِ عَلى اللَّهْوِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والحنظلي هُوَ إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَعِيسَى هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.

والْحَدِيث مر بأتم مِنْهُ فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ فِي: بابُُ الحراب والدرق يَوْم الْعِيد، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) أَي: فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( أَنا الَّذِي أسأم) كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَذكر ابْن التِّين: أَنا الَّذِي، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه: أَنا الَّتِي قَوْله: ( أسأم) ، أَي أمل من السَّآمَة وَهِي الملالة.
قَوْله: ( فاقدروا قدر الْجَارِيَة) من قدرت الْأَمر كَذَا إِذا نظرت فِيهِ ودبرته، ورادت بِهِ أَنَّهَا وَكَانَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ، قَالَه النَّوَوِيّ، وَيرد عَلَيْهِ أَن فِي بعض طرق الحَدِيث أَن ذَلِك كَانَ بعد قدوم وَفد الْحَبَشَة، وَأَن قدومهم كَانَ سنة سبع، ولعائشة يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة، فَكَانَت بَالِغَة، وَكَانَ ذَلِك بعد الْحجاب.

وَفِي ( التَّلْوِيح) : فِي الحَدِيث: جَوَاز نظر النِّسَاء إِلَى اللَّهْو واللعب لَا سِيمَا حَدِيثَة السن فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عذرها، أَي: عَائِشَة، لحداثة سنّهَا، وَيُعَكر عَلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَالَ: وَفِيه: أَنه لَا بَأْس بِنَظَر الْمَرْأَة إِلَى الرجل من غير رِيبَة، أَلا ترى مَا اتّفق عَلَيْهِ الْعلمَاء من الشَّهَادَة عَلَيْهَا أَن ذَلِك لَا يكون إلاَّ بِالنّظرِ إِلَى وَجههَا؟ وَمَعْلُوم أَنَّهَا تنظر إِلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا ينظر الرجل إِلَيْهَا، وَالله أعلم.