فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء

( بابٌُ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنَ الْماءِ)

أَي: هَذَا بابُُ يبين فِيهِ الصَّعِيد الطّيب إِلَى آخِره، وَبابُُ، بِالتَّنْوِينِ.
قَوْله: ( الصَّعِيد) مُبْتَدأ ( وَالطّيب) صفته، وَقَوله: ( وضوء الْمُسلم) خَبره.
وَقد ذكرنَا عَن قريب معنى: الصَّعِيد الطّيب.
قَوْله: ( يَكْفِيهِ) أَي: يجْزِيه ويغنيه عَن المَاء عِنْد عَدمه حَقِيقَة أَو حكما، وَمثل هَذِه التَّرْجَمَة روى الْبَزَّار من طَرِيق هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب إرْسَاله، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي قلَابَة عَن عَمْرو بن بجدان عَن أبي ذَر: ( اجْتمعت غنيمَة عِنْد رَسُول ا) الحَدِيث، وَفِيه، فَقَالَ: ( الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين) .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) .

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف ابْن الْقطَّان لهَذَا الحَدِيث بِعَمْرو بن بجدان لكَون حَاله لَا يعرف، وَيَكْفِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه فِي معرفَة حَال عَمْرو بن بجدان، وبجدان، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا دَال مُهْملَة وَفِي آخِره نون.
قَوْله: ( وَلَو إِلَى عشر سِنِين) المُرَاد بهَا الْكَثْرَة لَا الْعشْرَة، وَتَخْصِيص الْعشْرَة لأجل الْكَثْرَة لِأَنَّهَا مُنْتَهى عدد الْآحَاد.
وَالْمعْنَى: أَن لَهُ أَن يفعل التَّيَمُّم مرّة بعد أُخْرَى، وَإِن بلغت مُدَّة عدم المَاء إِلَى عشر سِنِين، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن التَّيَمُّم دفْعَة وَاحِدَة يَكْفِيهِ عشر سِنِين.

وقالَ الحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُمُ مَا لمْ يُحْدِثْ.

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: يَكْفِيهِ التَّيَمُّم الْوَاحِد مَا لم يحدث، أَي: مُدَّة عدم الْحَدث.
قَوْله: ( يُجزئهُ) ، بِضَم الْيَاء وبالهمزة فِي آخِره من: الْإِجْزَاء، وَهُوَ لُغَة: الْكِفَايَة، وَاصْطِلَاحا: الْأَدَاء الْكَافِي لسُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، ويروى: ( يجْزِيه) ، بِفَتْح الْيَاء الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: جزأت بالشَّيْء اكتفيت بِهِ، وجزى عني هَذَا، أَي: قضى فَهُوَ على التَّقْدِيرَيْنِ لَازم، فَلَعَلَّ التَّقْدِير: يقْضِي عَن المَاء التَّيَمُّم، فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل، وَالْقَصْد أَن التَّيَمُّم حكمه حكم الْوضُوء فِي جَوَاز أَدَاء الْفَرَائِض المتعددة بِهِ والنوافل مَا لم يحدث بِأحد الحدثين، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا، وَبِه قَالَ إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَابْن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَاللَّيْث وَالْحسن بن حييّ وَدَاوُد بن عَليّ، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اتعالى عَنْهُمَا.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يتَيَمَّم لكل صَلَاة فرض، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق، وَهُوَ قَول قَتَادَة وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَشريك وَاللَّيْث وَأبي ثَوْر، وَذكره الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس من طرق ضَعِيفَة، وَمن حَدِيث قَتَادَة عَن عَمْرو بن الْعَاصِ والْحَارث عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اتعالى عَنْهُم.
وَعند الْحَاكِم مصححاً من حَدِيث أبي ذَر، وَقد طول الْكرْمَانِي فِي الِاحْتِجَاج للشَّافِعِيّ وَمن تبعه فِي هَذَا من طَرِيق الْعقل وَالنَّقْل يُبطلهُ، ثمَّ إِن البُخَارِيّ ذكر عَن الْحسن مُعَلّقا، وَوَصله ابْن أبي شيبَة: حدّثنا هشيم عَن يُونُس عَن الْحسن.
قَالَ: ( لَا ينْقض التَّيَمُّم إلاَّ الْحَدث) ، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم وَعَطَاء، وَوَصله أَيْضا عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه: ( يجزىء تيَمّم وَاحِد مَا لم يحدث) .
وَوَصله أَبُو مَنْصُور أَيْضا، وَلَفظه: ( التَّيَمُّم بِمَنْزِلَة الْوضُوء، إِذا تَوَضَّأت فَأَنت على وضوء حَتَّى تحدث) .
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: وروينا عَن حَمَّاد بن سَلمَة، يَعْنِي من ( مُصَنفه) عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن، قَالَ: ( يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا بِتَيَمُّم وَاحِد، مثل الْوضُوء، مَا لم بِحَدَث) .

وَأَمَّ ابنَ عَبَّاسٍ وهْوَ مُتَيَمِّمٌ.

هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن بِي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح.

ثمَّ وَجه مُنَاسبَة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تجوز إِمَامَة الْمُتَيَمم للمتوضىء كإمامة المتوضىء، فَدلَّ ذَلِك على أَن التَّيَمُّم طَهَارَة مُطلقَة غير ضَرُورِيَّة، إِذْ لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لَكَانَ ضَعِيفا، وَلَو كَانَ ضَعِيفا لما أم ابْن عَبَّاس وَهُوَ متيمم بِمن كَانَ متوضئاً، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
عَن مُحَمَّد بن الْحسن: لَا يجوز، وَبِه قَالَ الْحسن بن حييّ، وَكره مَالك وَعبد ابْن الْحسن ذَلِك، فَإِن فعل أَجزَأَهُ.
.

     وَقَالَ  ربيعَة: لَا يؤم الْمُتَيَمم من جنابته إلاَّ من هُوَ مثله، وَبِه قَالَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: لَا يؤمهم إلاَّ إِذا كَانَ أَمِيرا، كَذَا قَالَه ابْن حزم.
.

     وَقَالَ  أَبُو طَالب: سَأَلت أَبَا عبد اعن الْجنب يؤم المتوضئين؟ قَالَ: نعم قد أمَّ ابْن عَبَّاس أَصْحَابه وَفِيهِمْ عمار بن يَاسر وَهُوَ جنب، فَتَيَمم، وَعَمْرو بن الْعَاصِ صلى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ جنب، فَأخْبر النَّبِي فَتَبَسَّمَ.
قلت: حسان بن عَطِيَّة سمع من عَمْرو بن الْعَاصِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِن يقوى بِحَدِيث ابْن عَبَّاس.
فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين) ، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب مَوْقُوفا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين، وَلَا الْمُقَيد المطلقين) .
قلت: هَذَانِ حديثان ضعيفان، ضعفهما الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حزم وَغَيرهمَا.
فَإِن قلت: ذكر أَبُو حَفْص بن شاهين فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب، مَرْفُوعا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين) .
قلت: لما ذكره ابْن شاهين ذكر بعده حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الحَدِيث نَاسِخا للْأولِ، وَهَذَا الحَدِيث أَجود إِسْنَادًا من حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَإِن صَحَّ فَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي فِي ذَلِك لضَرُورَة وَقعت مَعَ وجود المَاء.
فَإِن قلت: يكون هَذَا رخصه لعَمْرو إِذْ لم يَنْهَهُ وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِعَادَةِ.
قلت: لَو كَانَ رخصَة لَهُ دون غَيره لم يقل لَهُ؛ أَحْسَنت وَضحك فِي وَجهه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذِه الْمَسْأَلَة وَافق فِيهَا الْكُوفِيُّونَ وَالْجُمْهُور على خلاف ذَلِك.
قلت: هَذَا عكس الْقَضِيَّة، بل الْجُمْهُور على الْمُوَافقَة، يقف عَلَيْهِ من يمعن النّظر فِي الْكتب.
.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَاحْتج المُصَنّف لعدم الْوُجُوب بِعُمُوم قَوْله فِي حَدِيث الْبابُُ: ( فَإِنَّهُ يَكْفِيك) أَي: مَا لم تحدث أَو تَجِد المَاء، وَحمله الْجُمْهُور على أَعم من ذَلِك، أَي: لفريضة وَاحِدَة وَمَا شِئْت من النَّوَافِل.
انْتهى.
قلت: معنى قَوْله: ( فَإِنَّهُ يَكْفِيك) أَي: فِي كل الصَّلَوَات فَرضهَا ونفلها، وَهَذَا هُوَ معنى الأعمية، وَلَيْسَ فِي قَوْله: لفريضة وَاحِدَة وَمَا شِئْت من النَّوَافِل معنى الأعمية، لِأَن معنى الأعمية فِي شَيْء أَن يكون شَامِلًا لجَمِيع أَفْرَاد ذَلِك الشَّيْء، وَلَيْسَ لقَوْله: لفريضة وَاحِدَة، إِفْرَاد.
وَأما النَّفْل فَإِنَّهُ تبع للْفَرض، وَالتَّابِع لَيْسَ لَهُ حكم مُسْتَقْبل بل، حكمه حكم الْمَتْبُوع.
فَافْهَم.

وقالَ يَحْيَى بنُ سعِيدٍ لاَ بأسَ بالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيمُّمِ بِهَا.

يحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، ومطابقة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى الطّيب الطَّاهِر والسبخة طَاهِرَة، فَتدخل تَحت الطّيب.
وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، فِي شَأْن الْهِجْرَة، أَنه قَالَ: ( أَرَأَيْت دَار هجرتكم سبخَة ذَات نخيل) يَعْنِي الْمَدِينَة، قَالَ: وَقد سمى النَّبِي الْمَدِينَة طيبَة فَدلَّ على أَن السبخة دَاخِلَة فِي الطّيب، وَلم يُخَالف فِي ذَلِك إلاَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَلم يجوز التَّيَمُّم بهَا، والسبخة بِفَتْح حروفها كلهَا، وَاحِدَة السباخ.
فَإِذا قلت: أَرض سبخَة، كسرت الْبَاء.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هِيَ أَرض ذَات ملح ونزو، وَجَمعهَا: سباخ، وَقد سبخت سبخاً فَهِيَ سبخَة، وأسبخت.
.

     وَقَالَ  غَيره: هِيَ أَرض تعلوها ملوحة لَا تكَاد تنْبت إِلَّا بعض الشّجر.
وَفِي ( الباهر) لِابْنِ عديس: سبخت، بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا.
وَفِي ( شرح الْمُوَطَّأ) لعبد الْملك بن حبيب: السبخة: الأَرْض المالحة الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، وَلَيْسَت الردغة وَلَا الرداغ كَمَا يَقُول من لَا يعرف.


[ قــ :340 ... غــ :344 ]
- ( حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنَا عَوْف قَالَ حَدثنَا أَبُو رَجَاء عَن عمرَان قَالَ كُنَّا فِي سفر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّا أسرينا حَتَّى كُنَّا فِي آخر اللَّيْل وقعنا وقْعَة وَلَا وقْعَة أحلى عِنْد الْمُسَافِر مِنْهَا فَمَا أيقظنا إِلَّا حر الشَّمْس وَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ فلَان ثمَّ فلَان ثمَّ فلَان يسميهم أَبُو رَجَاء فنسي عَوْف ثمَّ عمر بن الْخطاب الرَّابِع وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَام لم نوقظه حَتَّى يكون هُوَ يَسْتَيْقِظ لأَنا لَا نَدْرِي مَا يحدث لَهُ فِي نَومه فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عمر وَرَأى مَا أصَاب النَّاس وَكَانَ رجلا جليدا فَكبر وَرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يكبر وَيرْفَع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لصوته النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شكوا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُم قَالَ لَا ضير أَو لَا يضير ارتحلوا فارتحلوا فَسَار غير بعيد ثمَّ نزل فَدَعَا بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فصلى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ من صلَاته إِذا هُوَ بِرَجُل معتزل لم يصل مَعَ الْقَوْم قَالَ مَا مَنعك يَا فلَان أَن تصلي مَعَ الْقَوْم قَالَ أصابتني جَنَابَة وَلَا مَاء قَالَ عَلَيْك بالصعيد فَإِنَّهُ يَكْفِيك ثمَّ سَار النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاشتكى إِلَيْهِ النَّاس من الْعَطش فَنزل فَدَعَا فلَانا كَانَ يُسَمِّيه أَبُو رَجَاء نَسيَه عَوْف ودعا عليا فَقَالَ اذْهَبَا فابتغيا المَاء فَانْطَلقَا فتلقيا امْرَأَة بَين مزادتين أَو سطيحتين من مَاء على بعير لَهَا فَقَالَا لَهَا أَيْن المَاء قَالَت عهدي بِالْمَاءِ أمس هَذِه السَّاعَة ونفرنا خلوفا قَالَا لَهَا انطلقي إِذا قَالَت إِلَى أَيْن قَالَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء قَالَا هُوَ الَّذِي تعنين فانطلقي فجاآ بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحدثاه الحَدِيث قَالَ فاستنزلوها عَن بَعِيرهَا ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِنَاء ففرغ فِيهِ من أَفْوَاه المزادتين أَو السطيحتين وأوكأ أفواههما وَأطلق العزالي وَنُودِيَ فِي النَّاس اسقوا واستقوا فسقى من شَاءَ واستقى من شَاءَ وَكَانَ آخر ذَاك أَن أعْطى الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة إِنَاء من مَاء قَالَ اذْهَبْ فأفرغه عَلَيْك وَهِي قَائِمَة تنظر إِلَى مَا يفعل بِمَائِهَا وَايْم الله لقد أقلع عَنْهَا وَإنَّهُ ليُخَيل إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشد ملأة مِنْهَا حِين ابْتَدَأَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجْمَعُوا لَهَا فَجمعُوا لَهَا من بَين عَجْوَة ودقيقة وسويقة حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما فجعلوها فِي ثوب وَحملُوهَا على بَعِيرهَا وَوَضَعُوا الثَّوْب بَين يَديهَا قَالَ لَهَا تعلمين مَا رزئنا من مائك شَيْئا وَلَكِن الله هُوَ الَّذِي أسقانا فَأَتَت أَهلهَا وَقد احْتبست عَنْهُم قَالُوا مَا حَبسك يَا فُلَانَة قَالَت الْعجب لَقِيَنِي رجلَانِ فذهبا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء فَفعل كَذَا وَكَذَا فوَاللَّه إِنَّه لأسحر النَّاس من بَين هَذِه وَهَذِه وَقَالَت باصبعيها الْوُسْطَى والسبابُة فرفعتهما إِلَى السَّمَاء تَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَو إِنَّه لرَسُول الله حَقًا فَكَانَ الْمُسلمُونَ بعد ذَلِك يغيرون على من حولهَا من الْمُشْركين وَلَا يصيبون الصرم الَّذِي هِيَ مِنْهُ فَقَالَت يَوْمًا لقومها مَا أرِي أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يدعونكم عمدا فَهَل لكم فِي الْإِسْلَام فأطاعوها فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " عَلَيْك بالصعيد فَإِنَّهُ يَكْفِيك ".
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول مُسَدّد بن مسرهد تقدم الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ بنْدَار مَا أَظن أَنه عصى الله تَعَالَى قطّ قد تقدم الثَّالِث عَوْف الْأَعرَابِي يُقَال لَهُ عَوْف الصدوق تقدم فِي بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان الرَّابِع أَبُو رَجَاء بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْجِيم وبالمد العطاردي اسْمه عمرَان بن ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة قَالَ البُخَارِيّ الْأَصَح أَنه ابْن تيم أدْرك زمَان الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يره وَأسلم بعد الْفَتْح وأتى عَلَيْهِ مائَة وَعِشْرُونَ سنة مَاتَ فِي سنة بضع وَمِائَة.
الْخَامِس عمرَان بن حُصَيْن بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمُهْملَة أَيْضا أسلم عَام خَيْبَر وَرُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة حَدِيث وَثَمَانُونَ حَدِيثا للْبُخَارِيّ مِنْهَا اثنى عشر بَعثه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى الْبَصْرَة ليفقههم وَكَانَت الْمَلَائِكَة تسلم عَلَيْهِ وَكَانَ قَاضِيا بِالْبَصْرَةِ وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل وَفِيه حَدثنَا يحيى وَفِي بعض النّسخ حَدثنِي يحيى وَفِيه مُسَدّد بن مسرهد فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره مُسَدّد بِذكرِهِ وَحده وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي الْوَلِيد عَن سلم بن زرير وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ وَعَن اسحق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث الْحسن عَن عمرَان " نمنا عَن صَلَاة الْفجْر حَتَّى طلعت الشَّمْس فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن ثمَّ صلى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ أَقَامَ الْمُؤَذّن فصلى الْفجْر ".

     وَقَالَ  صَحِيح على مَا قدمنَا ذكره فِي صِحَة سَماع الْحسن عَن عمرَان وَعند الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن عَنهُ " فصلى رَكْعَتي الْفجْر حَتَّى إِذا أمكننا الصَّلَاة صلينَا " وَعند أَحْمد " فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل عرس فَلم نستيقظ حَتَّى أيقظنا حر الشَّمْس فَجعل الرجل يقوم دهشا إِلَى طهوره قَالَ فَأَمرهمْ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسكنوا ثمَّ ارتحلوا فسرنا حَتَّى إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس تَوَضَّأ ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأذن ثمَّ صلى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ أَقَامَ فصلينا فَقَالُوا يَا رَسُول الله أَلا نعيدها فِي وَقتهَا من الْغَد قَالَ أينهاكم ربكُم تبَارك وَتَعَالَى عَن الرِّبَا ويقبله مِنْكُم " وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة " وَعند ابْن حزم من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم حَدثنَا أَبُو رَجَاء " ثمَّ إِن الْجنب وجد المَاء بعد فَأمره أَن يغْتَسل وَلَا يُعِيد الصَّلَاة " وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن شهَاب عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر سَار لَيْلَة حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرس قَالَ لِبلَال اكلأ لنا اللَّيْل فَلَمَّا تقَارب الْفجْر اسْتندَ بِلَال إِلَى رَاحِلَته فغلبته عَيناهُ فَلم يَسْتَيْقِظ وَلَا أحد من أَصْحَابه حَتَّى ضربتهم الشَّمْس فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوَّلهمْ استيقاظا فَقَالَ أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك " وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث أبي قَتَادَة " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَبْعَة رَهْط فَمَال عَن الطَّرِيق فَوضع رَأسه ثمَّ قَالَ احْفَظُوا علينا صَلَاتنَا فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالشَّمْس فِي ظَهره وقمنا فزعين " فَذكر حَدِيث الميضأة مطولا " وَإِن النَّاس فقدوا نَبِيّهم فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعدكُم لم يكن ليخلفكم.

     وَقَالَ  النَّاس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين أَيْدِيكُم " وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث خَالِد بن سمير عَن عبد الله بن رَبَاح حَدثنَا أَبُو قَتَادَة قَالَ " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَيش الْأُمَرَاء " فَذكره قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر وَقَول خَالِد جَيش الْأُمَرَاء وهم عِنْد الْجَمِيع لِأَن جَيش الْأُمَرَاء كَانَ فِي موتَة وَهِي سَرِيَّة لم يشهدها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ابْن حزم وَقد خَالف خَالِدا من هُوَ أحفظ مِنْهُ وَعند أبي دَاوُد بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث جَامع بن شَدَّاد سَمِعت عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ " أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة لَيْلًا فنزلنا دهاشا من الأَرْض فَقَالَ من يكلأنا فَقَالَ بِلَال أَنا قَالَ إِذا تنام قَالَ لَا فَنَامَ بِلَال حَتَّى طلعت الشَّمْس فَاسْتَيْقَظَ فلَان وَفُلَان فيهم عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ اهضبوا " أَي تكلمُوا " وأمضوا فَاسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث وَذكر أَبُو مُسلم الْكَجِّي فِي كتاب السّنَن عَن عَمْرو بن مَرْزُوق أخبرنَا المَسْعُودِيّ عَن جَامع بِلَفْظ " قَالَ عبد الله لما رَجَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة قَالَ من يحرسنا قَالَ عبد الله فَقلت أَنا قَالَ إِنَّك تنام مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ أَنْت فحرست حَتَّى كَانَ فِي وَجه الصُّبْح أدركني مَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنمت " الحَدِيث وَعند الطَّبَرَانِيّ وَأبي دَاوُد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَرِيَّة فَتقدم النَّاس فَقَالَ هَل لكم أَن نهجع هجعة فَمن يكلؤ لنا اللَّيْلَة قَالَ ذُو مخبر أَنا فَأعْطَاهُ خطام نَاقَته.

     وَقَالَ  لَا تكن لكع قَالَ ذُو مخبر فَانْطَلَقت غير بعيد فأرسلتها مَعَ نَاقَتي ترعيان فغلبني عَيْني فَمَا أيقظني إِلَّا حر الشَّمْس على وَجْهي فَجئْت أدني الْقَوْم فأيقظته وَأَيْقَظَ النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي الْمُوَطَّأ عَن زيد بن أسلم قَالَ " عرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة بطرِيق مَكَّة شرفها الله ووكل بِلَالًا أَن يوقظهم للصَّلَاة " الحَدِيث وَفِي كتاب عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج أَخْبرنِي سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَطاء بن يسَار أَن التعرس فِي غَزْوَة تَبُوك وَكَذَا ذكره عقبَة بن عَامر قَالَ " خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فاسترقد لما كَانَ مِنْهَا على لَيْلَة فَاسْتَيْقَظَ حِين كَانَت الشَّمْس قيد رمح فَقَالَ ألم أقل لَك يَا بِلَال " وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الدَّلَائِل من حَدِيث عبد الله بن مُصعب بن مَنْظُور عَن أَبِيه عَنهُ ( ذكر مَعَانِيه ولغاته) قَوْله " كُنَّا فِي سفر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اخْتلفُوا فِي تعْيين هَذَا السّفر فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه وَقع عِنْد رجوعهم من خَيْبَر وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة لَيْلًا فَنزل فَقَالَ من يكلؤنا فَقَالَ بِلَال أَنا " وَفِي حَدِيث زيد بن أسلم مُرْسلا أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ " عرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلًا بطرِيق مَكَّة ووكل بِلَالًا " وَفِي حَدِيث عَطاء بن يسَار مُرْسلا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَن ذَلِك كَانَ بطرِيق تَبُوك وَكَذَا فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد كَانَ ذَلِك فِي غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء وَقد ذكرنَا هَذِه كلهَا عَن قريب قَوْله " إِنَّا أسرينا ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا سرينا يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة ( قلت) يُقَال سرى وَأسرى لُغَتَانِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي سريت وأسريت بِمَعْنى إِذا سرت لَيْلًا وَفِي الْمُحكم السرى سير عَامَّة اللَّيْل وَقيل سير اللَّيْل كُله والْحَدِيث يُخَالف هَذَا القَوْل والسرى يذكر وَيُؤَنث وَلم يعرف اللحياني إِلَّا التَّأْنِيث وَقد سرى سرى وسرية وسرية فَهُوَ سَار وَذكر ابْن سَيّده وَقد سرى بِهِ وَأسرى بِهِ وأسراه وَفِي الْجَامِع سرى يسري سريا إِذا سَار لَيْلًا وكل سَائِر لَيْلًا فَهُوَ سَار قَوْله " وقعنا وقْعَة " أَي نمنا نومَة كَأَنَّهُمْ سقطوا عَن الْحَرَكَة قَوْله " وَلَا وقْعَة " كلمة لَا لنفي الْجِنْس ووقعة اسْمه وَقَوله " أحلى " صفة للوقعة وَخبر لَا مَحْذُوف وَيجوز أَن يكون أحلى خَبرا قَوْله " مِنْهَا " أَي من الْوَقْعَة فِي آخر اللَّيْل وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
( وَأحلى الْكرَى عِنْد الصَّباح يطيب ... )
قَوْله " وَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ فلَان " اعْلَم أَن كَانَ هَهُنَا يجوز أَن تكون تَامَّة وَأَن تكون نَاقِصَة فَإِن كَانَت نَاقِصَة فَقَوله أول بِالنّصب مقدما خَبَرهَا وَاسْمهَا هُوَ قَوْله فلَان وَإِن كَانَت تَامَّة بِمَعْنى وجد فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر فَقَوله أول يكون اسْمه وَيكون قَوْله فلَان بَدَلا مِنْهُ قَوْله " يسميهم أَبُو رَجَاء " جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول أَي يُسمى المستيقظين وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن قَوْله " اسْتَيْقَظَ " يدل عَلَيْهِ ( فَإِن قلت) مَا موقع هَذِه الْجُمْلَة من الْإِعْرَاب ( قلت) الْأَقْرَب أَن تكون حَالا وَهَذِه الْجُمْلَة وَالَّتِي بعْدهَا وَهِي قَوْله " فنسي عَوْف " لَيْسَ من كَلَام عمرَان بن حُصَيْن وَإِنَّمَا هِيَ من كَلَام الرَّاوِي وعَوْف هُوَ عَوْف الْأَعرَابِي الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد وَقَوله " الرَّابِع " مَرْفُوع لِأَنَّهُ صفة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعمر مَرْفُوع لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَرْفُوع وَهُوَ قَوْله ثمَّ فلَان.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيجوز نَصبه على خبر كَانَ ( قلت) لم يبين هَذَا الْقَائِل أَي كَانَ هَذَا وَالْأَقْرَب أَن يكون مُقَدرا تَقْدِيره ثمَّ كَانَ عمر بن الْخطاب الرَّابِع يَعْنِي من المستيقظين.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا هُوَ الرَّابِع وَقد سمى البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أول من اسْتَيْقَظَ وَلَفظه " فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " فعلى هَذَا فَأَبُو بكر هُوَ أحد المستيقظين من الْأَرْبَعَة أَولا وَالرَّابِع هُوَ عمر بن الْخطاب وَبَقِي اثْنَان من الَّذين عدهم أَبُو رَجَاء ونسيهم عَوْف الْأَعرَابِي وَبَعْضهمْ عين الثَّانِي وَالثَّالِث بِالِاحْتِمَالِ فَقَالَ يشبه أَن يكون الثَّانِي عمرَان رَاوِي الْقِصَّة وَالثَّالِث من شَارك عمرَان فِي رِوَايَة هَذِه الْقِصَّة وَهُوَ ذُو مخبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيث عمر بن أُميَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ " فَمَا أيقظني إِلَّا حر الشَّمْس " وَهَذَا تصرف بالحدس والتخمين قَوْله " وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَام لم نوقظه " بنُون الْمُتَكَلّم وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي بعض النّسخ لم يوقظ على صِيغَة الْمَجْهُول الْمُفْرد ( فَإِن قلت) هَذَا النّوم فِي هَذِه الْقِصَّة هَل كَانَ مثل نوم غَيره أم لَا ( قلت) قد يكون نَومه كنوم الْبشر فِي بعض الْأَوْقَات وَلَكِن لَا يجوز عَلَيْهِ الإضغاث لِأَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء صلوَات الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَحي ( فَإِن قلت) مَا تَقول فِي نَومه يَوْم الْوَادي وَقد قَالَ " إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي " قلت نعم هَذَا حكم قلبه عِنْد نَومه وَعَيْنَيْهِ فِي غَالب الْأَوْقَات وَقد ينْدر مِنْهُ غير ذَلِك كَمَا ينْدر من غَيره بِخِلَاف عَادَته وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا فِي الحَدِيث نَفسه " إِن الله قبض أَرْوَاحنَا " وَفِي الحَدِيث الآخر " لَو شَاءَ الله لأيقظنا " وَلَكِن أَرَادَ أَن يكون لمن بعدكم وَيكون هَذَا مِنْهُ لأمر يُريدهُ الله تَعَالَى من إِثْبَات حكم وَإِظْهَار شرع وَجَوَاب آخر أَن قلبه لَا يستغرقه النّوم حَتَّى يكون مِنْهُ الْحَدث فِيهِ لما رُوِيَ أَنه كَانَ محروسا وَأَنه كَانَ ينَام حَتَّى ينْفخ وَحَتَّى يسمع غَطِيطه ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ ( فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي وضوءه عِنْد قِيَامه من النّوم ( قلت) النّوم فِيهِ نَومه مَعَ أَهله فَلَا يُمكن الِاحْتِجَاج بِهِ على وضوئِهِ بِمُجَرَّد النّوم إِذا صلى ذَلِك لملامسته الْأَهْل أَو حدث آخر أَلا ترى فِي آخر الحَدِيث " نَام حَتَّى سَمِعت غَطِيطه ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى وَلم يتَوَضَّأ " وَقيل لَا ينَام قلبه من أجل الْوَحْي وَأَنه يُوحى إِلَيْهِ فِي النّوم وَلَيْسَ فِي قصَّة الْوَادي إِلَّا نوم عَيْنَيْهِ عَن رُؤْيَة الشَّمْس وَلَيْسَ هَذَا من فعل الْقلب وَقد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله قبض أَرْوَاحنَا وَلَو شَاءَ لردها إِلَيْنَا " فِي حِين غير هَذَا ( فَإِن قلت) فلولا عَادَته من استغراق النّوم لما قَالَ لِبلَال اكلأ لنا الصُّبْح ( قلت) كَانَ من شَأْنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التغليس بالصبح ومراعاة أول الْفجْر وَلَا يَصح هَذَا مِمَّن نَامَتْ عينه إِذا هُوَ ظَاهر يدْرك بالجوارح الظَّاهِرَة فَوكل بِلَال بمراعاة أَوله ليعلمه بذلك كَمَا لَو شغل بشغل غير النّوم عَن مراعاته ( فَإِن قلت) هَل كَانَ نومهم عَن صَلَاة الصُّبْح مرّة أَو أَكثر ( قلت) قد جزم الْأصيلِيّ بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة ورد عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض بِأَن قصَّة أبي قَتَادَة مُغَايرَة لقصة عمرَان بن حُصَيْن لِأَن فِي قصى أبي قَتَادَة لم يكن أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما نَام وَفِي قصَّة عمرَان أَن أول من اسْتَيْقَظَ أَبُو بكر وَلم يَسْتَيْقِظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أيقظه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن الَّذِي يدل على تعدد الْقِصَّة اخْتِلَاف مواطنها كَمَا ذَكرنَاهَا وَلَقَد تكلّف أَبُو عمر فِي الْجمع بَينهمَا بقوله أَن زمَان رجوعهم كَانَ قَرِيبا من زمَان رجوعهم من الْحُدَيْبِيَة وَأَن طَرِيق مَكَّة يصدق عَلَيْهِمَا وَفِيه تعسف على أَن رِوَايَة عبد الرَّزَّاق بِتَعْيِين غَزْوَة تَبُوك يرد عَلَيْهِ ثمَّ أَن أَبَا عمر زعم أَن نوم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ مرّة وَاحِدَة.

     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ ثَلَاث مَرَّات إِحْدَاهَا رِوَايَة أبي قَتَادَة وَلم يحضرها أَبُو بكر وَعمر الثَّانِيَة حَدِيث عمرَان وحضراها وَالثَّالِثَة حضرها أَبُو بكر وبلال.

     وَقَالَ  عِيَاض حَدِيث أبي قَتَادَة غير حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَكَذَلِكَ حَدِيث عمرَان وَمن الدَّلِيل على أَن ذَلِك وَقع مرَّتَيْنِ أَنه قد روى أَن ذَلِك كَانَ زمن الْحُدَيْبِيَة وَفِي رِوَايَة بطرِيق مَكَّة وَالْحُدَيْبِيَة كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة وَإِسْلَام عمرَان وَأبي هُرَيْرَة الرَّاوِي حَدِيث قفوله من خَيْبَر كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة بعد الْحُدَيْبِيَة وهما كَانَا حاضرين الْوَاقِعَة ( قلت) فِيهِ نظر لِأَن إِسْلَام عمرَان كَانَ بِمَكَّة ذكره أَبُو مَنْصُور الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  ابْن سعد وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالطَّبَرَانِيّ فِي آخَرين كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قَوْله " مَا يحدث لَهُ " بِضَم الدَّال من الْحُدُوث أَي مَا يحدث لَهُ من الْوَحْي وَكَانُوا يخَافُونَ انْقِطَاعه بالإيقاظ قَوْله " مَا أصَاب النَّاس " أَي من فَوَات صَلَاة الصُّبْح وكونهم على غير مَاء قَوْله " فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عمر " جَوَاب لما مَحْذُوف تَقْدِيره فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ كبر وَقَوله " فَكبر " يدل عَلَيْهِ قَوْله " جليدا " بِفَتْح الْجِيم من جلد الرجل بِالضَّمِّ فَهُوَ جلد وجليد أَي بَين الجلادة بِمَعْنى الْقُوَّة والصلابة وَزَاد مُسلم هُنَا " أجوف " أَي رفيع الصَّوْت يخرج صَوته من جَوْفه قَوْله " فَكبر " أَي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِنَّمَا رفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ لمعنيين أَحدهمَا أَن اسْتِعْمَال التَّكْبِير لسلوك طَرِيق الْأَدَب وَالْجمع بَين المصلحتين وَالْآخر اخْتِصَاص لفظ التَّكْبِير لِأَنَّهُ أصل الدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة قَوْله " حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فالنبي مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل اسْتَيْقَظَ وَهُوَ لَازم بِمَعْنى تيقظ قَوْله " لصوته " أَي لأجل صَوته ويروى " بِصَوْتِهِ " أَي بِسَبَب صَوته قَوْله " قَالَ لَا ضير " ويروى " فَقَالَ لَا ضير " أَي لَا ضَرَر من ضارة يضوره ويضيره ضورا وضيرا أَي ضره قَالَ الْكسَائي سَمِعت بَعضهم يَقُول لَا ينعني ذَلِك وَلَا يضورني قَوْله " أَو لَا يضير " شكّ من عَوْف الْأَعرَابِي وَقد صرح بذلك الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته وَلأبي نعيم فِي مستخرجه لَا يسوء وَلَا يضير وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتأنيس قُلُوبهم لما عرض لَهُم من الأسف على فَوَات الصَّلَاة من وَقتهَا لأَنهم لم يتعمدوا ذَلِك قَوْله " ارتحلوا " بِصِيغَة الْأَمر للْجَمَاعَة المخاطبين من الصَّحَابَة قَوْله " فارتحلوا " بِصِيغَة الْجمع من الْمَاضِي أَي ارتحلوا عقيب أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك ويروى " فارتحل " أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( فَإِن قلت) مَا كَانَ السَّبَب فِي أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالارتحال من ذَلِك الْمَكَان ( قلت) بَين ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة " فَإِن هَذَا منزل حضر فِيهِ الشَّيْطَان " وَقيل كَانَ ذَلِك لأجل الْغَفْلَة وَقيل لكَون ذَلِك وَقت الْكَرَاهَة وَفِيه نظر لِأَن فِي حَدِيث الْبابُُ " لم يستيقظوا حَتَّى وجدوا حر الشَّمْس " وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد أَن يذهب وَقت الْكَرَاهَة وَقيل الْأَمر بذلك مَنْسُوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " وَفِيه نظر لِأَن الْآيَة مَكِّيَّة والقصة بعد الْهِجْرَة قَوْله " فَسَار غير بعيد " يدل على أَن الارتحال الْمَذْكُور وَقع على خلاف سيرهم الْمُعْتَاد قَوْله " فَدَعَا بِالْوضُوءِ " بِفَتْح الْوَاو وَقَوله " وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ " المُرَاد من النداء هُوَ التأذين لِأَنَّهُ صرح فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي قَتَادَة التَّصْرِيح بِالتَّأْذِينِ قَوْله " إِذا هُوَ بِرَجُل " لم يعلم اسْمه.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح هُوَ خَلاد بن رَافع بن مَالك الْأنْصَارِيّ أَخُو رِفَاعَة وَفِيه نظر لِأَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ هُوَ شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم إِذْ فوقعة الْبَدْر مُقَدّمَة على هَذِه الْقِصَّة فاستحال أَن يكون هُوَ إِيَّاه وَقيل لَهُ رِوَايَة فَإِذا صَحَّ هَذَا يكون قد عَاشَ بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( قلت) لَا يلْزم من رِوَايَته عيشه بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لاحْتِمَال انقطاعها أَو نقلهَا صَحَابِيّ آخر قَوْله " معتزل " أَي مُنْفَرد عَن النَّاس قَوْله " وَلَا مَاء " قَالَ بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة أَي معي ( قلت) تَفْسِيره تَفْسِير من لم يمس شَيْئا من علم الْعَرَبيَّة لِأَن كلمة لَا على قَوْله لنفي جنس المَاء فَأَي شَيْء يقدر خَبَرهَا بقوله معي وَعدم المَاء عِنْده لَا يسْتَلْزم عَدمه عِنْد غَيره فَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيم نفي جنس المَاء وَيجوز أَن تكون لَا هَهُنَا بِمَعْنى لَيْسَ فيرتفع المَاء حِينَئِذٍ وَيكون الْمَعْنى لَيْسَ مَاء عِنْدِي قَوْله " عَلَيْك بالصعيد " كلمة عَلَيْك من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهُ الزم وَالْألف وَاللَّام فِي الصَّعِيد للْعهد الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَفِي رِوَايَة سلم بن زرير " فَأمره أَن يتَيَمَّم بالصعيد ": ( قلت) سلم بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام وزرير بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وبراءين مهملتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف أَولهمَا مَقْصُورَة قَوْله " يَكْفِيك " أَي لإباحة الصَّلَاة وَالْمعْنَى يَكْفِيك للصَّلَاة مَا لم تحدث قَوْله " فاشتكى النَّاس إِلَيْهِ " أَي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويروى " فاشتكوا النَّاس " من قبيل أكلوني البراغيث قَوْله " فَدَعَا فلَان " هُوَ عمرَان بن الْحصين رَاوِي الحَدِيث وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة ابْن زرير " ثمَّ عجلني النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ركب بَين يَدَيْهِ فَطلب المَاء " وَهَذِه الرِّوَايَة تدل على أَنه كَانَ هُوَ وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَط لِأَنَّهُمَا خوطبا بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَهُوَ قَوْله " اذْهَبَا فابتغيا المَاء " ( فَإِن قلت) فِي رِوَايَة ابْن زرير فِي ركب فَهَذَا يدل على الْجَمَاعَة ( قلت) يحْتَمل أَن يكون مَعَهُمَا غَيرهمَا ولكنهما خصا بِالْخِطَابِ لِأَنَّهُمَا تعينا مقصودين بِالْإِرْسَال قَوْله " فابتغيا " من الابتغاء وَهُوَ الطّلب يُقَال بغيت الشَّيْء وابتغيته وتبغيته إِذا طلبته وابتغيتك الشَّيْء جعلتك طَالبا لَهُ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ " فابغيا " وَلأَحْمَد " فابغيانا " قَوْله " فتلقيا " ويروى " فلقيا " قَوْله " بَين مزادتين " المزادة بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الزَّاي الراوية وَيجمع على مزاد ومزائد وَسميت مزادة لِأَنَّهَا يُزَاد فِيهَا جلد آخر من غَيرهَا وَلِهَذَا قيل أَنَّهَا أكبر من الْقرْبَة وَتسَمى أَيْضا السطيحة بِفَتْح السِّين وَكسر الطَّاء.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده السطيحة المزادة الَّتِي بَين الأديمين قوبل أَحدهمَا بِالْآخرِ وَفِي الْجَامِع هِيَ إداوة تتَّخذ من جلدين وَهِي أكبر من الْقرْبَة قَوْله " أَو سطيحتين " شكّ من الرَّاوِي.

     وَقَالَ  بَعضهم شكّ من عَوْف ( قلت) تَعْيِينه بِهِ من أَيْن وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَإِذا نَحن بإمرأة سادلة " أَي مدلية رِجْلَيْهَا بَين مزادتين قَوْله " أمس " هُوَ عِنْد الْحِجَازِيِّينَ مَبْنِيّ على الْكسر ومعرب غير منصرف للعدل والعلمية عِنْد التميميين فعلى هَذَا هُوَ بِضَم السِّين ( فَإِن قلت) مَا موقعه من الْإِعْرَاب ( قلت) مَرْفُوع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله " عهدي " قَوْله " هَذِه السَّاعَة " مَنْصُوب بالظرفية.

     وَقَالَ  ابْن مَالك أَصله فِي مثل هَذِه السَّاعَة فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه قَوْله " ونفرنا " وَفِي الْمُحكم النَّفر والنفر والنفير والنفور مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال وَالْجمع أَنْفَار وَفِي الواعي النَّفر مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَالْعرب تَقول هَؤُلَاءِ نفرك أَي رهطك ورجالك الَّذين أَنْت مَعَهم وَهَؤُلَاء عشرَة نفر أَي عشرَة رجال وَلَا يَقُولُونَ عشرُون نَفرا وَلَا ثَلَاثُونَ نَفرا تَقول الْعَرَب جَاءَنَا فِي نفره ونفيره ونفرته كلهَا بِمَعْنى سموا بذلك لأَنهم إِذا حزبهم أَمر اجْتَمعُوا ثمَّ نفروا إِلَى عدوهم.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لَا وَاحِد قَوْله " خلوف " بِضَم الْخَاء جمع الخالف أَي الْمُسَافِر نَحْو شَاهد وشهود وَيُقَال حَيّ خلوف أَي غيب.

     وَقَالَ  ابْن عَرَفَة الْحَيّ خلوف أَي خرج الرِّجَال وَبقيت النِّسَاء.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ هم الَّذين خَرجُوا للأسفار وخلفوا النِّسَاء والأثقال وارتفاع خلوف على أَنه خبر وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي " خلوفا " بِالنّصب.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَي كَانَ نفرنا خلوفا.

     وَقَالَ  بَعضهم مَنْصُوب على الْحَال السَّادة مسد الْخَبَر ( قلت) مَا الْخَبَر هُنَا حَتَّى تسد الْحَال مسده وَالْأَوْجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَنه مَنْصُوب بكان الْمُقدر قَوْله " الصابىء " بِالْهَمْزَةِ وبغيرها فَالْأول من صَبأ إِذا خرج من دين إِلَى دين وَالثَّانِي من صبا يصبو إِذا مَال وسنوسع الْكَلَام فِيهِ عِنْد تَفْسِير البُخَارِيّ فِي آخر هَذَا الحَدِيث قَوْله " تعنين " أَي تريدين من عَنى يَعْنِي إِذا قصد قَوْله " قَالَا هُوَ الَّذِي تعنين " فِيهِ حسن الْأَدَب وَحسن التَّخَلُّص إِذْ لَو قَالَا لَا لفات الْمَقْصُود وَلَو قَالَا نعم لم يحسن ذَلِك لِأَن فِيهِ تَقْرِير ذَلِك قَوْله " فاستنزلوها " من الاستنزال وَهُوَ طلب النُّزُول وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ بِلَفْظ الْجمع لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ عمرَان وَعلي من تبعهما مِمَّن يعينهما ويخدمهما قَوْله " ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِيهِ حذف تَقْدِيره فَأتوا بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأحضروها بَين يَدَيْهِ ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " ففرغ " من التفريغ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " فأفرغ " من الإفراغ وَزَاد الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ " فَمَضْمض فِي المَاء وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاه المزادتين " وبهذه الزِّيَادَة تظهر الْحِكْمَة فِي ربط الأفواه بعد فتحهَا وَبِهَذَا حصلت الْبركَة لاختلاط رِيقه الْمُبَارك للْمَاء والأفواه جمع فَم لِأَن أَصله فوه فحذفوا الْوَاو لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل التَّنْوِين عِنْد الْأَفْرَاد وعوضوا من الْهَاء ميما ( فَإِن قلت) لكل مزادة فَم وَاحِد فَكيف جمع ( قلت) هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى { فقد صغت قُلُوبكُمَا} قَوْله " وأوكأ " أَي شدّ وَهُوَ فعل مَاض من الإيكاء وَهُوَ شدّ الوكاء وَهُوَ مَا يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة " وَأطلق العزالي " أَي فتحهَا وَهُوَ جمع العزلاء بِفَتْح الْعين وبالمد وَهُوَ فَم المزادة الْأَسْفَل قَالَ الْجَوْهَرِي العزالي بِكَسْر اللَّام وَإِن شِئْت فتحت مثل الصحارى والصحاري وَيُقَال العزلاء منصب المَاء من الراوية والقربة وَفِي الْجَامِع عزلاء الْقرْبَة مصب يَجْعَل فِي أحد يَديهَا ليستفرغ مِنْهُ مَا فِيهَا وَإِنَّمَا سميت عزالي السَّحَاب تَشْبِيها بهَا.

     وَقَالَ  السفاقسي روينَاهُ بِالْفَتْح وَهُوَ أَفْوَاه المزادة السُّفْلى.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ العزالي الجوانب الْخَارِجَة لرجلي الزق الَّذِي يُرْسل مِنْهَا المَاء.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ لَيْسَ فِي أَكثر الرِّوَايَات أَنهم فتحُوا أَفْوَاه المزادتين أَو السطيحتين وَلَا أَنهم أطْلقُوا العزالي وَإِنَّمَا شَقوا المزادتين وَهُوَ معنى صبوا مِنْهُمَا قَالَ ثمَّ أَعَادَهُ فيهمَا إِن كَانَ هُوَ الْمَحْفُوظ قَوْله " اسقوا واستقوا " كل مِنْهُمَا أَمر فَالْأول من السَّقْي وَالثَّانِي من الاستقاء وَالْفرق بَينهمَا أَن السَّقْي لغيره والاستقاء لنَفسِهِ وَيُقَال أَيْضا سقيته لنَفسِهِ وأسقيته لماشيته قَوْله " وَكَانَ آخر ذَلِك أَن أعْطى " يجوز فِي آخر النصب وَالرَّفْع أما النصب على أَنه خبر كَانَ مقدما على اسْمهَا وَهُوَ أَن أعطي لِأَن أَن مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره وَكَانَ إِعْطَاؤُهُ للرجل الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة آخر ذَلِك ويروي ذَاك وَأما الرّفْع فَظَاهر وَهُوَ أَن يكون اسْم كَانَ وَإِن أعْطى خَبره والأمران جائزان.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاء وَالْأولَى أولى ( قلت) وَجه الْأَوْلَوِيَّة لكَون آخر مُضَافا إِلَى الْمعرفَة فَهُوَ أولى بالاسمية وَعِنْدِي كِلَاهُمَا سَوَاء لِأَن كلا معرفَة قَوْله " الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة " وَهُوَ الرجل المعتزل الْمَذْكُور قَوْله " فأفرغه " بِقطع الْهمزَة قَوْله " وَهِي قَائِمَة " أَي الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة قَائِمَة تشاهد ذَلِك وَهِي جملَة اسمية وَقعت حَالا على الأَصْل قَوْله " وَايْم الله " بوصل الْهمزَة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي أَيمن الله اسْم وضع للقسم هَكَذَا بِضَم الْمِيم وَالنُّون وألفه ألف الْوَصْل عِنْد الْأَكْثَرين وَلم يَجِيء فِي الْأَسْمَاء ألف وصل مَفْتُوحَة غَيرهَا وَهُوَ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَيمن الله قسمي وَرُبمَا حذفوا مِنْهُ النُّون فَقَالُوا ايم الله.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد كَانُوا يحلفُونَ وَيَقُولُونَ يَمِين الله لَا أفعل فَجمع الْيَمين على أَيمن ثمَّ كثر فِي كَلَامهم فحذفوا النُّون مِنْهُ وألفه ألف قطع وَهُوَ جمع وَإِنَّمَا طرحت الْهمزَة فِي الْوَصْل لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاهَا ( قلت) فِيهَا لُغَات جمع مِنْهَا النَّوَوِيّ فِي تهذيبه سبع عشرَة وَبلغ بهَا غَيره عشْرين قَوْله " أقلع " بِضَم الْهمزَة من الإقلاع يُقَال أقلع عَن الْأَمر إِذا كف عَنهُ قَوْله " أَشد ملأة " بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا وَسُكُون اللَّام بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة وَفِي رِوَايَة للبيهقي " املأ مِنْهَا " مَعْنَاهُ أَنهم يظنون أَن مَا بَقِي فِيهَا من المَاء أَكثر مِمَّا كَانَ أَولا قَوْله " من بَين عَجْوَة " الْعَجْوَة تمر من أَجود التَّمْر بِالْمَدِينَةِ.

     وَقَالَ  ابْن التِّين الْعَجْوَة نوع من تمر الْمَدِينَة أكبر من الصيحاني وَتسَمى اللينة وَهِي من أَجود تمر الْمَدِينَة قَوْله " ودقيقة وسويقة " بِفَتْح أَولهمَا وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِضَم الدَّال مُصَغرًا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي دقيقة وسويقة رويا مكبرين ومصغرين قَوْله " حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما " وَزَاد أَحْمد فِي رِوَايَته " كثيرا " وَالطَّعَام فِي اللُّغَة مَا يُؤْكَل قَالَه الْجَوْهَرِي.

     وَقَالَ  وَرُبمَا خص الطَّعَام بِالْبرِّ وَفِي حَدِيث أبي سعيد كُنَّا نخرج صَدَقَة الْفطر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من شعير ".

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ إِطْلَاق لفظ الطَّعَام على غير الْحِنْطَة والذرة خلافًا لمن أَبى ذَلِك ( قلت) هَذَا القَوْل مِنْهُ يُخَالف قَول أهل اللُّغَة وَالْمرَاد هَهُنَا من الطَّعَام غير مَا ذكر من الْعَجْوَة وَهُوَ أَعم من أَن يكون حِنْطَة أَو شَعِيرًا أَو كعكا أَو نَحْو ذَلِك قَوْله " فجعلوه فِي ثوب " ويروى " فجعلوها " قَالَ الْكرْمَانِي الضَّمِير فِي جَعَلُوهُ يرجع إِلَى الطَّعَام وَفِي جعلوها إِلَى الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة ( قلت) لم يَجْعَل الطَّعَام وَحده فِي الثَّوْب حَتَّى يرجع الضَّمِير إِلَيْهِ وَحده وَالصَّوَاب أَن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى كل وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَذْكُور قَوْله " قَالَ لَهَا " ويروى " قَالُوا لَهَا " وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " قَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَوجه رِوَايَة الْأصيلِيّ أَنهم قَالُوا لَهَا ذَلِك بأَمْره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَحملُوهَا " أَي المزادة قَوْله " بَين يَديهَا " أَي قدامها قَوْله " تعلمين " بِفَتْح التَّاء وَالْعين وَتَشْديد اللَّام كَذَا ضَبطه بَعضهم ثمَّ قَالَ أَي اعلمي ( قلت) لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التعسف وَإِنَّمَا هُوَ مُفْرد مُخَاطب مؤنث من بابُُ علم يعلم قَوْله " مَا رزئنا من مائك شَيْئا " بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي أَي مَا نقصنا قَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِهَا يَعْنِي بِفَتْح الزَّاي ( قلت) الْكسر هُوَ الْأَشْهر يُقَال مَا رزأته مَاله وَمَا رزئته بِالْكَسْرِ مَاله أَي مَا نقصته وارتزأ الشي انتقصه قَوْله " أسقانا " ويروى " سقانا " قَوْله " الْعجب " مَرْفُوع بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره حَبَسَنِي الْعجب وَهُوَ الْأَمر الَّذِي يتعجب مِنْهُ لغرابته وَكَذَلِكَ العجيب والعجاب بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف والعجاب بِالتَّشْدِيدِ أَكثر مِنْهُ وَكَذَلِكَ الأعجوبة وَلَا يجمع عجب وَلَا عَجِيب وَيُقَال جمع عَجِيب عجائب مثل تبيع وتبائع وأعاجيب جمع أعجوبة كأحاديث جمع أحدوثة وَعَجِبت من كَذَا وتعجبت مِنْهُ واستعجبت كلهَا بِمَعْنى وأعجبني هَذَا الشَّيْء لحسنه وَعَجِبت غَيْرِي تعجيبا وَالْعجب بِضَم الْعين وَسُكُون الْجِيم اسْم من أعجب فلَان بِنَفسِهِ فَهُوَ معجب بِرَأْيهِ وبنفسه قَوْله " من بَين هَذِه وَهَذِه " تَعْنِي من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قيل كَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول فِي بَين بِلَفْظَة فِي وَأجِيب بِأَن من بَيَانِيَّة مَعَ جَوَاز اسْتِعْمَال حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مَكَان بعض قَوْله ".

     وَقَالَ ت بأصبعها " أَي أشارت بأصبعها وَمن إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل وَقد مر نَظِير هَذَا غير مرّة قَوْله " السبابَُة " يَعْنِي المسبحة قَوْله " يغيرون " بِضَم الْيَاء من الإغارة بِالْخَيْلِ فِي الْحَرْب قَوْله " الصرم " بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ أَبْيَات من النَّاس مجتمعة وَالْجمع إصرام.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الصرم الأبيات المجتمعة المنقطعة من النَّاس والصرم أَيْضا الْجَمَاعَة بَين ذَلِك وَالْجمع إصرام وأصاريم وصرمان والأخيرة عَن سِيبَوَيْهٍ قَوْله " فَقَالَت يَوْمًا لقومها مَا أرى أَن هَؤُلَاءِ يدعونكم عمدا " هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " مَا أرى أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم ".

     وَقَالَ  ابْن مَالك وَقع فِي بعض النّسخ " مَا أَدْرِي أَن هَؤُلَاءِ " كلمة أرى بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى أَظن وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنى أعلم وَمَا مَوْصُولَة قَوْله " يدعونكم " بِفَتْح الدَّال أَي يتركونكم وَالْمعْنَى ظَنِّي أَنهم يتركونكم عمدا لاستئلافكم لَا سَهوا مِنْهُم وغفلة عَنْكُم وَقيل مَا نَافِيَة وَأَن بِمَعْنى لَعَلَّ وَقيل مَا نَافِيَة وَإِن بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ لَا أعلم حالكم فِي تخلفكم عَن الْإِسْلَام مَعَ أَنهم يدعونكم عمدا " فَهَل لكم " أَي رَغْبَة ( ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ) الأول فِيهِ اسْتِحْبابُُ سلوك الْأَدَب مَعَ الأكابر كَمَا فِي فعل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي إيقاظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الثَّانِي فِيهِ إِظْهَار التأسف لفَوَات أَمر من أُمُور الدّين.
الثَّالِث فِيهِ لَا حرج على من تفوته صَلَاة لَا بتقصير مِنْهُ لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ضير ".
الرَّابِع فِيهِ أَن من أجنب وَلم يجد مَاء فَإِنَّهُ يَتِيم لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَلَيْكُم بالصعيد ".
الْخَامِس فِيهِ أَن الْعَالم إِذا رأى أمرا مُجملا يسْأَل فَاعله عَنهُ ليوضحه فيوضح لَهُ هُوَ وَجه الصَّوَاب.
السَّادِس فِيهِ اسْتِحْبابُُ الملاطفة والرفق فِي الْإِنْكَار على أحد فِيمَا فعله.
السَّابِع فِيهِ التحريض على الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة.
الثَّامِن فِيهِ الْإِنْكَار على ترك الشَّخْص الصَّلَاة بِحَضْرَة الْمُصَلِّين بِغَيْر عذر.
التَّاسِع فِيهِ أَن قَضَاء الْفَوَائِت وَاجِب وَلَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَيَأْثَم بِتَأْخِيرِهِ بِغَيْر عذر.
الْعَاشِر فِيهِ أَن من حلت بِهِ فتْنَة فِي بلد فَليخْرجْ مِنْهُ وليهرب من الْفِتْنَة بِدِينِهِ كَمَا فعل الشَّارِع بارتحاله عَن بطن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ لأجل الشَّيْطَان.
الْحَادِي عشر فِيهِ أَن من ذكر صَلَاة فَائِتَة لَهُ أَن يَأْخُذ من يصلح من وضوء وطهارة وابتغاء بقْعَة تطمئِن نَفسه للصَّلَاة عَلَيْهَا كَمَا فعل الشَّارِع بعد أَن ذكر الْفَائِتَة فارتحل بعد الذّكر ثمَّ تَوَضَّأ وَتَوَضَّأ النَّاس.
الثَّانِي عشر فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْأَذَان للفائتة.
الثَّالِث عشر فِيهِ جَوَاز أَدَاء الْفَائِتَة بِالْجَمَاعَة.
الرَّابِع عشر فِيهِ طلب المَاء للشُّرْب وَالْوُضُوء.
الْخَامِس عشر فِيهِ أَخذ المَاء الْمَمْلُوك لغيره لضَرُورَة الْعَطش بعوض وَفِيه أَن العطشان يقدم على الْجنب عِنْد صرف المَاء إِلَى النَّاس.
السَّادِس عشر فِيهِ جَوَاز المعاطاة فِي الهبات والإباحات من غير لفظ من الْجَانِبَيْنِ.
السَّابِع عشر فِيهِ تَقْدِيم مصلحَة شرب الْآدَمِيّ وَالْحَيَوَان على غَيره كمصلحة الطَّهَارَة بِالْمَاءِ ( فَإِن قلت) قد وَقع فِي رِوَايَة سلم بن زرير " غير أَنا لم نسق بَعِيرًا " ( قلت) هَذَا مَحْمُول على أَن الْإِبِل لم تكن محتاجة إِذْ ذَاك إِلَى السَّقْي.
الثَّامِن عشر فِيهِ جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية عِنْد أَمن الْفِتْنَة فِي حَالَة الضَّرُورَة الشَّرْعِيَّة.
التَّاسِع عشر فِيهِ جَوَاز اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين مَا لم يتَيَقَّن فِيهَا نَجَاسَة.
الْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز أَخذ مَال النَّاس عِنْد الضَّرُورَة بِثمن إِن كَانَ لَهُ ثمن كَذَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم وَفِيه نظر.
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز اجْتِهَاد الصَّحَابَة بِحَضْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خلاف مَشْهُور وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الْفَائِتَة عَن وَقت ذكرهَا إِذا لم يكن عَن تغافل أَو استهانة وَذَلِكَ من قَوْله " ارتحلوا " بِصِيغَة الْأَمر فَافْهَم.
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ مُرَاعَاة ذمام الْكَافِر والمحافظة بِهِ كَمَا حفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه الْمَرْأَة فِي قَومهَا وبلادها فراعى فِي قَومهَا ذمامها وَإِن كَانَت من صميمهم.
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْحلف من غير الِاسْتِحْلَاف.
الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الشكوى من الرعايا إِلَى الإِمَام عِنْد حُلُول أَمر شَدِيد.
السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ اسْتِحْبابُُ التَّعْرِيس للْمُسَافِر إِذا غَلبه النّوم.
السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ مَشْرُوعِيَّة قَضَاء الْفَائِت الْوَاجِب وَأَنه لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ.
الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْأَخْذ للمحتاج بِرِضا الْمَطْلُوب مِنْهُ وَبِغير رِضَاهُ إِن تعين.
التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز النّوم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كنوم وَاحِد منا فِي بعض الْأَوْقَات وَقد مر التَّحْقِيق فِيهِ.
الثَّلَاثُونَ فِيهِ إِبَاحَة السّفر من غير أَن يعين يَوْمًا أَو شهر فَوَائِد.
فِيهِ من دَلَائِل النُّبُوَّة حَيْثُ توضؤوا وَشَرِبُوا وَسقوا واغتسل الْجند مِمَّا سقط من العزالي وَبقيت المزادتان مملوءتان ببركته وعظيم برهانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانُوا أَرْبَعِينَ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة سلم بن زرير وَإِنَّهُم ملأوا كل قربَة مَعَهم.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة أَن جملَة من حضر هَذِه الْقِصَّة كَانُوا أَرْبَعِينَ وَلَا نعلم مخرجا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخرج فِي هَذَا الْعدَد فَلَعَلَّ الركب الَّذين عجلهم بَين يَدَيْهِ لطلب المَاء وَأَنَّهُمْ وجدوا الْمَرْأَة وَأَنَّهُمْ أسقوا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل النَّاس وَشَرِبُوا ثمَّ شرب النَّاس بعدهمْ.
وَفِيه أَن جَمِيع مَا أَخَذُوهُ من المَاء مِمَّا زَاده الله وأوجده وَأَنه لم يخْتَلط فِيهِ شَيْء من مَاء تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر مختلطا وَهَذَا أبدع وَأغْرب فِي المعجزة.
وَفِيه دلَالَة أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أجلد الْمُسلمين وأصلبهم فِي أَمر الله تَعَالَى.
( وَفِيه أسئلة) الأول أَن الِاسْتِيلَاء على الْكفَّار بِمُجَرَّدِهِ يُبِيح رق نِسَائِهِم وصبيانهم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد دخلت الْمَرْأَة فِي الرّقّ باستيلائهم عَلَيْهَا وَكَيف وَقع إِطْلَاقهَا وتزويدها وَأجِيب بِأَنَّهَا أطلقت لمصْلحَة الاستئلاف الَّذِي جر دُخُول قَومهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَام وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَان قبل ذَلِك أَو كَانَت من قوم لَهُم عهد.
الثَّانِي كَيفَ جوزوا التَّصَرُّف حِينَئِذٍ فِي مَالهَا وَأجِيب بِالنّظرِ إِلَى كفرها أَو لضَرُورَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ والضروريات تبيح الْمَحْظُورَات.
الثَّالِث أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن التشاؤم وَهَهُنَا ارتحل عَن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يعلم حَال ذَلِك الْوَادي وَلم يكن غَيره يعلم بِهِ فَيكون خَاصّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخذ بعض الْعلمَاء بِظَاهِر مَا وَقع مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رحيله من ذَلِك الْوَادي أَن من انتبه من نوم عَن صَلَاة فَائت فِي سفر فَإِنَّهُ يتَحَوَّل عَن مَوْضِعه وَإِن كَانَ بواد فَليخْرجْ عَنهُ وَقيل إِنَّمَا يلْزم بذلك الْوَادي بِعَيْنِه وَقيل هُوَ خَاص بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ذكرنَا ( قَالَ أَبُو عبد الله صَبأ خرج من دين إِلَى غَيره.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة الصابئين فرقة من أهل الْكتاب يقرؤن الزبُور)
.
هَذَا إِلَى آخِره رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَأَرَادَ بإيراد هَذِه الإشاوة إِلَى الْفرق بَين الصابىء المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث والصابىء الْمَنْسُوب إِلَى الطَّائِفَة الَّذين بَينهم أَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان الرباحي أما الصابىء الَّذِي هُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث فِي قَول الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء فَهُوَ من صبا إِلَى الشَّيْء يصبو إِذا مَال وَهُوَ غير مَهْمُوز وَكَانَت الْعَرَب تسمي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصابىء لِأَنَّهُ خرج من دين قُرَيْش إِلَى دين الْإِسْلَام ويسمون من يدْخل فِي دين الْإِسْلَام مصبو لأَنهم كَانُوا لَا يهمزون ويسمون الْمُسلمين الصباة بِغَيْر همزَة جمع صاب غير مَهْمُوز كقاض وقضاة وغاز وغزاة وَقد يُقَال صبا الرجل إِذا عشق وَهوى وَقد يُقَال صابىء بِالْهَمْز من صبا يصبو بِغَيْر همز وَأَن الصابئون الَّذين ذكرهم أَبُو الْعَالِيَة فأصله من صَبأ يصبأ صَبأ وصبوأ إِذا خرج عَن دين إِلَى آخر وَهَذِه الطَّائِفَة يسمون الصابئين وَاخْتلف فِي تَفْسِيره فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة هم فرقة من أهل الْكتاب يقرؤن الزبُور وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الرّبيع بن أنس عَنهُ وَعَن مُجَاهِد لَيْسُوا بيهود وَلَا نَصَارَى وَلَا دين لَهُم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَلَا تنْكح نِسَاؤُهُم وَكَذَا روى عَن الْحسن وَابْن نجيح.

     وَقَالَ  ابْن زيد الصابئون أهل دين من الْأَدْيَان كَانُوا بالجزيرة جَزِيرَة الْموصل يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَيْسَ لَهُم عمل وَلَا كتاب وَلَا نَبِي وَلم يُؤمنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن الْحسن قَالَ أخبر زِيَاد أَن الصابئين يصلونَ إِلَى الْقبْلَة وَيصلونَ الْخمس قَالَ فَأَرَادَ أَن يضع عَلَيْهِم الْجِزْيَة فَأخْبر بعد أَنهم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَعَن قَتَادَة وَأبي جَعْفَر الرَّازِيّ هم قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ إِلَى الْقبْلَة ويقرؤن الزبُور وَفِي الْكتاب الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي هم قوم من النَّصَارَى قَوْلهم أَلين من قَول النَّصَارَى قَالَ الله تَعَالَى { إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} فَيُقَال الَّذين آمنُوا هم المُنَافِقُونَ أظهرُوا الْإِيمَان وأضمروا الْكفْر وَالَّذين هادوا الْيَهُود المغيرون المبدلون وَالنَّصَارَى المقيمون على الْكفْر بِمَا يصفونَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْمحَال والصابئون الْكفَّار أَيْضا المفارقون للحق وَيُقَال الَّذين آمنُوا الْمُؤْمِنُونَ حَقًا وَالَّذين هادوا الَّذين تَابُوا وَلم يُغيرُوا أَو النَّصَارَى نصار عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والصابئون الخارجون من الْبَاطِل إِلَى الْحق من آمن بِاللَّه مَعْنَاهُ من دَامَ مِنْهُم على الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَلهُ أجره وَفِي كتاب الرشاطي الصابي نسبه إِلَى صابي بن متوشلخ بن خنوخ بن برد بن مهليل بن فتين بن ياش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  أَبُو الْمعَانِي فِي كِتَابه الْمُنْتَهى هم جنس من أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أَنهم من ولد صاب بن إِدْرِيس النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقيل نسبتهم إِلَى الصابىء بن ماري وَكَانَ فِي عصر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي منظومته
( الصابئيات كالكتابيات ... فِي حكم حل العقد والذكاة)
وَشَرحه أَن أَبَا حنيفَة يَقُول إِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ نَبيا وَلَهُم كتاب فَتحل مناكحة نِسَائِهِم وتؤكل ذَبَائِحهم.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هم يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِب فَلَا تحل مناكحة نِسَائِهِم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم