فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

( بابُُُ: { الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أوْ ثَلاثَةَ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّيْد إِذا غَابَ عَنهُ أَي: عَن الصَّائِد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام.



[ قــ :5190 ... غــ :5484 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا ثَابِتُ بنُ يَزِيد حدَّثنا عَاصمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَيْتَ فَأمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإنْ أكَلَ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإذَا خَالَطَ كِلابا لَمْ يُذْكَر اسْمُ الله عَلَيْها فأمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّكَ لَا تَدْرِي أيُّها قَتَلَ، وَإنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إلاَّ أثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإنْ وَقَعَ فِي المَاءِ فَلا تَأْكُلْ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ) ، وَذكر الثَّلَاثَة فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا.

وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ضد الزائل ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْأَحول الْبَصْرِيّ، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر.

وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام.

الأول: إِذا أرسل كَلْبه وسمى فَأمْسك على صَاحبه يحل أكله.

الثَّانِي: إِن أكل مِنْهُ لَا يحل.

الثَّالِث: إِذا خالط كَلْبه كلابا أُخْرَى لم يذكر اسْم الله عَلَيْهَا فأمسكن وقتلن لَا يحل أكله، وَعلله بقوله: ( لَا تَدْرِي أَيهَا) أَي: الْكلاب ( قلته) وَفِي ( التَّوْضِيح) إِن جُمْهُور الْعلمَاء بالحجاز وَالْعراق متفقون على أَنه إِذا أرسل كَلْبه على الصَّيْد وَوجد مَعَه كَلْبا آخر وَلم يدر أَيهمَا أَخذ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل هَذَا الصَّيْد، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك عَطاء وَالْأَرْبَعَة وَأَبُو ثَوْر، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول: إِذا أرسل كَلْبه الْمعلم فَعرض لَهُ كلب آخر معلم فقتلاه فَهُوَ حَلَال، وَإِن كَانَ غير معلم فقتلاه لم يُؤْكَل وَعبارَة الْقُرْطُبِيّ، الْكَلْب المخالط مَجْهُول غير مُرْسل من صائد أخر، وَأَنه إِنَّمَا انْبَعَثَ فِي طلب الصَّيْد بطبعه، وَلَا يخْتَلف فِي هَذَا فَأَما إِذا أرْسلهُ صائد آخر على ذَلِك الصَّيْد فاشترك الكلبان فِيهِ فَإِنَّهُ للصائدين، فَلَو نفذ أحد الكلبين مقاتله ثمَّ جَاءَ الآخر بعد فَهُوَ للْأولِ.

الرَّابِع: إِذا رمى الصَّيْد وَغَابَ عَنهُ ثمَّ وجد بعد يَوْم أَو بعد يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ بِهِ إِلَّا أثر سَهْمه فَإِنَّهُ يُؤْكَل، وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ.
فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا وجده من الْغَد مَيتا وَوجد سَهْمه أَو أثرا من كَلْبه فليأكله، وَهُوَ قَول أَشهب وَابْن الْمَاجشون وَابْن عبد الحكم، وَرُوِيَ عَن مَالك فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقصار، وَالْمَعْرُوف عَنهُ خِلَافه فَفِي ( الْمُوَطَّأ) و ( الْمُدَوَّنَة) لَا بَأْس بِأَكْل الصَّيْد وَإِن غَابَ عَنهُ مصرعه إِذا وجدت بِهِ أثر كلبك أَو كَانَ بِهِ سهمك مَا لم يبت فَإِذا بَات لم يُؤْكَل، وَعنهُ الْفرق بَين السهْم فيؤكل وَبَين الْكَلْب فَلَا يُؤْكَل.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: إِذا توارى عَنهُ الصَّيْد وَالْكَلب فِي طلبه فَوَجَدَهُ مقتولاً وَالْكَلب عِنْده كرهت أكله.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: الْقيَاس أَنه لَا يُؤْكَل إِذا غَابَ عَنهُ لاحْتِمَال أَن غَيره قَتله،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الْحل أصح.

الْخَامِس: إِذا وَقع الصَّيْد فِي المَاء فَلَا يُؤْكَل لاحْتِمَال أَن المَاء أهلكه، وَإِذا تحقق أَن سَهْمه أنفذ مقاتله قبل وُقُوعه فِي المَاء فمذهب الْجُمْهُور أكله، وروى ابْن وهب عَن مَالك كَرَاهَته.

وَقَالَ عَبْدُ الأعْلَى عَنْ دَاودَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيَ أنَّهُ قَالَ: لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفي أثَرَهُ اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتا وَفِيهِ سَهْمُهُ؟ قَالَ: يَأكُلُ إنْ شَاءَ عبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، يروي عَنهُ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر الشّعبِيّ.

وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد عَن الْحُسَيْن بن معَاذ بن عبد الْأَعْلَى، فَذكره.

قَوْله: ( فيقتفي) ، من الاقتفاء وَهُوَ الِاتِّبَاع، يُقَال: اقتفيته وقفوته وقفيته: إِذا اتبعته، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، ويروى: فيقتفر بِالْقَافِ وَالْفَاء وَالرَّاء أَي: يتبع، يُقَال: اقتفرت الْأَثر وقفرته إِذا تَبعته وقفوته، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ أَيْضا.
قَوْله: ( الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة) ، فِيهِ زِيَادَة على رِوَايَة عَاصِم، بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وروى مُسلم من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا رميت سهمك فَغَاب عَنْك فادركته فَكل مَا لم ينتن، وَفِي روايه فِي الَّذِي يدْرك صَيْده بعد ثَلَاث إلاَّ أَن ينتن يَدعه وَاخْتلف فِي تَأْوِيله فَمنهمْ من قَالَ: إِذا انتن الْحق بالمستقذر الَّذِي تمجه الطباع، فَلَو أكله جَازَ، كَمَا جَاءَ أَنه أكل إهالة سنخة أَي: مُنْتِنَة، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ مُعَلل بِمَا يخَاف مِنْهُ الضَّرَر على أكله، وعَلى هَذَا يكون أكله محرما إِن كَانَ الْخَوْف محققا وَالله أعلم.