فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج} [النور: 61]- إلى قوله - {لعلكم تعقلون} [البقرة: 73]

(بابٌُُ: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ} إلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (النُّور: 61)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} إِلَى قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تعقلون} كَذَا وَقع لبَعض رُوَاة (الصَّحِيح) وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ قَوْله: إِلَى قَوْله: (لَعَلَّكُمْ تعقلون) أَشَارَ بِهِ إِلَى تَمام الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النُّور، وَهِي آيَة طَوِيلَة لَا الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْفَتْح، لِأَن الْمُنَاسب لأبواب الْأَطْعِمَة هِيَ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النُّور، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج} الْآيَة.
وَوَقع فِي كتاب صَاحب (التَّوْضِيح) بابُُ: {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج} إِلَى قَوْله: {مباركة طيبَة} الْآيَة.

وَالنِّهْدُ وَالاجْتِمَاعُ عَلَى الطَعَّامِ
لم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة، إلاَّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَحده، والنهد بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْهَاء وبالدال الْمُهْملَة من المناهدة، وَهِي إِخْرَاج كل وَاحِد من الرّفْقَة نَفَقَة على قدر نَفَقَة صَاحبه، وَتقدم تَفْسِيره أَيْضا فِي أول الشّركَة فِي: بابُُ الشّركَة وَالطَّعَام والنهد.
قَوْله: (على الطَّعَام) وَفِي بعض النّسخ: فِي الطَّعَام، وَقد جَاءَ كلمة: فِي، بِمَعْنى: على، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} (طه: 71) أَي عَلَيْهَا.



[ قــ :5092 ... غــ :5384 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيد: سَمِعْتُ بُشَيْرَ بنَ يَسَارٍ يَقُولُ: حدَّثنا سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ.
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى خَيْبَرَ.
فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ: دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَعَامٍ، فَمَا أُُتِيَ إلاَّ بِسوِيقٍ، فَلُكْناهُ فَأكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنا فَصَلَّى بِنا المَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَأ.
قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدا وَبَدْءا.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من وسط الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتا} وَهُوَ أصل فِي جَوَاز المخارجة، وَلِهَذَا ذكر فِي التَّرْجَمَة: النهد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِي الحَدِيث لم يُؤْت إلاَّ بسويق، وَلَيْسَ هُوَ ظَاهر المُرَاد من النهد لاحْتِمَال أَن يكون مَا جِيءَ فِي السويق إلاَّ من جِهَة وَاحِدَة.
قلت: هَذَا الِاحْتِمَال بعيد لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء، بل الظَّاهِر أَن من كَانَ عِنْده شَيْء من السويق أحضرهُ، لِأَن قَوْله: (دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَعَام) لم يكن من شخص معِين، بل كَانَ عَاما وَالْحَال يدل على أَن كل من كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك أحضر.
هـ
وَقَالَ الْمُهلب: مُنَاسبَة الْآيَة لحَدِيث سُوَيْد مَا ذكره أهل التَّفْسِير من أَنهم كَانُوا إِذا اجْتَمعُوا للْأَكْل عزل الْأَعْمَى على حِدة والأعرج على حِدة وَالْمَرِيض على حِدة لتقصيرهم عَن أكل الأصحاء، فَكَانُوا يتحرجون أَن يتفضلوا عَلَيْهِم، وَهَذَا قَول الْكَلْبِيّ،.

     وَقَالَ  عَطاء بن يزِيد: كَانَ الْأَعْمَى يتحرج أَن يَأْكُل طَعَام غَيره لجعل يَده فِي غير موضعهَا، والأعرج كَذَلِك لاتساعه فِي مَوضِع الْأكل، وَالْمَرِيض لرائحته، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فأباح الله لَهُم الْأكل مَعَ غَيرهم وَفِي حَدِيث سُوَيْد معنى الْآيَة لأَنهم جعلُوا أَيْديهم فِيمَا حضر من الزَّاد سَوَاء، أَلا يرى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أملقوا فِي السّفر جعل أَيْديهم جَمِيعًا فِيمَا بَقِي من الأزواد سَوَاء، وَلَا يُمكن أَن يكون أكلهم سَوَاء أصلا لاخْتِلَاف أَحْوَالهم فِي الْأكل، وَقد سوغهم ذَلِك من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَصَارَ ذَلِك سنة فِي الْجَمَاعَات الَّتِي تدعى إِلَى طَعَام فِي النهد والولائم والإملاق فِي السّفر، وَمَا ملكت مفاتيحه بأمانة أَو قرَابَة أَو صداقة فلك أَن تَأْكُل مَعَ الْغَرِيب أَو الصّديق أَو وَحدك.

والْحَدِيث الْمَذْكُور قد ذكره فِي كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ من مضمض من السويق وَلم يتَوَضَّأ.
وَأخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سُوَيْد بن النُّعْمَان إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا فِي أول بابُُ غَزْوَة خَيْبَر عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار الخ، وَهنا أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن يسَار، ضد الْيَمين عَن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.

قَوْله: (قَالَ يحيى) هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ الرَّاوِي قَوْله: (على رَوْحَة) هِيَ ضد الغدوة.
قَوْله: (فلكناه) بِضَم اللَّام من اللوك، يُقَال: لكنه فِي فمي إِذا علكته.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي.
قَوْله: (عودا وبدءا) أَي: عَائِدًا ومبتدئا أَي: (أَولا وآخرا) .