فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قصة فاطمة بنت قيس

( بابُُ قِصَّةِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قصَّة فَاطِمَة بنت قيس، لم يذكر لفظ: بابُُ، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ولبعضهم ذكر لفظ: بابُُ، وَعَلِيهِ مَشى ابْن بطال.
وَفَاطِمَة بنت قيس بن خَالِد الْأَكْبَر بن وهب بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن شَيبَان بن محَارب بن فهر القرشية الفهرية أُخْت الضَّحَّاك بن قيس، يُقَال: إِنَّهَا كَانَت أكبر مِنْهُ بِعشر سِنِين، وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول، وَكَانَت ذَات جمال وعقل وَكَمَال، وَفِي بَيتهَا اجْتمعت أَصْحَاب الشورى عِنْد قتل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وخطبوا خطبتهم المأثورة،.

     وَقَالَ  الزبير: وَكَانَت امْرَأَة بخوداً، والبخود: النبيلة، قَالَ أَبُو عمر: روى عَنْهَا الشّعبِيّ وَأَبُو سَلمَة، وَأما الضَّحَّاك بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ من صغَار الصَّحَابَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: يُقَال: إِنَّه ولد قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع سِنِين أَو نَحْوهَا، وينقون سَمَاعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ على شرطة مُعَاوِيَة ثمَّ صَار عَاملا لَهُ على الْكُوفَة بعد زِيَاد، وولاه عَلَيْهَا مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَخمسين وعزله سنة سبع وَخمسين وَولى مَكَانَهُ عبد الرَّحْمَن بن أم الحكم وضمه إِلَى الشَّام، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ مُعَاوِيَة، فصلى عَلَيْهِ، وَقَامَ بخلافته حَتَّى قدم يزِيد ابْن مُعَاوِيَة، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ يزِيد، وَمَات بعده ابْنه مُعَاوِيَة بن يزِيد، ووثب مَرْوَان على بعض أهل الشَّام وبويع لَهُ فَبَايع الضَّحَّاك بن قيس أَكثر أهل الشَّام لِابْنِ الزبير وَعَاد إِلَيْهِ فَاقْتَتلُوا فَقتل الضَّحَّاك بن قيس بمرج راهط لِلنِّصْفِ من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَسِتِّينَ، روى عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ وَتَمِيم بن طرفَة وَمُحَمّد بن سُوَيْد الفِهري وَمَيْمُون بن مهْرَان وَسماك بن حَرْب.

وَأما قصَّة فَاطِمَة بنت قيس فقد رويت من وُجُوه صِحَاح متواترة،.

     وَقَالَ  مُسلم فِي ( صَحِيحه) : بابُُ الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا نَفَقَة لَهَا، ثمَّ روى قصَّتهَا من طرق مُتعَدِّدَة فَأول مَا رُوِيَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن عبد الله بن يزِيد مولى الْأسود ابْن سُفْيَان عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عمر بن حَفْص طَلقهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِب، فَأرْسل إِلَيْهَا وَكيله بشعير فسخطته، فَقَالَ: وَالله مَالك علينا من شَيْء، فَجَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة، فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت أم شريك، ثمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتدى عِنْد ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ رجل أعمى تَضَعِينَ ثِيَابك فَإِذا حللت فاذنيني.
قَالَت: فَلَمَّا حللت ذكرت لَهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَبا جهم خطباني، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه، وَأما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ، أنكحي أُسَامَة بن زيد فَكَرِهته ثمَّ قَالَ: أنكحي أُسَامَة فنكحته فَجعل الله فِيهِ خيرا واغتبطت.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى، وَفِي رِوَايَة: لَا نَفَقَة لَك فانتقلي فاذهبي إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فكوني عِنْده، وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي الجهم.
قَالَ: سَمِعت فَاطِمَة بنت قيس تَقول: أرسل إِلَيّ زَوجي أَبُو عمر بن حَفْص بن الْمُغيرَة عَيَّاش بن أبي ربيعَة بطلاقي، وَأرْسل مَعَه بِخَمْسَة آصَع تمر وَخَمْسَة آصَع شعير، فَقلت: أمالي نَفَقَة إلاَّ هَذَا وَألا اعْتد فِي منزلكم؟ قَالَ: لَا.
قَالَت: فشددت عَليّ ثِيَابِي وأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كم طَلَّقَك؟ قلت: ثَلَاثًا.
قَالَ: صدق، لَيْسَ لَك نَفَقَة اعْتدى فِي بَيت ابْن عمك ابْن أم مَكْتُوم.
.
الحَدِيث.

وَأخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس هَذِه من سِتَّة عشر طَرِيقا كلهَا صِحَاح.
مِنْهَا: مَا قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَبُو سَلمَة قَالَ: حَدثنِي فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص المَخْزُومِي طَلقهَا ثَلَاثًا.
فَأمر لَهَا بِنَفَقَة فاستقلتها.
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه نَحْو الْيمن، فَانْطَلق خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي نفر من بني مَخْزُوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أَبَا عَمْرو بن حَفْص طلق فَاطِمَة ثَلَاثًا فَهَل لَهَا من نَفَقَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ لَهَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى وَأرْسل إِلَيْهَا أَن تنْتَقل إِلَى أم شريك، ثمَّ أرسل إِلَيْهَا أَن أم شريك يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ فانتقلى إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فَإنَّك إِذا وضعت خِمَارك لم يَرك.

ثمَّ الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبابُُ فِي فصلين.
الأول: أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تجب لَهَا النَّفَقَة وَلَا السُّكْنَى عِنْد قوم إِذا لم تكن حَامِلا، وَاحْتَجُّوا بالأحاديث الْمَذْكُورَة، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وطاووس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَالشعْبِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة وَأهل الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  قوم: لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى حَامِلا أَو غير حَامِل، وهم حَمَّاد وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ قوم: لَهَا السُّكْنَى بِكُل حَال وَالنَّفقَة إِذا كَانَت حَامِلا، وهم: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة وَاحْتج أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَن عمر وَعَائِشَة وَأُسَامَة بن زيد ردوا حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وأنكروه عَلَيْهَا وَأخذُوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة وهمت أَو نسيت، وَكَانَ عمر يَجْعَل لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، وروى مُسلم: حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا عمار بن زُرَيْق عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: كنت مَعَ الْأسود بن يزِيد جَالِسا فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومعنا الشّعبِيّ، فَحدث الشّعبِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، ثمَّ أَخذ الْأسود كفا من حصا فَحَصَبه بِهِ، فَقَالَ: وَيلك تحدث بِمثل هَذَا؟ قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا نَتْرُك كتاب الله وَسنة نَبينَا بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي حفظت أَو نسيت لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة قَالَ الله تَعَالَى: { لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} ( الطَّلَاق: 1) وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَلَفظه: لَا نَدْرِي أحفظت أَو لَا، وَأخرجه النَّسَائِيّ وَلَفظه: قَالَ عمر لَهَا إِن جِئْت بِشَاهِدين يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سمعاه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإلاَّ لم نَتْرُك كتاب الله لقَوْل امْرَأَة.

الْفَصْل الثَّانِي: فِي حكم خُرُوج المبتوتة بِالطَّلَاق من بَيتهَا فِي عدتهَا، فمنعت من ذَلِك طَائِفَة، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَعَائِشَة، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم وَسَالم وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَسليمَان بن يسَار، وَقَالُوا: تَعْتَد فِي بَيت زَوجهَا حَيْثُ طَلقهَا، وَحكى أَبُو عبيد هَذَا القَوْل عَن مَالك وَالثَّوْري والكوفيين، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يرَوْنَ أَن لَا تبيت المبتوتة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا إلاَّ فِي بَيتهَا، وَفِيه قَول آخر: أَن المبتوتة تَعْتَد حَيْثُ شَاءَت، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَطَاء وطاووس وَالْحسن وَعِكْرِمَة، وَكَانَ مَالك يَقُول: الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا تزور وتقيم إِلَى قدر مَا يهدأ النَّاس بعد الْعشَاء ثمَّ تنْقَلب إِلَى بَيتهَا، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: تخرج الْمُتَوفَّى عَنْهَا نَهَارا وَلَا تبيت إلاَّ فِي بَيتهَا، وَلَا تخرج الْمُطلقَة لَيْلًا وَلَا نَهَارا.
قَالَ مُحَمَّد: لَا تخرج الْمُطلقَة وَلَا الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا فِي الْعدة، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن الرَّجْعِيَّة تسْتَحقّ السُّكْنَى وَالنَّفقَة، إِذْ حكمهَا حكم الزَّوْجَات فِي جَمِيع أمورها.

وقَوْلِهِ تَعَالَى: { ( 65) وَاتَّقوا الله ربكُم لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة كبينة وَتلك حُدُود الله.
وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا}
( الطَّلَاق: 1) { ( 65) أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من.
.
حَتَّى يَضعن حَملهنَّ}
إِلَى قَوْله: { ( 65) بعد عسر يسرا} ( الطَّلَاق: 6 7) [/ ح.

وَقَوله بِالْجَرِّ أَي: قَول الله تَعَالَى: { وَاتَّقوا الله} هَذَا الْمِقْدَار من الْآيَة ثَبت هُنَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد قَوْله: بُيُوتهنَّ الْآيَة إِلَى قَوْله: { بعد عسر يسرا} .
وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة سَاق الْآيَات كلهَا وَهِي سِتّ آيَات أَولهَا من قَوْله: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} ( الطَّلَاق: 1) إِلَى قَوْله: { سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} ( الطَّلَاق: 7) قَوْله: { وَاتَّقوا الله ربكُم} أَوله قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا الْعدة وَاتَّقوا الله ربكُم} ( الطَّلَاق: 1) أَي: خَافُوا الله ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَلَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ أَي: من مساكنهن الَّتِي يسكنهَا وَهِي بيُوت الْأزْوَاج، وأضيفت إلَيْهِنَّ لاختصاصها بِهن من حَيْثُ السُّكْنَى قَوْله: ( الْآيَة) يَعْنِي: اقْرَأ الْآيَة إِلَى آخرهَا، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة وَتلك حُدُود الله وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَوْله: ( وَلَا يخْرجن) أَي: من مساكنهن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة، قيل: هِيَ الزِّنَا، فيخرجن لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِنَّ، وَقيل: الْفَاحِشَة النُّشُوز، وَالْمعْنَى: إِلَّا أَن يطلقن على نشوزهن فيخرجن لِأَن النُّشُوز يسْقط حقهن فِي السُّكْنَى، وَقيل: إلاَّ أَن يبذون فَيحل إخراجهن لبذائهن، وَالْبذَاء بِالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وبالمد: الْفُحْش فِي الْأَقْوَال، يُقَال: فلَان بذيء اللِّسَان إِذا كَانَ أَكثر كَلَامه فَاحِشا.
قَوْله: ( وَتلك) أَي: الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة ( حُدُود الله وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه) اسْتحق عِقَاب الله.
قَوْله: ( لَا نَدْرِي) أَي النَّفس، وَقيل: لَا تَدْرِي أَنْت يَا مُحَمَّد، وَقيل: لَا تَدْرِي أَيهَا الْمُطلق.
قَوْله: ( لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك) أَي: بعد الطَّلَاق مرّة أَو مرَّتَيْنِ.
( أمرا) أَي رَجْعَة مَا دَامَت فِي الْعدة، وَهنا آخر الْآيَة من سُورَة الطَّلَاق.
قَوْله: ( أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم) ابْتِدَاء آيَة أُخْرَى من سُورَة الطَّلَاق أَيْضا إِلَى قَوْله: { سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} قَوْله: ( أسكنوهن) أَي: اسكنوا المطلقات من نِسَائِكُم.
قَوْله: ( من حَيْثُ سكنتم) كلمة من للتَّبْعِيض أَي: من بعض مَكَان سكناكم، وَعَن قَتَادَة: إِن لم يكن لَهُ إلاَّ بَيت وَاحِد فَإِنَّهُ يسكنهَا فِي بعض جوانبه.
قَوْله: ( من وجدكم) بَيَان وَتَفْسِير لقَوْله: ( من حَيْثُ سكنتم) كَأَنَّهُ قيل: أسكنوهن مَكَانا من سكنكم من سعتكم وطاقتكم حَتَّى تنقضى عدتهن.
قَوْله: ( وَلَا تضاروهن) أَي: وَلَا تؤذوهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ مساكنهن فيخرجن.
قَوْله: ( وَإِن كن أولات حمل فانفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ) فيخرجن من الْعدة.
قَوْله: ( فَإِن أرضعن لكم) أَي: أَوْلَادكُم مِنْهُم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ على رضاعهن.
قَوْله: ( وائتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف) يَعْنِي: ليقبل بَعْضكُم على بعض إِذا أمروا بِالْمَعْرُوفِ،.

     وَقَالَ  الْفراء أَي: هموا،.

     وَقَالَ  الْكسَائي: أَي شاوروا، وَقيل: فَإِن أرضعن لكم يَعْنِي هَؤُلَاءِ المطلقات إِن أرضعن لكم ولدا من غَيْرهنَّ أَو مِنْهُنَّ بعد انْقِطَاع عصمَة الزَّوْجِيَّة فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ وحكمهن فِي ذَلِك حكم الآظار، وَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه الِاسْتِئْجَار إِذا كَانَ الْوَلَد مِنْهُنَّ مَا لم تبن وَيجوز عِنْد الشَّافِعِي.
قَوْله: ( وَإِن تعاسرتم) يَعْنِي فِي الْإِرْضَاع فَأبى الزَّوْج أَن يعْطى الْمَرْأَة أُجْرَة رضاعها وأبت الْأُم أَن ترْضِعه فَلَيْسَ لَهُ إكراهها على إرضاعه ( فسترضع لَهُ أُخْرَى) أَي فستوجد وَلَا تعوز مُرْضِعَة غير الْأُم ترْضِعه.
قَوْله: ( لينفق ذُو سَعَة من سعته) أَي: على قدر غناهُ، وَمن قدر عَلَيْهِ أَي وَمن ضيق عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله.
أَي: فلينفق من ذَلِك الَّذِي أعطَاهُ الله، وَإِن كَانَ قَلِيلا لَا بكلف الله نفسا إلاَّ مَا آتاها أَي إلاَّ مَا أَعْطَاهَا من المَال.
قَوْله: ( سَيجْعَلُ الله بعد عسر) أَي: بعد ضيق فِي الْمَعيشَة ( يسرا) أَي: سَعَة هَذَا وعد لفقراء الْأزْوَاج بِفَتْح أَبْوَاب الرزق عَلَيْهِم.

أجُورَهُنَّ مُهُورَهُنَّ.

أَشَارَ إِلَى تَفْسِير قهول: ( أُجُورهنَّ) فِي قَوْله تَعَالَى: { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} ( النِّسَاء: 42) أَي: مهورهن، هَذَا فِي سُورَة النِّسَاء، وَلَا يَتَأَتَّى أَن يصرف هَذَا إِلَى قَوْله هُنَا: { فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} ( الطَّلَاق: 6) لِأَن المُرَاد من الأجور هُنَا الَّذِي هُوَ جمع أجر بِمَعْنى أُجْرَة الرَّضَاع، وَالَّذِي فِي سُورَة النِّسَاء جمع أجر بِمَعْنى الْمهْر، وَفِي ذكره نوعُ بعدٍ، وَلِهَذَا لَا يُوجد فِي بعض النّسخ.



[ قــ :5035 ... غــ :5321 ]
-
حدّثنا إسْماعِيل حَدثنَا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ عنِ القاسمِ بنِ مُحَمَّدٍ وسُلَيْمانَ ابنِ يسارٍ أنّه سَمِعَهْما يَذْكُرَانِ أنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيدِ بنِ العاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الحكَم، فانْتَقَلها عبْدُ الرَّحْمانِ، فأرْسَلَتْ عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ، وهْوَ أمِيرُ المَدِينَةِ: اتَّقِ الله وارْدُدْها إِلَى بيْتها.
قَالَ مَرْوانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمان: إنَّ عبْدَ الرحْمانِ بنَ الحكَمِ غَلَبَنِي.

وَقَالَ القاسِمُ ابنُ مُحَمَّدٍ: أوَ مَا بَلَغَكِ شأْنُ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ قالَتْ: لَا يَضُرُّكَ أنْ لَا تَذْكرَ حَدِيثَ فاطِمَةَ، فَقَالَ مرْوانُ بنُ الحَكَمِ: إنْ كانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هاذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا بعض شَيْء من قصَّة فَاطِمَة بنت قيس.

وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ: وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَسليمَان بن يسَار.
ضد الْيَمين مولى مَيْمُونَة، وَيحيى بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَكَانَ أَبوهُ أَمِير الْمَدِينَة لمعاوية، وَيحيى هُوَ أَخُو عَمْرو بن سعيد الْمَعْرُوف بالأشدق، وَبنت عبد الرَّحْمَن بن الحكم هِيَ بنت أخي مَرْوَان الَّذِي كَانَ أَمِير الْمَدِينَة أَيْضا لمعاوية حينئذٍ، وَولي الْخلَافَة بعد ذَلِك، وَاسْمهَا: عمْرَة.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن القعْنبِي عَن مَالك.

قَوْله: ( أَنه) أَي: أَن يحيى بن سعيد ( سمعهما) أَي: سمع الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد وَسليمَان بن يسَار.
قَوْله: ( فانتقلها) أَي: نقلهَا عبد الرَّحْمَن بن الحكم أَبوهَا من مَسْكَنهَا الَّذِي طلقت فِيهِ.
قَوْله: ( فَأرْسلت عَائِشَة) فِيهِ حذف أَي: سَمِعت عَائِشَة بِنَقْل عبد الرَّحْمَن بن الحكم بنته من مَسْكَنهَا الَّذِي طَلقهَا فِيهِ يحيى بن سعيد فَأرْسلت إِلَى مَرْوَان بن الحكم، وَهُوَ يومئذٍ أَمِير بِالْمَدِينَةِ، تَقول لَهُ عَائِشَة: ( اتقِ الله وارددها) أَي: الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة، يَعْنِي: احكم عَلَيْهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى بَيتهَا يَعْنِي إِلَى مَسْكَنهَا الَّذِي طلقت فِيهِ.
فَأجَاب مَرْوَان لعَائِشَة، فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، إِن عبد الرَّحْمَن بن الحكم غلبني، يَعْنِي: لم أقدر على مَنعه عَن نقلهَا.

وَقَالَ الْقَاسِم فِي رِوَايَته: إِن مَرْوَان قَالَ لعَائِشَة: أَو مَا بلغك الْخطاب لعَائِشَة شَأْن فَاطِمَة؟ يَعْنِي: قصَّة فَاطِمَة بنت قيس؟ وَهِي أَنَّهَا لم تَعْتَد فِي بَيت زَوجهَا بل انْتَقَلت إِلَى غَيره.
قَوْله: ( قَالَت: لَا يَضرك) أَي: قَالَت عَائِشَة لمروان: لَا يَضرك أَن لَا تذكر حَدِيث فَاطِمَة أَرَادَت: لَا تحتج فِي تَركك نقلهَا إِلَى بَيت زَوجهَا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، لِأَن انتقالها من بَيت زَوجهَا كَانَ لعِلَّة وَهِي أَن مَكَانهَا كَانَ وحشاً مخوفا عَلَيْهِ، وَقيل: فِيهِ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَنَّهَا كَانَت لَسِنَةً استطالت على أحمائها.
قَوْله: ( فَقَالَ مَرْوَان) أَي: فِي جَوَاب عَائِشَة مُخَاطبا لَهَا: إِن كَانَ بك شرّ فِي فَاطِمَة أَو فِي مَكَانهَا عِلّة لِقَوْلِك لجَوَاز انتقالها، فحسبك.
أَي فكفاك فِي جَوَاز انْتِقَال هَذِه الْمُطلقَة أَيْضا مَا بَين هذَيْن أَي: الزَّوْجَيْنِ من الشَّرّ لَو سكنت دَار زَوجهَا، وَقيل: الْخطاب لبِنْت أخي مَرْوَان الْمُطلقَة أَي: لَو كَانَ شَرّ مُلْصقًا بك فحسبك من الشَّرّ مَا بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الطَّلَاق والانتقال إِلَى بَيت الْأَب.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَول مَرْوَان لعَائِشَة: ( إِن كَانَ بك شَرّ فحسبك) يدل أَن فَاطِمَة إِنَّمَا أمرت بالتحويل إِلَى الْموضع الآخر لشر كَانَ بَينهَا وَبينهمْ.
قلت: حَاصِل الْكَلَام من هَذَا كُله أَن عَائِشَة لم تعْمل بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وَكَانَت تنكر ذَلِك، وَكَذَلِكَ عمر كَانَ يُنكر ذَلِك، وَكَذَا أُسَامَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَآخَرُونَ، عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أنكر ذَلِك بِحَضْرَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ مُنكر، فَدلَّ تَركهم الْإِنْكَار فِي ذَلِك عَلَيْهِ أَن مَذْهَبهم فِيهِ كمذهبه.





[ قــ :5036 ... غــ :533 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ الرَّحْمنِ بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنّها قالَتْ: مَا لِفاطِمَةَ؟ ألاَ تَتَّقِي الله؟ يَعْنِي فِي قَوْلِها: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَة.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة: وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون مُحَمَّد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر.

قَوْله: ( حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار) قَالَ الْحَافِظ الْمزي: أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد وَلم ينْسبهُ وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار، وَكَذَا نسبه أَبُو مَسْعُود.
قَوْله: ( مَا لفاطمة؟) أَي: مَا شَأْنهَا وَمَا جرى عَلَيْهَا ( أَلا تتقى الله) يَعْنِي: أَلا تخَاف الله فِي قَوْلهَا: الْمُطلقَة الْبَتَّةَ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سكن على زَوجهَا، وَالْحَال أَنَّهَا تعرف قصَّتهَا يَقِينا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا أمرت بالانتقال لعذر وَعلة كَانَت بهَا،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنْكَار عَائِشَة على فَاطِمَة فتياها بِمَا أَبَاحَ لَهَا الشَّارِع من الِانْتِقَال وَتَركه السُّكْنَى، وَلم يخبر بِالْعِلَّةِ.





[ قــ :5037 ... غــ :535 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاسٍ حَدثنَا ابنُ مَهْدِي حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ الرَّحمانِ بنِ القاسمِ عنْ أبِيه قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ لِعائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الحَكَمِ طلَّقَها زَوْجُها البَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فقالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ.
قَالَ: أَلَمْ تَسْمِعِي فِي قَوْلِ فاطِمَةَ؟ قالَتْ: أما إنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هاذَا الحَدِيثِ.

وزَاد بنُ أبي الزِّنادِ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ: عابتْ عائِشَةُ أشَدَّ الْعَيْبِ، وقالَتْ: إنَّ فاطِمَة كانَتْ فِي مَكانٍ وحْشٍ فَخِيفَ علَى ناحِيتَها، فَلِذَلِكَ أرْخَصَ لَهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخرجه عَن عَمْرو بن عَبَّاس أبي عُثْمَان الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.

قَوْله: ( عَن أَبِيه) هُوَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( قَالَ عُرْوَة بن الزبير) وَفِي بعض النّسخ: قَالَ عُرْوَة، بِدُونِ ذكر أَبِيه.
قَوْله: ( ألم تَرين) ويروى على الأَصْل: ألم ترى.
قَوْله: ( إِلَى فُلَانَة بنت الحكم) نَسَبهَا إِلَى جدها.
وَهِي بنت عبد الرَّحْمَن بن الحكم كَمَا ذكر فِي الطَّرِيق الأول.
قَوْله: ( أَلْبَتَّة) همزتها للْقطع لَا للوصل وَالْمَقْصُود أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَلم يكن طَلقهَا رَجْعِيًا.
قَوْله: ( فَخرجت) أَي: من مسكن الْفِرَاق.
قَوْله: ( بئس مَا صنعت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بئس صنع أَي: زَوجهَا فِي تمكينها من ذَلِك، أَو بئس مَا صنع أَبوهَا فِي موافقها.
قَوْله: ( قَالَ: ألم تسمعي) يحْتَمل أَن يكون فَاعل قَالَ هُوَ عُرْوَة، كَذَا قَالَ بَعضهم.
قلت: فَاعل قَالَ هُوَ عُرْوَة بِلَا احْتِمَال، فَلْيتَأَمَّل.
قَوْله: ( إِمَّا أَنه) بِفَتْح همزَة أما وَتَخْفِيف ميمها، وَهِي حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلا وَكلمَة: أَن، بعْدهَا تكسر بِخِلَاف، إِمَّا، الَّتِي بِمَعْنى: حَقًا فَإِنَّهَا تفتح بعْدهَا، وَالضَّمِير فِي: أَنه، للشأن.
قَوْله: ( لَيْسَ لَهَا خير فِي ذكر هَذَا الحَدِيث) لِأَن الشَّخْص لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يذكر شَيْئا عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة.

قَوْله: ( وَزَاد ابْن أبي الزِّنَاد) ، أَي: زَاد عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد بالنُّون واسْمه عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي فِيهِ مقَال، فَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا يحْتَج بحَديثه،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: بعض رواياته لَا يُتَابع عَلَيْهَا،.

     وَقَالَ  يَعْقُوب بن شيبَة: ثِقَة صَدُوق وَفِي بعض حَدِيثه ضعف، وَعَن يحيى بن معِين: أثبت النَّاس فِي هِشَام بن عُرْوَة، اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) وروى لَهُ فِي غَيره، وروى لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه، وروى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَوصل هَذِه الزِّيَادَة الْمُعَلقَة أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد: أَنبأَنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عبد الحمن بن أبي الزِّنَاد.
.
فَذكره.
قَوْله: ( عابت عَائِشَة) ، يَعْنِي: على فَاطِمَة بنت قيس،.

     وَقَالَ ت يَعْنِي: عَائِشَة.
قَوْله: ( وَحش) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة أَي: مَكَان خَال لَا أنيس بِهِ.
قَوْله: ( فَلذَلِك) أَي: فلأجل كَونهَا فِي مَكَان وَحش أرخص لَهَا بالانتقال وَقد احْتَرَقَ ابْن حزم هُنَا، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد وَهُوَ ضَعِيف جدا، ورد بِمَا ذكرنَا، وَلَا سِيمَا قَول يحيى بن معِين: هُوَ أثبت النَّاس فِي هِشَام بن عُرْوَة.

وَالْحَاصِل من هَذِه الْأَحَادِيث بَيَان رد عَائِشَة حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس على الْوَجْه الَّذِي ذكرته من غير بَيَان الْعلَّة فِيهِ، وَأَن الْمُطلقَة المبانة لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : وَحَدِيث فَاطِمَة رده عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَلَا سنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي صدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت؟ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: للمطلقة الثَّلَاث النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مَا دَامَت فِي الْعدة، ورده أَيْضا زيد بن ثَابت وَأُسَامَة بن زيد وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: ادّعى.
بعض الْحَنَفِيَّة أَن فِي بعض طرق حَدِيث عمر: للمطلقة ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، ورده ابْن السَّمْعَانِيّ بِأَنَّهُ من قَول بعض المجازفين فَلَا تحل رِوَايَته، وَقد أنكر أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر أصلا وَلَعَلَّه أَرَادَ مَا ورد من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكَونه لم يلقه.
انْتهى.
قلت: مَا المجازف إلاَّ من ينْسب المجازفة إِلَى الْعلمَاء من غير بَيَان، فَإِن كَانَ مُسْتَنده إِنْكَار أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَا يفِيدهُ ذَلِك لِأَن الَّذين قَالُوا بذلك يَقُولُونَ بِثُبُوت ذَلِك عَن عمر، فالمثبت أولى من النَّافِي لِأَن مَعَه زِيَادَة علم.
وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ، الَّذِي هُوَ إِمَام جهبذ فِي هَذَا الْفَنّ: لما جَاءَت فَاطِمَة بنت قيس فروت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهَا: إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن كَانَت عَلَيْهَا الرّجْعَة، خَالَفت بذلك كتاب الله تَعَالَى نصا، لِأَن كتاب الله تَعَالَى قد جعل السُّكْنَى لمن لَا رَجْعَة عَلَيْهَا، وخالفت سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ، وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف مَا رَوَت، فَخرج الْمَعْنى الَّذِي مِنْهُ أنكر عَلَيْهَا عمر مَا أنكر خُرُوجًا صَحِيحا، وَبَطل حَدِيث فَاطِمَة فَلم يجب الْعَمَل بِهِ أصلا انْتهى.
وَأَرَادَ بقوله: قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف مَا رَوَت.
قَوْله: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول لَهَا: السُّكْنَى وَالنَّفقَة، أَي للمبتوتة، وَكَذَا روى جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَرْب بن أبي الْعَالِيَة عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره.
فَإِن قلت: قَالَ عبد الْحق فِي ( أَحْكَامه) : وَحرب بن أبي الْعَالِيَة لَا يحْتَج بِهِ، ضعفه يحيى بن معِين فِي رِوَايَة الداروردي عَنهُ، وَضَعفه فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة، وَالْأَشْبَه وَقفه على جَابر.
انْتهى.
قلت: حَدِيث حَرْب بن أبي الْعَالِيَة فِي ( صَحِيح مُسلم) وَأخرج لَهُ أَيْضا الْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) وَيَكْفِي توفيق مُسلم إِيَّاه، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة أَنَّهَا أخْبرت عمر بن الْخطاب بِأَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى، فَأخْبرت بذلك النَّخعِيّ فَقَالَ: أخبر عمر ذَلِك فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة.
فَإِن قلت: لم يدْرك إِبْرَاهِيم عمر لِأَنَّهُ ولد بعده بِسنتَيْنِ.
قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَن مُرْسل إِبْرَاهِيم يحْتَج بِهِ، وَلَا سِيمَا على أصلنَا، فَافْهَم.