فهرس الكتاب

عمدة القاري - بَابُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}

( كتابُ الطلاَقِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الطَّلَاق وأنواعه، وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْكِتَابَيْنِ ظَاهر إِذْ الطَّلَاق يعقب النِّكَاح فِي الْوُجُود، فَكَذَلِك فِي وضع الْأَحْكَام فيهمَا.
وَالطَّلَاق اسْم للتطليق كالسلام اسْم للتسليم، يُقَال: طلق يُطلق تطليقا، وَطلقت بِفَتْح اللَّام تطلق طَلَاقا فَهِيَ طَالِق وطالقة أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: لَا يُقَال: طلقت، بِالضَّمِّ وَطلقت أَيْضا بِضَم أَوله وَكسر اللَّام الثَّقِيلَة، فَإِن خففت فَهُوَ خَاص بِالْولادَةِ، والمضارع فيهمَا بِضَم اللَّام، والمصدر فِي الْولادَة: طلق، بِسُكُون اللَّام فَهِيَ طَالِق فيهمَا.
وَمعنى الطَّلَاق فِي اللُّغَة: رفع الْقَيْد مُطلقًا، مَأْخُوذ من إِطْلَاق الْبَعِير وَهُوَ إرْسَاله من عقاله، وَفِي الشَّرْع: رفع قيد النِّكَاح وَيُقَال: حل عقدَة التَّزْوِيج.


( بابُُ وقوْلِ الله تَعَالَى: { ( 65) يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا الْعدة أحصيناه حفظناه وعددناه} ( الطَّلَاق: 1) أحْصَيْناهُ حَفِظْناهُ وعَدَدْناهُ.
)


وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الطَّلَاق قَوْله: { يَا أَيهَا النَّبِي} خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِلَفْظ الْجمع تَعْظِيمًا،.
أَو على إِرَادَة ضم أمته، إِلَيْهِ وَالتَّقْدِير: يَا أَيهَا النَّبِي وَأمته ( إِذا طلّقْتُم النِّسَاء) أَي إِذا أردتم تطليق النِّسَاء ( فطلقوهن لعدتهن) يَعْنِي: طلقوهن مستقبلات لعدتهن.
كَقَوْلِك: آتِيَة لليلة بقيت من الْمحرم أَي: مُسْتَقْبلا لَهَا، وَالْمرَاد أَن يُطَلِّقهُنَّ فِي طهر لم يجامعهن فِيهِ ثمَّ يخلين حَتَّى تَنْقَضِي عدتهن، وَهَذَا أحسن الطَّلَاق وَأدْخلهُ فِي السّنة وأبعده من النَّدَم.
.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ ( فطلقوهن لعدتهن) وَهُوَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا من غير جماع.
وَقيل: طلقوهن لطهرهن الَّذِي يحصينه من عدتهن وَلَا تطلقوهن لحيضهن الَّذِي لَا يعتدن بِهِ من قرئهن، وَهَذَا للمدخول بهَا، لِأَن من لم يدْخل بهَا لَا عدَّة عَلَيْهَا.

وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِيمَن نزلت هَذِه الْآيَة، فَقَالَ الواحدي: عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: طلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة فَأنْزل الله عز وَجل قَوْله تَعَالَى: قَوْله: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} ( الطَّلَاق: 1) الْآيَة.
وَقيل لَهُ: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قوامه، وَهِي من إِحْدَى أَزوَاجك ونسائك فِي الْجنَّة.
.

     وَقَالَ  السّديّ: نزلت فِي عبد الله بن عمر، وَذَلِكَ أَنه طلق امْرَأَته حَائِضًا، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا.
.

     وَقَالَ  مقَاتل: نزلت فِي عبد الله بن عمر وَعقبَة بن عَمْرو الْمَازِني، وطفيل بن الْحَارِث بن الْمطلب، وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي ( تَفْسِير ابْن عَبَّاس) : قَالَ عبد الله: وَذَلِكَ أَن عمر وَنَفَرًا مَعَه من الْمُهَاجِرين كَانُوا يطلقون بِغَيْر عدَّة ويراجعون بِغَيْر شُهُود، فَنزلت وَالطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات.

     وَقَالَ  رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق،.

     وَقَالَ : تزوجوا وَلَا تطلقوا فَإِن الطَّلَاق يَهْتَز مِنْهُ الْعَرْش،.

     وَقَالَ : لَا تطلقوا النِّسَاء إلاَّ من رِيبَة فَإِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا يحب الذواقات،.

     وَقَالَ : مَا حلف بِالطَّلَاق وَلَا اسْتحْلف بِهِ إلاَّ مُنَافِق.

وطَلاَقُ السُّنَّةِ أنح يُطَلِّقبَها طاهِرا مِنْ غَيْرِ جِماعٍ، ويُشْهِدَ شاهِدَيْنِ
أَي: الطَّلَاق السّني أَن يُطلق امْرَأَته حَالَة طَهَارَتهَا عَن الْحيض، وَلَا تكون مَوْطُوءَة فِي ذَلِك الطُّهْر وَأَن يشْهد شَاهِدين على الطَّلَاق، فمفهومه: أَنه إِن طَلقهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر وَطئهَا فِيهِ أَو لم يشْهد يكون طَلَاقا بدعيا.
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السّنة، فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يسمهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثنم يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة.
وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: هَذَا حسن من الطَّلَاق، وَله قَول آخر، وَهُوَ: مَا إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا عِنْد كل طهر طَلْقَة وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة: حسن وَأحسن وبدعي، فَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا وَهِي مَدْخُول بهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وَالْحسن وَهُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، والبدعي أَن يطلقهَا ثلاقا بِكَلِمَة وَاحِدَة، أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد، فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.



[ قــ :4973 ... غــ :5251 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله بنِ عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهْيَ حائِضٌ علَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عنْ ذَلك؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مُرْهُ فلْيُرَاجِعْها ثُمَّ لِيُمْسِكْها حتَّى تَطْهَرُ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهَرُ ثُمَّ إنْ شاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ الله أَن تُطَلَّقَ لَهَا النِّساء.


إِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن القعْنبِي عَن مَالك.
وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم.

قَوْله: ( طلق امْرَأَته) وَهِي آمِنَة بنت غفار، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء، قَالَه النَّوَوِيّ فِي ( تهذيبه) وَقيل: بنت عمار، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم، وَوَقع فِي ( مُسْند أَحْمد) أَن اسْمهَا نوار، وَيُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يكون اسْمهَا: آمِنَة ونوار لقبها، وآمنة بِهَمْزَة مَفْتُوحَة ممدودة وَمِيم مَكْسُورَة وَنون، ونوار بنُون مَفْتُوحَة.
قَوْله: ( وَهِي حَائِض) ، قيل: هَذِه جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، فالمطابقة بَينهمَا شَرط.
وَأجِيب بِأَن الصّفة إِذا كَانَت خَاصَّة بِالنسَاء فَلَا حَاجَة إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة قَاسم بن إصبغ من طَرِيق عبد الحميد بن جَعْفَر عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي فِي دَمهَا حَائِض، وَعند الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته فِي حَيْضهَا وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من ثَمَان طرق صِحَاح.
مِنْهَا: عَن نصر بن مَرْزُوق وَابْن أبي دَاوُد كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر أخبرهُ: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لتراجعها ثمَّ ليمسكها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر، فَإِن بدا لَهُ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا، فَتلك الْعدة كَمَا أَمر الله) قَوْله: ( على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي فِي زَمَنه وأيامه، كَذَا وَقع هَذَا فِي رِوَايَة مَالك، وَكَذَا وَقع عِنْد مُسلم فِي رِوَايَة أبي الزبير عَن ابْن عمر، وَأكْثر الروَاة لم يذكرُوا هَذَا لِأَن قَوْله فَسَأَلَهُ عمر عَن ذَلِك يُغني عَن هَذَا.
قَوْله: ( فَسَأَلَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك) ، أَي: عَن حكم طَلَاق ابْنه عبد الله على هَذَا الْوَجْه، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع: فَأتى عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ ذَلِك، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي رِوَايَة يُونُس بن عبيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن يُونُس بن جُبَير.
قَوْله: ( مره) أَي: مر عبد الله.

اخْتلفُوا فِي معنى هَذَا الْأَمر، فَقَالَ مَالك: هَذَا للْوُجُوب وَمن طلق زَوجته حَائِضًا أَو نفسَاء فَإِنَّهُ يجْبر على رَجعتهَا فسوى دم النّفاس بِدَم الْحيض،.

     وَقَالَ  ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين: يُؤمر برجعتها وَلَا يجْبر على ذَلِك، وحملوا الْأَمر فِي ذَلِك على النّدب ليَقَع الطَّلَاق على سنة.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : وهم من قَالَ: إِن قَوْله: ( مره فَلْيُرَاجِعهَا) من كَلَام ابْن عمر لَا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن صَرِيح فِيهِ وَقَول بَعضهم: إِنَّه أَمر عمر لِابْنِهِ أغرب مِنْهُ، وَهَهُنَا مَسْأَلَة أصولية، وَهِي أَن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء: هَل هُوَ أَمر بذلك الشَّيْء أم لَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مره، فَأمره بِأَن يَأْمر بأَمْره حَكَاهَا ابْن الْحَاجِب، فَقَالَ: الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ أمرا بذلك الشَّيْء،.

     وَقَالَ  الرَّازِيّ: الْأَمر بِالْأَمر بالشي أَمر بالشَّيْء وبسطها فِي الْأُصُول.

قَوْله: ( فَلْيُرَاجِعهَا) فِي رِوَايَة أَيُّوب عَن نَافِع: فَأمره أَن يُرَاجِعهَا، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَرَاجعهَا عبد الله كَمَا أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلف فِي وجوب الرّجْعَة فَذهب إِلَيْهِ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، وَالْمَشْهُور عَنهُ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور: إِنَّهَا مُسْتَحبَّة، وَذكر صَاحب ( الْهِدَايَة) أَنَّهَا وَاجِبَة لوُرُود الْأَمر بهَا.
قَوْله: { ليمسكها} أَي: ليستمر بهَا فِي عصمته حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر، وَفِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع: ثمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض حَيْضَة أُخْرَى، فَإِذا طهرت فَلْيُطَلِّقهَا، وَنَحْوه فِي رِوَايَة اللَّيْث وَأَيوب عَن نَافِع، وَكَذَا عِنْد مُسلم فِي رِوَايَة عبد الله بن دِينَار.
قَوْله: ( إِن شَاءَ أمسك بعد) أَي: بعد الطُّهْر من الْحيض الثَّانِي قَوْله: ( قبل أَن يمس) أَي: قبل أَن يُجَامع.
قَوْله: ( فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى) أَي بقوله: { فطلقوهن لعدتهن} ( الطَّلَاق: 1) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اللَّام بِمَعْنى: فِي يَعْنِي فِي يعْنى فِي قَوْله: أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء.
قلت: لَا نسلم أَن اللَّام هَهُنَا بِمَعْنى الظّرْف لِأَن مَعَانِيهَا الَّتِي جَاءَت لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على كَونهَا ظرفا بل اللَّام هُنَا للاستقبال كَمَا فِي قَوْلهم: تأهب للشتاء، وكما فِي قَوْلهم: لثلاث بَقينَ من الشَّهْر، أَي مُسْتَقْبلا لثلاث،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: { فطلقوهن لعدتهن} يَعْنِي: مستقبلات لعدتهن.

ويستنبط من هَذَا الحَدِيث أَحْكَام: الأول: أَن الطَّلَاق فِي الْحيض محرم وَلكنه وَاقع، وَذكر عِيَاض عَن الْبَعْض أَنه لَا يَقع.
قلت: هُوَ قَول الظَّاهِرِيَّة، وروى مثل ذَلِك عَن بعض التَّابِعين وَهُوَ شذوذ لم يعرج عَلَيْهِ أصلا.
الثَّانِي: أَن الْأَمر فِيهِ بالرجعة على الْوُجُوب أم لَا؟ .
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
الثَّالِث: يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر الرَّابِع: قَوْله: ( فَلْيُرَاجِعهَا) دَلِيل على أَن الطَّلَاق غير الْبَائِن لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى رضَا الْمَرْأَة.
الْخَامِس: فِيهِ دَلِيل على أَن الرّجْعَة تصح بالْقَوْل، وَلَا خلاف فِيهِ.
وَأما بِالْفِعْلِ فَفِيهِ خلاف، فَأَبُو حنيفَة أثْبته، وَالشَّافِعِيّ نَفَاهُ.
السَّادِس: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة أَن من طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض أَثم وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا، فَإِن تَركهَا حَتَّى مَضَت الْعدة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاق، وَفِي هَذَا الْموضع كَلَام كثير جدا، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَليُرَاجع إِلَى ( شرحنا لمعاني الْآثَار للطحاوي) رَحمَه الله تَعَالَى.