فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحيس

( بابُُُ: { الحَيْسِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر الحيس، وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا يتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن وَيجْعَل عوض الأقط الفتيت والدقيق.



[ قــ :5132 ... غــ :5425 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثَنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرو بنِ أبِي عَمْروٍ مَوْلَى المُطّلِبِ بنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَبٍ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِي طَلْحَةَ: التَمِسْ غُلاما مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أخُدمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلَّما نَزَلَ فَكُنْتُ أسْمَعُهُ يُكثِرُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحزَنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ وَضَلَعِ الدِّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، فَلَمْ أزَلْ أخْدُمُهُ حَتَّى أقْبَلْنا مِنْ خَيْبَرَ وَأقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي قَدْ حَازَها فَكُنْتُ أرَاهُ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أوْ بِكَسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُها وَرَاءَهُ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسا فِي نِطَعٍ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجالاً فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هاذا جَبَلٌ يُحبُّنا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْها مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( صنع حَيْسًا) والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بابُُ هَل يُسَافر بالجارية قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْغفار بن دَاوُد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد، وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة أَيْضا.
.

قَوْله: ( لأبي طَلْحَة) ، اسْمه زيد بن سهل زوج أم أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( من الْهم والحزن) ، قيل: هما بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: الْهم لما تصَوره الْعقل من الْمَكْرُوه الحالي، والحزن الْمَكْرُوه وَقع فِي الْمَاضِي.
قَوْله: ( والكسل) وَهُوَ التثاقل عَن الْأَمر ضد الخفة والجلادة.
قَوْله: ( وَالْبخل) ضد الْكَرم ( والجبن) ضد الشجَاعَة.
قَوْله: ( وضلع الدّين) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام فَهُوَ ثقل الدّين وشدته.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَنْوَاع الْفَضَائِل ثَلَاثَة: نفسية وبدنية وخارجة.
فالنفسانية ثَلَاثَة بِحَسب القوى الثَّلَاث الَّتِي للْإنْسَان الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية فالهم والحزن مِمَّا يتَعَلَّق بالعقلية، والجبن بالغضبية، وَالْبخل بالشهوية وَالْعجز والكسل بالبدنية.
وَالثَّانِي: عِنْد سَلامَة الْأَعْضَاء وَتَمام الْآلَات.
وَالْأول: عِنْد نُقْصَان الْعُضْو كَمَا فِي الْأَعْمَى والأشل والضلع وَالْغَلَبَة بالخارجية.
وَالْأول مَالِي، وَالثَّانِي جاهي، فَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( بصفية) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بنت حييّ بن أَخطب النَّضْرِية أم الْمُؤمنِينَ من بَنَات هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى بن عمرَان، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سموأل، سباها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر فِي شهر رَمَضَان سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين،.

     وَقَالَ  غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: ( قد حازها) بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي أَي: اخْتَارَهَا من الْغَنِيمَة، وكل من ضم إِلَى نَفسه شَيْئا فقد حازه.
قَوْله: ( فَكنت أرَاهُ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يحوّي لَهَا) ، بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو والمشددة أَي: يَجْعَل لَهَا حوية وَهُوَ كسَاء محشو يدار حول سَنَام الرَّاحِلَة يحفظ راكبها من السُّقُوط ويستريح بالاستناد إِلَيْهِ.
قَوْله: ( بالصهباء) بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْبَاء اسْم منزل بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة.
قَوْله: ( فِي نطع) فِيهِ أَربع لُغَات: نطع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الطَّاء ونطع بِفتْحَتَيْنِ، ونطع بِكَسْر النُّون وَسُكُون الطَّاء، ونطع بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، وَيجمع على نطوع وانطاع.
قَوْله: ( وَكَانَ ذَلِك بِنَاؤُه بهَا) أَي: دُخُوله بصفية.
قَوْله: ( بدا لَهُ) ، أَي: ظهر لَهُ من بعيد.
قَوْله: ( يحبنا) الظَّاهِر أَنه مجَازًا أَو إِضْمَار أَي: يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة، وَيحْتَمل الْحَقِيقَة لشمُول قدرَة الله تَعَالَى.
قَوْله: ( مثل مَا حرم) المثلية بَين حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة فِي الْحُرْمَة فَقَط لَا فِي الْجَزَاء وَغَيره،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لفظ: ( بِهِ) زَائِد قلت: لَا بل مثل مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: أحرم مثل مَا حرم بِهِ.
فَإِن قلت: مَا ذَاك؟ قلت: دعاؤه بِالتَّحْرِيمِ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: وَأحرم مَا بَين جبليها بِهَذَا اللَّفْظ، وَهُوَ أحرم مثل مَا حرم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( فِي مدهم) الْمَدّ رَطْل وَثلث رَطْل أَو رطلان، والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْمَقْصُود بَارك لَهُم فِيمَا يقدر بِالْمدِّ والصاع وَهُوَ الطَّعَام وَالْبركَة فِي الْمَوْزُون بِهِ يسْتَلْزم الْبركَة فِي الْمَوْزُون.