فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يقول إذا فرغ من طعامه

( بابُُ: { مَا يَقُولُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يَقُول الْآكِل إِذا فرغ من أكل طَعَامه، وَحَدِيث الْبابُُ يبين مَا يَقُوله.



[ قــ :5164 ... غــ :5458 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَنْ أبِي أُُمَامَةَ أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الحَمْدُ لله كَثِيرا طَيِّبا مُبَارَكا فِيهِ غَيْرَ مَكْفىً وَلا مُوَدَّع وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنا.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح معنى التَّرْجَمَة ويبينها.

وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وثور بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور وَهُوَ ابْن يزيدالشامي، وخَالِد بن معدان بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة الكلَاعِي بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام، وَأَبُو أُمَامَة بِضَم الْهمزَة صدي بن عجلَان الْبَاهِلِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي عَاصِم، يَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن مُسَدّد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن بنْدَار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن أبي نعيم بِهِ، وَعَن غَيره، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن دُحَيْم.

قَوْله: ( مائدته) ، قد تقدم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يَأْكُل على الخوان، وَهنا يَقُول: إِذا رفع مائدته، وَالْجَوَاب عَن هَذَا إِمَّا أَن يُرِيد بالمائدة الطَّعَام أَو ذَلِك الرَّاوِي، وَهُوَ أنس لم ير أَنه أكل عَلَيْهَا.
أَو كَانَ لَهُ مائدة لَكِن لم يَأْكُل هُوَ بِنَفسِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهَا وَسُئِلَ البُخَارِيّ أَنه هَاهُنَا يَقُول: على الْمَائِدَة وثمة قَالَ: على السفرة لَا على الْمَائِدَة.
فَقَالَ: إِذا أكل الطَّعَام على شَيْء ثمَّ رفع ذَلِك الشَّيْء وَالطَّعَام يُقَال: رفعت الْمَائِدَة.
قَوْله: ( كثيرا) ، أَي: حمدا كثيرا وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه.
قَوْله: ( طيبا) .
أَي: خَالِصا.
قَوْله: ( مُبَارَكًا فِيهِ) .
أَي: فِي الْحَمد.
ومباركا من الْبركَة، وَهِي الزِّيَادَة.
قَوْله: ( غير مكفي) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء، قَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون من كفأت الْإِنَاء إِذا كببته.
فَالْمَعْنى غير مَرْدُود عَلَيْهِ إنعامه وإفضاله إِذا فضل الطَّعَام على الشِّبَع فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيست تِلْكَ الفضلة مَرْدُودَة وَلَا مهجورة، وَيحْتَمل أَن يكون من الْكِفَايَة، وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى غير مكفي رزق عباده أَي: لَيْسَ أحد يرزقهم غَيره.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: غير مُحْتَاج إِلَى أحد فَيَكْفِي لكنه، يطعم وَيَكْفِي،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: غير مستكفي أَي: غير مكتف بنفسي عَن كِفَايَته،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: غير مكفي أَي: لم يكتف من فضل الله ونعمه،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: غير مكفي إِشَارَة إِلَى الطَّعَام وَالْمعْنَى: رفع هَذَا الطَّعَام غير مكفي أَي: غير مقلوب عَنَّا من قَوْلك: كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته، وَالْمعْنَى غير مُنْقَطع هَذَا كُله على أَن الضَّمِير لله.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الضَّمِير للطعام ومكفي بِمَعْنى مقلوب من الإكفاء وَهُوَ الْقلب غير أَنه لَا يَكْفِي الْإِنَاء للاستغناء عَنهُ، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ عَن أبي مَنْصُور الجواليقي، أَن الصَّوَاب غير مكافأ بِالْهَمْزَةِ.
أَي: أَن نعْمَة الله لَا تكافأ.

قلت: هَذَا التَّطْوِيل بِلَا طائل، بل لفظ مكفي، من الْكِفَايَة وَهُوَ اسْم مفعول أَصله مكفوي على وزن مفعول، وَلما اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء ثمَّ أبدلت ضمة الْيَاء كسرة لأجل الْيَاء وَالْمعْنَى: هَذَا الَّذِي أكلنَا لَيْسَ فِيهِ كِفَايَة لما بعده بِحَيْثُ إِنَّه يَنْقَطِع وَيكون هَذَا آخر الْأكل، بل هُوَ غير مُنْقَطع عَنَّا بعد هَذَا، بل تستمر هَذِه النِّعْمَة لنا طول أعمارنا، وَلَا تَنْقَطِع وَالله أعلم.
قَوْله: ( وَلَا مُودع) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو، وَتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة قَالَت الشُّرَّاح: مَعْنَاهُ: غير مَتْرُوك الطّلب إِلَيْهِ وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده.
قلت: مَعْنَاهُ غير مُودع منا من الْوَدَاع يَعْنِي: لَا يكون آخر طعامنا وَيجوز كسر الدَّال يَعْنِي: غير تَارِك الطَّعَام لما بعده.
قَوْله: ( وَلَا مستغني عَنهُ) يُؤَكد الْمَعْنى الَّذِي قُلْنَا: وَحَاصِله لَا يكون لنا اسْتغْنَاء مِنْهُ.
قَوْله: ( رَبنَا) ، أَي: يَا رَبنَا فَحذف مِنْهُ حرف النداء، وَيجوز رَفعه بِأَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ رَبنَا.
قَالُوا: وَيصِح أَن ينصب بإضمار أَعنِي، وَكَذَلِكَ ضبط فِي بعض الْكتب، وَيصِح خفضه بَدَلا من الضَّمِير فِي عَنهُ، قيل: وَيصِح أَن يرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ وَيكون خَبره مقدما عَلَيْهِ وَهُوَ غير مكفي.





[ قــ :5165 ... غــ :5459 ]
- حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرٍ بنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَنْ أبِي أُُمَامَةَ أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ.

     وَقَالَ  مَرَّةً: إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الحمدُ لله الَّذِي كَفَانَا وَأرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيِّ وَلا مَكْفُورٍ،.

     وَقَالَ  مَرَّةً: الحَمْدُ لله رَبِّنا غَيْرَ مَكْفِيِّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى رَبَّنا.


هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل إِلَى آخِره.

قَوْله: ( وَقَالَ مرّة: إِذا رفع مائدته) أَي: طَعَامه، كَمَا ذكرنَا أَن الْمَائِدَة تَأتي بِمَعْنى الطَّعَام.
وَقَوله: ( كفانا) هَذَا يدل على أَن الضَّمِير فِيمَا تقدم يرجع إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الله تَعَالَى.
هُوَ الْكَافِي لَا مكفي قَوْله: ( وأروانا) من عطف الْخَاص على الْعَام لِأَن: كفانا من الْكِفَايَة وَهِي: أَعم من الشِّبَع والري، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: وآوانا بِالْمدِّ من الإيواء قَوْله: ( وَلَا مكفور) أَي: وَلَا غير مشكور.

وَوَقع فِي حَدِيث أبي سعيد أخرجه أَبُو دَاوُد: ( الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وَجَعَلنَا مُسلمين) .
وَوَقع فِي حَدِيث أبي أَيُّوب أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ( الْحَمد لله الَّذِي أطْعم وَسَقَى وسوغه وَجعل لَهُ مخرجا) ، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه النَّسَائِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم مَا فِي حَدِيث أبي سعيد، وَزِيَادَة فِي حَدِيث مطول.