فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الخذف والبندقة

( بابُُ: { الخَذْفِ وَالبُنْدُقَةِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْخذف، وَهُوَ بِالْخَاءِ والذال المعجمتين، وَهُوَ الرَّمْي بالحصى بالأصابع.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: الْخذف رميك حَصَاة أَو نواة تَأْخُذ بَين سبابُتيك وَتَرْمِي بهَا، أَو تتَّخذ مخذفة من خشب ثمَّ ترمي بهَا الْحَصَاة بَين إبهامك والسبابُة، وَأما الْحَذف بِالْحَاء الْمُهْملَة فَهُوَ الرَّمْي بالعصا.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يسْتَعْمل فِي الرَّمْي وَالضَّرْب مَعًا، والبندقة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون النُّون طِينَة مُدَوَّرَة مجففة يرْمى بهَا عَن الجلاهق، وَهُوَ بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام وَكسر الْهَاء وبالقاف: اسْم لقوس البندقة.

[ قــ :5185 ... غــ :5479 ]
- حدَّثنا يُوسُفُ بنُ رَاشِدٍ حدَّثنا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ، وَاللَّفْظُ لِ يَزِيدَ عَنْ كَهْمَسٍ بنِ الحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغفَّلٍ: أنَّهُ رَأى رَجُلاً يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَخْذِفْ فَإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أوْ كَانَ يَكْرَهُ الخَذْفَ.
.

     وَقَالَ : إنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلا يُنْكَى بِهِ وَعَدُوٌّ وَلاكِنَّها قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ العَيْنَ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذالِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ.
أوْ كَرِهَ الخَذْفَ، وَأنْتَ تَخْذِف؟ لَا أكلِّمك كَذا وَكَذا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَقد أوضح الحَدِيث الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.

     وَقَالَ  بَعضهم: يَأْتِي تَفْسِير الْخذف فِي الْبابُُ.
قلت: لم يُفَسر الْخذف فِي الْبابُُ قطّ، وَإِنَّمَا بَين حكمه، وَهَذَا ظَاهر.

ويوسف بن رَاشد هُوَ يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الرَّازِيّ نزيل بَغْدَاد، نسبه البُخَارِيّ إِلَى جده، ووكيع هُوَ ابْن الْجراح الْكُوفِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ من مَشَايِخ أَحْمد بن حَنْبَل، وكهمس بِفَتْح الْكَاف وَالْمِيم وبالسين الْمُهْملَة ابْن الْحسن أَبُو الْحسن التَّمِيمِي، نزل الْبَصْرَة فِي بني قيس، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة ابْن خصيب الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو أَبُو سهل الْمروزِي أَخُو سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، وَكَانَا توأمين وَلم يزل قَاضِيا بمرو إِلَى أَن مَاتَ بهَا.
.

     وَقَالَ  الدمياطي: قيل: مَاتَ عبد الله وَسليمَان فِي يَوْم وَاحِد سنة خمس وَمِائَة وَكَانَ عمرهما مائَة سنة وَالأَصَح أَن سُلَيْمَان تولى الْقَضَاء قبله وَمَات بمرو وَهُوَ على الْقَضَاء بهَا سنة خمس وَمِائَة، وَولي أَخُوهُ الْقَضَاء بهَا بعده، وَمَات وَهُوَ على الْقَضَاء سنة خمس عشرَة وَمِائَة، فعلى هَذَا يكون عمر سُلَيْمَان تسعين سنة، وَعمر عبد الله مائَة سنة، وَعبد الله بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة ابْن عبد نهم بن عفيف بن أسحم الْمُزنِيّ، نزل الْبَصْرَة وَمَات بهَا سنة سِتِّينَ، وصلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَرزَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح أَيْضا عَن عبد الله بن معَاذ وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الدِّيات عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.

قَوْله: ( رأى رجلا) لم يدر اسْمه وَفِي رِوَايَة مُسلم: رأى رجلا من أَصْحَابه، وَله من رِوَايَة سعيد بن جُبَير عَن عبد الله بن مُغفل: إِنَّه قريب لعبد الله بن مُغفل.
قَوْله: ( يخذف) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَقد مر تَفْسِيره آنِفا.
وَهُوَ الَّذِي يَرْمِي الْحَصَاة بالمخذفة بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الَّذِي يُسمى بالمقلاع بِكَسْر الْمِيم.
قَوْله: ( أَو كَانَ يكره) ، الْخذف شكّ من الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع: نهى عَن الْخذف من غير شكّ، وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن كهمس بِالشَّكِّ، وبيَّن أَن الشَّك من كهمس.
قَوْله: ( إِنَّه لَا يصاد بِهِ صيد) قَالَ الْمُهلب: أَبَاحَ الله الصَّيْد على صفة فَقَالَ: { تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} ( الْمَائِدَة: 94) وَلَيْسَ الرَّمْي بالبندقة وَنَحْوهَا من ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ وقيذ، وَإِنَّمَا نهى عَن الْخذف لِأَنَّهُ يقتل الصَّيْد بِقُوَّة رامية لَا بحده.
قَوْله: ( وَلَا ينكى بِهِ) قَالَ عِيَاض: الرِّوَايَة بِفَتْح الْكَاف والهمزة فِي آخِره وَهِي لُغَة، وَالْأَشْهر بِكَسْر الْكَاف بِغَيْر همزَة وَفِي ( شرح مُسلم) لَا ينْكَأ، بِفَتْح الْكَاف مَهْمُوز.
قلت: الْمُنَاسب هُنَا كسر الْكَاف بِغَيْر همزَة لِأَن مَعْنَاهُ من نكيت فِي الْعد وأنكي نكاية.
فَأَنا ناك إِذا أكثرت فيهم الْجراح وَالْقَتْل فوهنوا لذَلِك، وَأما الَّذِي بِالْهَمْز فَمن قَوْلهم: نكأت القرحة أنكؤها إِذا قشرتها وَلَا يُنَاسب هُنَا إلاَّ الأول على مَا لَا يخفى.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: نكيت الْعَدو نكاية أصبت مِنْهُم نكأت الْعَدو أنكؤهم لُغَة فِي نكيت.
فعلى هَذَا الْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ.
قَوْله: ( وَلكنهَا) ، أَي: الرَّمية، وَأطلق السن ليشْمل سنّ الْآدَمِيّ وَغَيره.
قَوْله: ( كَذَا وَكَذَا) ، وَفِي رِوَايَة معَاذ وَمُحَمّد بن جَعْفَر: لَا أُكَلِّمك كلمة كَذَا وَكَذَا.
وَكلمَة، بِالنّصب والتنوين، وَكَذَا وَكَذَا لإبهام الزَّمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير عِنْد مُسلم لَا أُكَلِّمك أبدا.

وَفِيه: جَوَاز هجران من خَالف السّنة وَترك كَلَامه وَلَا يدْخل ذَلِك فِي النَّهْي عَن الهجران فَوق ثَلَاث لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمن هجر لحظ نَفسه.
وَفِيه: تَغْيِير الْمُنكر وَمنع الرَّمْي بالبندق فَلَا يحل مَا قَتله إلاَّ إِذا أدْرك ذَكَاته فَيحل حِينَئِذٍ،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: الْمَنْقُول عَن بعض مُتَقَدِّمي الشَّافِعِيَّة منع الِاصْطِيَاد بالبندق إِمَّا تَحْرِيمًا وَإِمَّا كَرَاهَة وَعَن بعض الْمُتَأَخِّرين جَوَازه وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث الِاصْطِيَاد بالكلب الَّذِي لَيْسَ بمعلم، وبالعلة الَّتِي فِي الحَدِيث الْمَذْكُور لِأَنَّهُ قَالَ: ( لَا ينكى بِهِ الْعَدو) فمفهوم هَذَا أَن مَا ينكي الْعَدو ويقتُل الصَّيْد: لَا ينْهَى عَنهُ لزوَال عِلّة النَّهْي، وَهَذَا دَلِيل مَفْهُوم.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْجُمْهُور.