فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة

( بابُُُ: { الخُبْزِ المُرَقَّقِ وَالأكْلِ عَلَى الخِوانِ وَالسُّفْرَةِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْخبز المرقق وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من رقق على وزن فعّل بِالتَّشْدِيدِ يُقَال: رقق الصَّانِع الْخبز أَي: لينه وَجعله رَقِيقا وَهُوَ الرقَاق أَيْضا بِالضَّمِّ،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الرقَاق، بِالضَّمِّ الْخبز الرَّقِيق،.

     وَقَالَ  عِيَاض: قَوْله: ( مرفقا) أَي: ملينا محسنا كخبز الْحوَاري وَشبهه،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: المرقق الْخبز السميد وَمَا يصنع مِنْهُ من كعك وَغَيره،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: المرقق هُوَ الْخَفِيف كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الرقَاق وَهِي الْخَشَبَة الَّتِي يرقق بهَا.
قَوْله: ( على الخوان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَجَاء ضمهَا.
وَفِيه لُغَة ثَالِثَة: أَخَوان، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء وَهُوَ مُعرب.
قَالَ الجواليقي: تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَدِيما،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: إِنَّه اسْم أعجمي، وَعَن ثَعْلَب: سمي بذلك لِأَنَّهُ يتخون مَا عَلَيْهِ، أَي: ينتقص.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: إِنَّه الْمَائِدَة مَا لم يكن عَلَيْهِ طَعَام وَيجمع على أخونة فِي الْقلَّة وخوون بِضَم أَوله فِي الْكَثْرَة وَالْأكل على الخوان من دأب المترفين وصنع الْجَبابُُِرَة.
قلت: لَيْسَ فِيمَا ذكر كُله بَيَان هَيْئَة الخوان، وَهُوَ طبق كَبِير من نُحَاس تَحْتَهُ كرْسِي من نُحَاس ملزوق بِهِ، طوله قدر ذِراع يرص فِيهِ الزبادي وَيُوضَع بَين يَدي كَبِير من المرتفين وَلَا يحملهُ إلاَّ اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا.
قَوْله: ( والسفرة) وَهِي: الطَّعَام يَتَّخِذهُ الْمُسَافِر وَأكْثر مَا يحمل فِي جلد مستدير حوله حلق من حَدِيد يضم بِهِ ويعلق فَنقل إسم الطَّعَام إِلَى الْجلد وَسمي بِهِ كَمَا سميت المزادة رِوَايَة.



[ قــ :5093 ... غــ :5385 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أنَسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أكَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُبْزا مُرَقَّقا وَلا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِيَ الله.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَبعد الْألف نون أُخْرَى.
أبي بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وهما بتَشْديد الْمِيم الأولى هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَغَيره.

قَوْله: { وَلَا شَاة مسموطة} قَالَ ابْن الْأَثِير: الشَّاة السميط أَي المشوية فعيل بِمَعْنى مفعول، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَهُوَ أكل المترفين وَإِنَّمَا كَانُوا يَأْخُذُونَ الْجلد لينتفعوا بِهِ، وَيُقَال: المسموط الَّذِي أزيل شعره بِالْمَاءِ المسخن ويشوى بجلده أَو يطْبخ، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك فِي الصَّغِير السن الطري، وَذَلِكَ من فعل المترفين من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الْمُبَادرَة إِلَى ذبح مَا لَو بَقِي لازداد ثمنه.
وَثَانِيهمَا: أَن المسلوخ ينْتَفع بجلده فِي اللّبْس وَغَيره، وَعبارَة ابْن بطال: المسموط المشوية بجلدها.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْعين) : سمطت الْجمل أسمطه سمطا تنقيه من الصُّوف بعد إِدْخَاله فِي المَاء الْحَار،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْأَفْعَال) : سمط الجدي وَغَيره علقه من السموط، وَهِي معاليق من السرج.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: المسموط الَّتِي يغلى لَهَا المَاء فَتدخل فِيهِ بعد أَن تذبح ويزال بَطنهَا فيزول عَنْهَا الشّعْر أَو الصُّوف ثمَّ تشوى.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أكل المرقق جَائِز مُبَاح وَلم يتْركهُ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ زهدا فِي الدُّنْيَا وتركا للتنعم وإيثارا لما عِنْد الله وَغير ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْأكل على الخوان، وَلَيْسَ نفي أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْكُل على كل خوان، وَلَا أَنه أكل شَاة سميطا يرد قَول من روى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أكل على خوان وَأَنه أكل شواء، وَإِنَّمَا أخبر كل بِمَا علم، وَمن علم حجَّة على من لم يعلم، لِأَنَّهُ زَاد عَلَيْهِ فَوَجَبَ قبُولهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أنس: مَا أعلم أَو مَا رَأَيْت أَنه أكل شَاة مسموطة، وَلم يقطع على أَنه لم يَأْكُل، وَجرى ابْن بطال فِيمَا قَالَه على أَن المسموط هُوَ المشوي عِنْده.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ المسموط هُوَ المشوي عِنْده فيعارضه حَدِيث أم سَلمَة الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا قربت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جنبا مشويا فَأكل مِنْهُ.
قلت: الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ من أَن من علم حجَّة على من لم يعلم إِلَى آخِره.





[ قــ :5094 ... غــ :5386 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا مُعاذُ بنُ هِشام، قَالَ: حدَّثني أبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ: عَلِيٌّ، هُوَ الإسْكَافُ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنهُ.
قَالَ: مَا عَلِمْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ قَطُّ وَلا خُبْزَ لهُ مُرَفَقٌ قَطُّ، وَلا أكَلَ عَلَى خِوَانٍ.
فَقِيلَ لِقَتادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يأكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ومعاذ بن هِشَام يروي عَن أبي هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي وَاسم أبي عبد الله سُفْيَان، والدستوائي نسبته إِلَى دستوا من نواحي الأهواز.

قَوْله: ( عَن يُونُس) ، وَقع هَكَذَا فِي السَّنَد غير مَنْسُوب فبينه عَليّ وَهُوَ ابْن الْمَدِينِيّ،.

     وَقَالَ : هُوَ الإسكاف، وَهُوَ يُونُس بن أبي الْفُرَات الْقرشِي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ، وَإِنَّمَا بَينه لِأَن فِي طبقته يُونُس بن عبيد الْبَصْرِيّ أحد الثِّقَات المكثرين، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه مُصَرحًا عَن يُونُس بن أبي الْفُرَات، وَلَيْسَ ليونس هَذَا فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: لَيْسَ بالمشهور،.

     وَقَالَ  ابْن سعد كَانَ مَعْرُوفا وَله أَحَادِيث،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: لَا يجوز أَن يحْتَج بِهِ.

وَفِي سَنَد هَذَا الحَدِيث رِوَايَة الأقران لِأَن هشاما وَيُونُس من طبقَة وَاحِدَة.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَطْعِمَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْوَلِيمَة عَن عَمْرو بن عَليّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن بشار.

قَوْله: ( على سكرجة) بِضَم السِّين وَالْكَاف وَالرَّاء الْمُشَدّدَة بعْدهَا جِيم مَفْتُوحَة.
قَالَ عِيَاض كَذَا قيدناه، وَنقل عَن ابْن مكي أَنه صوب فتح الرَّاء وَكَذَا قَالَ التوريشتي، وَزَاد أَنه فَارسي مُعرب وَالرَّاء فِي الأَصْل مَفْتُوحَة، وَلَا حجَّة فِي ذَلِك لِأَن الِاسْم الأعجمي إِذا نطقت بِهِ الْعَرَب لم تبقه على أَصله غَالِبا.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: عَن شَيْخه أبي مَنْصُور الجواليقي أَنه قَالَ بِفَتْح الرَّاء، قَالَ: وَكَانَ بعض أهل اللُّغَة يَقُول: اسكرجة، بِالْألف وَفتح الرَّاء وَهِي فارسية معربة.
وترجمها مُعرب الْحل، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب،.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ: فَإِن حقرت يَعْنِي فَإِن صغرت حذفت الْجِيم وَالرَّاء قلت: أُسيكرة.
وَإِن عوضت عَن الْمَحْذُوف تَقول: أسيكيرة، وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن تَصْغِير الخماسي مستكره،.

     وَقَالَ  ابْن مكي: وَهِي قصاع صغَار يُؤْكَل فِيهَا.
وَمِنْهَا كَبِيرَة وصغيرة، فالكبيرة تحمل قدر سِتّ أَوَاقٍ، وَقيل: مَا بَين ثُلثي أُوقِيَّة إِلَى أُوقِيَّة، وَمعنى ذَلِك أَن الْعَجم كَانَت تستعملها فِي الكواميخ وَمَا أشبههَا من الْجوَار شنات حول الموائد للتشهي والهضم،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هِيَ قَصْعَة صَغِيرَة مدهونة،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: رَأَيْت لغيره أَنَّهَا قَصْعَة ذَات قَوَائِم من عود كمائدة صَغِيرَة.
قَوْله: فَقيل: لِقَتَادَة الْقَائِل هُوَ الرَّاوِي.
قَوْله: ( فعلى) ، مَا كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْألف وَفِي رِوَايَة غَيره: فعلى م، بِغَيْر الْألف.
قَوْله: ( كَانُوا يَأْكُلُون) ، إِنَّمَا عدل عَن قَوْله: ( فعلى مَا كَانَ يَأْكُل) إِلَى قَوْله: ( كَانُوا يَأْكُلُون) بِالْجمعِ إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك لم يكن مُخْتَصًّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده، بل كَانَ أَصْحَابه يقتفون أَثَره ويقتدون بِفِعْلِهِ ويراعون سنته.
قَوْله: ( على السّفر) جمع سفرة، وَقد مر تَفْسِيرهَا.





[ قــ :5095 ... غــ :5387 ]
- حدَّثنا ابنُ أبِي مَرْيَمَ أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ أخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسا يَقُولُ: قَامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْنِي بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إلَى وَلِيمَتِهِ أمَرَ بِالأنْطاعِ فَبُسِطَتْ فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأقِطُ وَالسَّمْنُ.


وَقَالَ عَمْرٌ عَنْ أنَسٍ: بَنَى بِهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ صَنَعَ حَيْسا فِي نِطَعٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَابْن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، وَحَدِيثه قد مضى فِي غَزْوَة خَيْبَر مطولا عَنهُ أَيْضا أَي: عَن ابْن أبي مَرْيَم.

قَوْله: ( وَقَالَ عَمْرو) ، وَهُوَ عَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمضى حَدِيثه فِي الْمَغَازِي مطولا.
قَوْله: ( حَيْسًا) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَهُوَ الْخَلْط من التَّمْر وَالسمن وَنَحْوه.
قَوْله: ( فِي نطع) بِسُكُون الطَّاء وَفتحهَا وَكسر النُّون وَفتحهَا.





[ قــ :5096 ... غــ :5388 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبَرَنا أبُو مُعَاوِيَةَ حدَّثنا هِشامٌ عَنْ أبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ أهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابنِ ذَاتِ النِّطاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ { إنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطاقَيْنِ؟ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطاقَانِ؟ إنَّمَا كَانَ نِطاقِي شَققْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأحَدِهِما وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ، قَالَ: فَكَانَ أهْلُ الشَّأْمِ إذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إيها وَالإلِهِكَانَ أهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابنِ ذَاتِ النِّطاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ} إنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطاقَيْنِ؟ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطاقَانِ؟ إنَّمَا كَانَ نِطاقِي شَققْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأحَدِهِما وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ، قَالَ: فَكَانَ أهْلُ الشَّأْمِ إذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إيها وَالإلِهِ
( تِلْكَ شَكَاةٌ ظاهِرٌ عَنْكَ عارُها) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَجعلت فِي سقرته) وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام وَأَبُو مُعَاوِيَة هُوَ مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين الضَّرِير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير ويروي أَيْضا عَن وهب بن كيسَان وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أَحْمد بن يُونُس عَن أبي مُعَاوِيَة فَقَالَ فِيهِ عَن هِشَام عَن وهب بن كيسَان فَقَط وأصل الحَدِيث مضى فِي: بابُُ الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة عَن عبد الله بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه، وَعَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء صنعت سفرة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخ.

قَوْله: ( كَانَ أهل الشَّام) المُرَاد بِهِ عَسْكَر الْحجَّاج بن يُوسُف حَيْثُ كَانُوا يُقَاتلُون عبد الله بن الزبير على مَكَّة، وهم من قبل عبد الْملك بن مَرْوَان وَالْمرَاد عَسْكَر الْحصين بن نمير الَّذين قَاتلُوهُ قبل ذَلِك من قبل يزِيد بن مُعَاوِيَة عَلَيْهِ مَا يسْتَحق.
قَوْله: ( يعيرون) بِالْعينِ الْمُهْملَة أَي: يعيبون عبد الله بن الزبير.
قَوْله: ( فَقَالَت لَهُ أَسمَاء) أَي: قَالَت أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق لابنها عبد الله بن الزبير، ( يَا بني) بتصغير الشَّفَقَة إِنَّهُم أَي: أَن أهل الشَّام يعيرونك بالنطاقين؟ قيل: الْأَفْصَح أَن يعدى التَّعْبِير بِنَفسِهِ.
يُقَال: عيرته كَذَا وَقد سمع بِكَذَا يَعْنِي: بِالْبَاء مثل مَا هُنَا.
قَوْله: ( هَل تَدْرِي مَا كَانَ النطاقان) قيل: وَقع عِنْد بَعضهم فِي شَرحه مَا كَانَ النطاقين؟ فَإِن صَحَّ فالمضاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا كَانَ شَأْن النطاقين، والنطاق بِكَسْر النُّون مَا كَانَ يشد بِهِ الْوسط وشقة تلبسها الْمَرْأَة وتشد وَسطهَا وَترسل أَعْلَاهَا على الْأَسْفَل إِلَى الرّكْبَة،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: النطاق مَا تشد بِهِ الْمَرْأَة وَسطهَا ترفع بِهِ ثِيَابهَا وَترسل عَلَيْهِ أزارها،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: هُوَ إِزَار فِيهِ تكة تلبسه النِّسَاء.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي تَفْسِير الْمنطق فَقَالَ: الْمنطق النطاق وَجمعه مناطق وَهُوَ أَن تلبس الْمَرْأَة، وَبهَا ثمَّ تشد وَسطهَا بِشَيْء وترفع وسط ثوبها وترسله على الْأَسْفَل عِنْد معاناة الأشغال لِئَلَّا تعثر فِي ذيلها وَبِه سميت أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ذَات النطاقين لِأَنَّهَا كَانَت تطارق نطاقا فَوق نطاق.
وَقيل: كَانَ لَهَا نطاقان تلبس أَحدهمَا وَتحمل فِي الآخر الزَّاد إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وهما فِي الْغَار.
قَوْله: ( فأوكيت) من الوكاء وَهُوَ الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة.
قَوْله: ( ايها) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتنوين مَعْنَاهُ: الِاعْتِرَاف بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ.
والتقرير لَهُ تَقول الْعَرَب فِي استدعاء القَوْل من الْإِنْسَان أَيهَا وإيه، بِغَيْر تَنْوِين قَالَه الْخطابِيّ، وَاعْترض بِأَن الَّذِي ذكره ثَعْلَب وَغَيره: إِذا استزدت من الْكَلَام قلت: أيه، وَإِذا أمرت بِقطعِهِ.
قلت: إيها، ورد بِأَن غير ثَعْلَب قد جزم بِأَن إيها كلمة استزادة وَبِغير التَّنْوِين لقطع الْكَلَام،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَيْن: فِي سَائِر الرِّوَايَات يَقُول: ابْنهَا والإلاه بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: ابْن الزبير وَلَقَد أغرب ابْن التِّين فِيهِ حَتَّى نسبه بَعضهم إِلَى التَّصْحِيف.
قَوْله: ( تِلْكَ شكاة ظَاهر عَنْك عارها) .


( هَذَا عجز بَيت وصدره ... وعيرّها الواشمون أَنِّي أحبها)

وَهَذَا من قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ من الطَّوِيل يرثي بهَا نسيبة بنت عنس بن محرث الْهُذلِيّ وأولها:
( هَل الدَّهْر إلاَّ لَيْلَة ونهارها ... وإلاَّ طُلُوع الشَّمْس ثمَّ غيارها)

( أَبى الْقلب إلاَّ أم عَمْرو فَأَصْبَحت ... تحرق نَارِي بالشكاة ونارها)

وَبعده: وعيرها الواشمون إِلَى آخِره، وَبعده:
( فَلَا يهنىء الواشين أَنِّي هجرتهَا ... وأظلم دوني لَيْلهَا ونهارها)

( فَإِن أعْتَذر مِنْهَا فَإِنِّي مكذب ... وَإِن تعتذر يردد عَلَيْهَا اعتذارها)

( فَمَا أم خشف بالعلاية شادن ... تنوش البرير حَيْثُ نَالَ اهتصارها)

وَهِي تنوف على ثَلَاثِينَ بَيْتا وقفت عَلَيْهَا فِي ديوانه قَوْله: ( شكاة) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهَا: رفع الصَّوْت بالْقَوْل الْقَبِيح، وَقيل: بِكَسْر الشين وَالْفَتْح أصوب لِأَنَّهُ مصدر شكا يشكو شكاية، وشكوى وشكاة إِذا أخبر عَنهُ بشر.
قَوْله: ( ظَاهر) ، مَعْنَاهُ أَنه ارْتَفع عَنْك وَلم يعلق بك من الظُّهُور والصمود على أَعلَى الشَّيْء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} ( الْكَهْف: 97) أَي: يَعْلُو عَلَيْهِ، وَمِنْه ومعارج يظهرون.
قَوْله: ( فَلَا يهنىء الواشين) من هَنأ فِي الطَّعَام يهنئني ويهنأني.
قَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَا نَظِير لَهُ فِي المهموز.
قَوْله: ( وأظلم دوني لَيْلهَا ونهارها) ، مَعْنَاهُ: بَعدت عني فَلَا أَسْتَطِيع أَن أتيها فَصَارَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَاحِدًا.
قَوْله: ( فَإِن اعتذر) إِلَى آخِره مَعْنَاهُ إِن أعْتَذر من حبها وَأَقُول: مَا بيني وَبَينهَا شَيْء فَإِنِّي مكذب، وَإِن تعتذر هِيَ أَيْضا تكذب.
قَوْله: ( فَمَا أم خشف) ، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالشين الْمُعْجَمَة وبالفاء وَهُوَ ولد الظبية قَوْله: ( بالعلاية) إسم مَوضِع قَوْله: ( شادن) من شدن لَحْمه إِذا قوي.
قَوْله: ( تنوش) أَي: تتَنَاوَل.
قَوْله: ( البرير) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالراء أَيْضا، ثَمَر الْأَرَاك.
قَوْله: ( اهتصارها) أَي: حَيْثُ نَالَ أَن يهتصره أَي: تجذبه.





[ قــ :5097 ... غــ :5389 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ أُُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الحَارِثِ بنِ حَزنٍ خَالَةَ ابنِ عَبَّاسٍ أهْدَتْ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمْنا وَأَقِطًا وأضُبَّا، فَدَعا بِهِنَّ فَأكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَتَرَكَهُنَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَالمُتَقَدِّرِ لَهُنَّ وَلَوْ كُنَّ حَرَاما مَا أُُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلا أمَرَ بِأكْلِهِنَّ.


مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: ( على مائدته) لِأَنَّهَا تطلق على السفرة، وَقد ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْمَائِدَة الَّتِي نزلت على عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَت سفرة من جلد أَحْمَر، وَذكر أَكثر الْمُفَسّرين أَن الْمَائِدَة الْمَذْكُورَة فِي قصَّة عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، هِيَ الخوان، وَكَذَلِكَ قَالَ الْجَوْهَرِي: الْمَائِدَة خوان عَلَيْهِ طَعَام، وَإِن لم يُفَسر الْمَائِدَة هُنَا بالسفرة يُعَكر عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ قَتَادَة عَن أنس، وَلَا أكل على خوان، وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فَافْهَم.
فَإِن هَذَا قد فتح لي من الْفَيْض الإلاهي.

وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل الملقب بعارم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف نون إسمه الوضاح ابْن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بابُُ قبُول الْهَدِيَّة، لِأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن جَعْفَر بن إِيَاس إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( أم حفيد) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: بنت الْحَارِث بن حزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وبالنون وَاسْمهَا هزيلة مصغر هزلة وَلها أَخَوَات: أم خَالِد بن الْوَلِيد وَاسْمهَا لبابَُُة بِضَم اللَّام الصُّغْرَى، وَأم ابْن عَبَّاس وَهِي اللبابُة الْكُبْرَى، ومَيْمُونَة زوج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أم الْمُؤمنِينَ كُلهنَّ بَنَات الْحَارِث ابْن حزن الْهِلَالِي.
قَوْله: ( وأضُبا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الضَّاد وَتَشْديد الْبَاء جمع ضَب مثل فلس وأفلس، وَفِي ( الْعين) : الضَّب يكنى أَبَا حلْس وَهِي دويبة تشبه الورل تَأْكُله الْأَعْرَاب.
وَتقول الْعَرَب: هُوَ قَاضِي الطير والبهائم.
قَوْله: ( كالمتقذر) أَي: كالكاره من القذارة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ خلاف النَّظَافَة، يُقَال: قذرت الشَّيْء بِالْكَسْرِ أقذره بِالْفَتْح، وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ أَنه رُوِيَ: كالمتقزز من القز بزاءين معجمتين وَهُوَ الْكَرَاهَة لكل محتقر.