فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال

( بابٌُُ: { حَبْسٍ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ العِيَالِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز حبس الرجل قوت سنة، يَعْنِي إدخاره الْقُوت لأجل أَهله يَكْفِيهِ سنة، وَكَيف شَأْن نفقات الْعِيَال والكيفية رَاجِعَة إِلَى صفة النَّفَقَات من حَيْثُ الْفَرِيضَة وَالْوُجُوب وعدمهما.



[ قــ :5065 ... غــ :5357 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرنا وَكيعٌ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرِنِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثا حَدَّثَناهُ ابنُ شهابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكٍ بنِ أوْسٍ عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قَوتَ سَنَتِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَالثَّوْري هُوَ سُفْيَان.

والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد فَاتَ ابْن عُيَيْنَة سَماع هَذَا الحَدِيث من الزُّهْرِيّ فَرَوَاهُ عَنهُ بِوَاسِطَة معمر، وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ بأتم من سِيَاق معمر، وَتقدم فِي سُورَة الْحَشْر.
وَأخرجه أَحْمد والْحميدِي فِي ( مسنديهما) عَن سُفْيَان عَن معمر وَعَمْرو بن دِينَار جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج مُسلم رِوَايَة معمر وَحدهَا عَن يحيى بن يحيى عَن سُفْيَان عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، لَكِن لم يسق لَفظه، وَأخرج إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي ( مُسْنده) رِوَايَة معمر مُنْفَرِدَة عَن سُفْيَان عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: كَانَ ينْفق على أَهله نَفَقَة سنة من مَال بني النَّضِير، وَيحمل مَا بَقِي فِي الكراع وَالسِّلَاح.

قَوْله: ( بني النَّضِير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء، وهم حَيّ من يهود خَيْبَر، وَقد دخلُوا فِي الْعَرَب وهم على نسبتهم إِلَى هَارُون أخي مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَام.

قَالَ الْمُهلب: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز إدخار الْقُوت للأهل والعيال وَأَنه لَيْسَ بحكرة، وَإِن مَا ضمه الْإِنْسَان من زرعه أَو جد من نخله وثمره وحبسه لقُوته لَا يُسمى حكرة، وَلَا خلاف فِي هَذَا بَين الْفُقَهَاء.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: فِيهِ دَلِيل الرَّد على الصُّوفِيَّة حَيْثُ قَالُوا: الإدخار من يَوْم لغد يسيء فَاعله إِذْ لم يتوكل على ربه حق توكله، وَلَا خَفَاء بِفساد هَذَا القَوْل.





[ قــ :5066 ... غــ :5358 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدَّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخْبَرنِي مَالِكُ بنُ أوْسٍ بنِ الحَدَثَانٍ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ بنِ مِطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بنِ أوْسٍ فَسَألْتُهُ.
فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنهُ، إذْ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمانِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ { فَأذِنَ لَهُمْ.
قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا.
ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلاً فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأذِنَ لَهُمَا.
فَلَمَّا دَخَلا سَلَّما وَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ}
اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هاذا.
فَقَالَ: الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأصْحَابُهُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا.
وَأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ.
فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكنا فَهُوَ صدقه يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه قَالَ الرَّهْط قد قَالَ ذَلِك فَأقبل عمر على عليّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُما بِالله هَلْ تَعُلَمانِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذالِكَ؟ قَالا: قَدْ قَالَ ذالِكَ.
قَالَ عُمَرُ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هاذا الأمْرِ: إنَّ الله كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هاذا المَالِ بِشَيْء لَمْ يُعْطِهِ أحَدا غَيْرَهُ.
قَالَ الله: { مَا أفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: { قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هاذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ وَلا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أعْطاكُمُوها وَبَثَّها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْها هاذا المَالُ: فَكانَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هاذا المَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجَعَلَهُ مَجْعَلَ مَالِ الله فَعَمِلَ بِذالِكَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيَاتَهُ.
أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ تَعْلَمُونَ ذالِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ تَعْلَمَانِ ذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ.
ثُمَّ تَوَفَّى الله نَبِيَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضَهَا أبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمَلَ بِهِ فِيها رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنْتُمَا حِينئذٍ.
وأقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ كَذا وَكَذا، وَالله يَعْلَمُ أنَّهُ فِيها صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُها سَنَتَيْنٍ أعَمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتِمَانِي وَكَلِمَتُمَانِي وَاحِدَةٌ وَأمْرُكُما جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلَنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابنِ أخِيكَ وَأتَى هاذا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأتِهِ مِنْ أبِيهَا فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ الله وَمِيثاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِما عَمِلَ بِهِ فِيها أبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيها مُنْذُ وُلِّيتُها وَإلاَّ فَلا تُكَلِّمانِي فِيهَا.
فَقُلْتُمَا ادْفَعْها إلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْهِمَا بِذالِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْكُمَا بِذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ.
قَالَ: أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ؟ وَالَّذِي بِإذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ لَا أقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
فَإنْ عَجَزْتُمَا عَنْها فَادْفَعَاها فَأنا أكْفِيكُمَاها.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتها) الحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ فرض الْخمس زِيَادَة بعض الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.

قَوْله: ( يرفأ) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزا وَغير مَهْمُوز.
قَوْله: ( اتئدوا) ، أَمر من الاتئاد وَهُوَ التأني وَعدم العجلة.
قَوْله: ( أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين أَي: أَسأَلكُم بِاللَّه.
قَوْله: ( لم يُعْطه غَيره) ، لِأَن الْفَيْء كُله على اخْتِلَاف فِيهِ كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَمَا احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَي: اجمعها لنَفسِهِ دونكم.
قَوْله: ( وَلَا اسْتَأْثر) أَي: لَا اسْتقْبل بهَا وَلَا تفرد بهَا.
يُقَال: اسْتَأْثر فلَان بِهِ إِذا أَخذه لنَفسِهِ.
قَوْله: ( وبثها) ، أَي: فرقها.
قَوْله: ( هَذَا المَال) أَي: فدك وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( نجْعَل مَال الله) أَي: مَوضِع جعل مَال الله فِيهِ، يَعْنِي: بَيت المَال.
قَوْله: ( وأنتما) ، مُبْتَدأ وَقَوله: ( تزعمان) خَبره.
قَوْله: ( وَأَقْبل على عَليّ وعباس) جملَة حَالية مُعْتَرضَة.
( كَذَا وَكَذَا) أَي: لَا يُعْطي ميراثنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَالله يعلم أَنه) ، أَي: أَن أَبَا بكر.
قَوْله: ( صَادِق) ، أَي: فِي القَوْل.
قَوْله: ( بار) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء أَي: فِي الْعَمَل.
قَوْله: ( رَاشد) ، أَي: فِي الِاقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وأمركما جَمِيع) ، أَي: مُجْتَمع أَي: لم يكن بَيْنكُمَا مُنَازعَة.
قَوْله: ( من ابْن أَخِيك) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( امْرَأَته) أَي: فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: ( من أَبِيهَا) أَي: نصِيبهَا الْكَائِن من أَبِيهَا وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَقَالَ الرَّهْط) ، وهم: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن وَالزُّبَيْر وَسعد.
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: ( فَأقبل) أَي: عمر على عَليّ وعباس قَوْله: ( أفتلتمسان مني) ؟ أَي: أفتطلبان مني قَضَاء أَي حكما غير ذَلِك؟ أَي: غير مَا حكمت بِهِ.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ هَذِه الْقِصَّة مشكلة فَإِنَّهُمَا أخذاها من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الشريطة واعترفا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ: مَا تركنَا صَدَقَة فَمَا الَّذِي بدا لَهما بعد ذَلِك حَتَّى تخاصما؟ وَالْمعْنَى فِيهَا: أَنه كَانَ يشق عَلَيْهِمَا الشّركَة فطلبا أَن يقسم بَينهمَا كل مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّف فِيمَا يصير إِلَيْهِ فمنعهما عمر الْقسم لِئَلَّا يجْرِي عَلَيْهَا اسْم الْملك لِأَن الْقِسْمَة تقع فِي الْأَمْلَاك، ويتطاول الزَّمَان فيظن بِهِ الملكية.