فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ذبح على النصب والأصنام

( بابُُ: { مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأصْنَامِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فَسَاد مَا ذبح على النصب بِضَم النُّون وَاحِد الأنصاب، وَقيل: النصب جمع وَالْوَاحد نِصَاب،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: النصب بِسُكُون الصَّاد وَضمّهَا مَا نصب وَعبد من دون الله.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: كَانَت لَهُم أَحْجَار مَنْصُوبَة حول الْبَيْت يذبحون عَلَيْهَا ويشرحون اللَّحْم عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لَهَا بذلك ويتقربون بِهِ إِلَيْهَا تسمى الأنصاب قَوْله: والأصنام أَي: مَا ذبح على الْأَصْنَام، وَهُوَ جمع صنم، وَهُوَ مَا اتخذ إلاها من دون الله.
وَقيل: هُوَ مَا كَانَ لَهُ جسم أَو صُورَة فَإِن لم يكن لَهُ جسم أَو صُورَة فَهُوَ وثن، وَوجه عطف الْأَصْنَام على النصب أَن النصب إِذا كَانَت أحجارا فَهُوَ ظَاهر، وعَلى تَقْدِير أَن تكون هِيَ المعبودة فَهُوَ من الْعَطف التفسيري كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي: قلت النصب كَانَت أحجارا وَكَانَت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ حجرا مَجْمُوعَة عِنْد الْكَعْبَة كَانُوا يذبحون عِنْدهَا لآلهتهم، وَلم تكن أصناما، لِأَن الْأَصْنَام كَانَت صورا مصورة وتماثيل.



[ قــ :5204 ... غــ :5499 ]
- حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا عَبْدِ العَزِيزِ يَعْني ابنَ المُخْتَار أخبرنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ قَالَ: أخبرَنِي سَالِمٌ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرو ابنِ نُفَيْلٍ بأسْفَل بَلْدَحِ وَذَاكَ قَبْلَ أنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الوَحْيُ، فَقَدَمَ إلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ فَأبى أنْ يأكُلَ مِنْها، ثُمَّ قَالَ: إنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أنْصَابِكُمْ وَلا آكُلُ إلاَّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث مضى فِي آخر المناقب فِي بابُُ حَدِيث زيد بن عَمْرو بن نفَيْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مطولا عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان عَن مُوسَى إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل بِضَم النُّون الْقرشِي وَالِد سعيد أحد الْعشْرَة المبشرة كَانَ يتعبد فِي الْجَاهِلِيَّة على دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: قَوْله: ( بلدح) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الدَّال الْمُهْملَة، وَفِي آخِره حاء مُهْملَة منصرفا وَغير منصرف وَهُوَ اسْم مَوضِع بالحجاز قريب من مَكَّة قَوْله: ( فَقدم إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، سفرة وَفِي هَذَا الْموضع اخْتِلَاف فرواية الْأَكْثَرين هَكَذَا وَهُوَ أَن الضَّمِير فِي إِلَيْهِ يرجع إِلَى زيد وَرَسُول الله مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل قدم وسفرة مَنْصُوب على المفعولية وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقدم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سفرة على أَن قدم على صِيغَة الْمَجْهُول وسفرة مَرْفُوع بِهِ وَالْجمع بَينهمَا بِأَن الْقَوْم الَّذين كَانُوا هُنَاكَ قدمُوا إِلَى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سفرة فَقَدمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى زيد.
قَوْله: ( سفرة فِيهَا لحم) ، رِوَايَة أبي ذَر.
وَفِي رِوَايَة غَيره: ( سفرة لحم) .
قَوْله: ( قابى) ، أَي: زيد.
أَي: امْتنع عَن الْأكل.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: امْتنَاع زيد من أكل مَا فِي السفرة إِنَّمَا هُوَ من خَوفه أَن يكون اللَّحْم مِمَّا ذبح على الأنصاب المنصوبة لِلْعِبَادَةِ وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيْضا لَا يَأْكُل من ذَبَائِحهم الَّتِي كَانُوا يذبحونها لأنصابهم وَأما ذبحهم لمآكلهم فَلم نجد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ يتنزه عَنهُ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَكَونه فِي سفرته لَا يدل على أَنه كَانَ يَأْكُل مِنْهُ.

     وَقَالَ  ابْن زيد: ( مَا ذبح) .
على النصب وَمَا أهل بِهِ لغير الله وَاحِد وَمعنى: مَا أهل بِهِ لغير الله ذكر عَلَيْهِ غير اسْم الله من أَسمَاء الْأَوْثَان الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَكَذَا الْمَسِيح وكل اسْم سوى الله عز وَجل.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك فكره عمر وَابْنه وَعلي وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، مَا أهل بِهِ لغير الله وَعَن النَّخعِيّ وَالْحسن وَالثَّوْري، مثله وَكره مَالك ذَبَائِح النَّصَارَى لكنائسهم وأعيادهم.

     وَقَالَ : يكره مَا سمى عَلَيْهِ الْمَسِيح من غير تَحْرِيم.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل مَا سمى الْمَسِيح عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يحل مَا ذبح لغير الله وَلَا مَا ذبح للأصنام وَرخّص فِي ذَلِك آخَرُونَ وروى ذَلِك عَن عبَادَة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة.

     وَقَالَ  عَطاء وَالشعْبِيّ: قد أحل الله مَا أهل بِهِ لغير الله، لِأَنَّهُ قد علم أَنهم سيقولون هَذَا القَوْل وَأحل ذَبَائِحهم وَإِلَيْهِ ذهب اللَّيْث وفقهاء أهل الشَّام مَكْحُول وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالُوا: ( سَوَاء) سمى الْمَسِيح على ذَبِيحَة أَو ذبح لعيد أَو كَنِيسَة وكل ذَلِك حَلَال لِأَنَّهُ كتابي قد ذبح لدينِهِ وَكَانَت هَذِه ذَبَائِحهم قبل نزُول الْقُرْآن وأحلها الله تَعَالَى فِي كِتَابه.