فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أكل حتى شبع

( بابُُُ: { مَنْ أكَلَ حَتَّى شَبِعَ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حَال من أكل من الطَّعَام حَتَّى شبع.



[ قــ :5089 ... غــ :5381 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أبُو طَلْحَةَ: لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضَعِيفا أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَأخْرَجَتْ أقْرَاصا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أخْرَجَتْ خيارا لَهَا فَلفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: بِطَعامٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِمَنْ مَعَهُ قَومُوا، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ.
فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ: يَا أُُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعامِ مَا نُطْعِمُهُمْ.
فَقَالَتْ: الله وَرَسُولهُ أعْلَمُ قَالَ: فَانْطَلَقَ أبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأقْبَلَ أبُو طَلْحَةَ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى دَخَلا.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلُمِّي يَا أُُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ؟ فَأتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأمَرَ بِهِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فأدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا شَاءَ الله أنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.
ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشْرَةِ، فأذِنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأذِنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.
ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ أذِنَ لِعَشَرَةٍ فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلاً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِطُولِهِ، وَفِي الصَّلَاة مُخْتَصرا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد الْأنْصَارِيّ النجاري، وَأم سليم بِضَم السِّين اسْمهَا سهلة أَو الرميصاء زَوْجَة أبي طَلْحَة أم أنس.

قَوْله: ( دسست) ، من دسمت الشَّيْء فِي التُّرَاب إِذا أخفيته فِيهِ.
قَوْله: ( وردتني) من التردية أَي: جعلته رِدَاء لي.
( والعكة) بِالضَّمِّ آنِية السّمن.
قَوْله: ( وأدمته) من قَوْلهم: أَدَم الْخبز يأدمه الْخبز يأدمه بِالْكَسْرِ وَهُوَ بِالْمدِّ وَالْقصر لُغَتَانِ.
قَوْله: ( ائْذَنْ) أَي: بِالدُّخُولِ.





[ قــ :5090 ... غــ :538 ]
- حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عَنْ أبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَ أبُو عُثْمَانَ أيْضا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ أبِي بَكْرٍ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا.
قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلاثِينَ ومِائَةَ.
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلْ مَعَ أحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أوْ نَحْوُهُ فَعُجِنَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعانٌ طَوِيلٌ بغَنَمٍ يَسُوقُها.
فَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَيْعٌ أمْ عَطِيَّةٌ؟ أوْ قَالَ: هِبَةٌ؟ قَال: لَا بَلْ بَيْعٌ.
قَالَ: فَاشْتَرى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ فَأمَرَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَوَادِ البَطْنِ يُشْوِي، وَأَيمُ الله مَا مِنَ الثَّلاثِينَ وَمائَةٍ إلاَّ قَدْ حَزَّ لَهُ مِنْ سَوَادِ بَطْنِها إنْ كَانَ شَاهِدا أعْطاها إيَّاهُ وَإنْ كَانَ غَائِبا خَبَأها لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيها قَصْعَتَيْنِ فَأكلْنا أجْمَعُونَ وَشَبِعنَا وَفَضَلَ فِي القَصْعَتَيْنِ فَجَعَلْتُهُ عَلَى البَعِيرِ أوْ كَمَا قَالَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ.

قَوْله: ( وَحدث أَبُو عُثْمَان أَيْضا) ، أَرَادَ بِهِ أَن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي غير أبي عُثْمَان وحَدثني أَبُو عُثْمَان، وَهُوَ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بالنُّون، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي:.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَيْسَ ذَلِك المُرَاد إِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا عُثْمَان حَدثهُ بِحَدِيث سَابق على هَذَا ثمَّ حَدثهُ بِهَذَا فَلذَلِك قَالَ: أَيْضا أَي: حَدثهُ بِحَدِيث بعد حَدِيث.
قلت: من تَأمل وَجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي علم أَنه هُوَ الْوَجْه.

والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بابُُ الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ الْمُشْركين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن مُعْتَمر إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي الْهِبَة عَن أبي النُّعْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( مشعان) ، بِضَم الْمِيم وَقيل: بِكَسْرِهَا وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة وبالنون الْمُشَدّدَة، وَهُوَ الطَّوِيل فِي الْغَايَة.
وَقيل: طَوِيل الشّعْر منتفشه ثائره.
قَوْله: ( أم عَطِيَّة) ، أَي: هَدِيَّة.
قَوْله: ( بسواد الْبَطن) هُوَ الكبد.
قَوْله: ( حز لَهُ حزة) الحز بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي وَهُوَ: الْقطع.





[ قــ :5091 ... غــ :5383 ]
- حدَّثنا مُسْلِمٌ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها: تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ شَبِعْنَا مِنْ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ القصاب، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ، يروي عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى ابْن يحيى وَغَيره.

قَوْله: ( حِين شبعنا) ظرف كالحال.
مَعْنَاهُ: مَا شبعنا قبل زمَان وَفَاته، يَعْنِي: كُنَّا متقللين من الدِّينَا زاهدين فِيهَا، هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي وَلَيْسَ مَعْنَاهُ هَكَذَا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقت كوننا شُباعى من الأسودين، وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَا مَا مضى فِي غَزْوَة خَيْبَر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عَائِشَة.
قَالَت: لما فتحت خَيْبَر قُلْنَا: الْآن نشبع من التَّمْر، وَمن حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: مَا شبعنا حَتَّى فتحنا خَيْبَر، وَظهر من هَذَا أَن ابْتِدَاء شبعهم كَانَ من فتح خَيْبَر، وَذَلِكَ قبل مَوته بِثَلَاث سِنِين.
قَوْله: ( من الأسودين) تَثْنِيَة الْأسود وهما التَّمْر وَالْمَاء، وَهَذَا من بابُُ التغليب وَإِن كَانَ المَاء شفافاً لَا لون لَهُ وَذَلِكَ كالأبوين: للْأَب وَالأُم، والقمرين، للشمس وَالْقَمَر، والأحمرين: للحم وَالشرَاب، وَقيل: الذَّهَب والزعفران، والأبيضين: المَاء وَاللَّبن، والأسمرين: للْمَاء وَالْملح.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: العمرين لأبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
فغلبوا عمر لِأَنَّهُ أخف وَأبْعد من قَالَ: هما عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيُقَال: هَذِه تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يُقَارِبه لِأَن الْأسود مِنْهُمَا التَّمْر خَاصَّة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: إِنَّهُم كَانُوا فِي سَعَة من المَاء فَأجَاب بِأَن الرّيّ من المَاء لم يكن يحصل لَهُم من دون الشِّبَع من الطَّعَام، وقرنت بَينهمَا لفقد التَّمَتُّع بِأَحَدِهِمَا دون الآخر، وعبرت عَن الْأَمريْنِ الشِّبَع والري بِفعل وَاحِد، كَمَا عبرت عَن التَّمْر وَالْمَاء بِوَصْف وَاحِد، وَإِن كَانَ للْمَاء الرّيّ لَا الشِّبَع،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فِي هَذِه الْأَحَادِيث جَوَاز الشِّبَع وَإِن كَانَ تَركه أَحْيَانًا أفضل، وَقد ورد عَن سُلَيْمَان وَأبي جُحَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أَكثر النَّاس شبعا فِي الدُّنْيَا أطولهم جوعا فِي الْآخِرَة.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: الشِّبَع وَإِن كَانَ مُبَاحا فَإِن لَهُ حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَمَا زَاد على ذَلِك سرف، وَالْمُطلق مِنْهُ مَا أعَان الْأكل على طَاعَة ربه، وَلم يشْغلهُ ثقله عَن أَدَاء مَا وَجب عَلَيْهِ.

وَاخْتلف فِي حد الْجُوع على رأيين: أَحدهمَا: أَن يَشْتَهِي الْخبز وَحده، فَمَتَى طلب الأدام فَلَيْسَ بجائع.
ثَانِيهمَا: أَنه إِذا وَقع رِيقه على الأَرْض لم يَقع عَلَيْهِ الذُّبابُُ، ذكره فِي ( الْإِحْيَاء) وَذكر أَن مَرَاتِب الشِّبَع تَنْحَصِر فِي سَبْعَة: الأول: مَا تقوم بِهِ الْحَيَاة.
الثَّانِي: أَن يزِيد حَتَّى يُصَلِّي عَن قيام ويصوم وَهَذَانِ واجبان.
الثَّالِث: أَن يزِيد حَتَّى يُقَوي على أَدَاء النَّوَافِل.
الرَّابِع: أَن يزِيد حَتَّى يقدر على التكسب، وَهَذَانِ مستحبان.
الْخَامِس: أَن يمْلَأ الثُّلُث وَهَذَا جَائِز.
السَّادِس: أَن يزِيد على ذَلِك وَبِه يثقل الْبدن وَيكثر النّوم وَهَذَا مَكْرُوه.
السَّابِع: أَن يزِيد حَتَّى يتَضَرَّر وَهِي البطنة الْمنْهِي عَنْهَا وَهَذَا حرَام.