فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها، من أهل الحرب وغيرهم

( بابُُُ: {ذَبَائِحِ أهْلِ الكِتابِ وَشُحُومِها مِنْ أهْلِ الحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم ذَبَائِح أهل الْكتاب.
قَوْله: وشحومها.
أَي: شحوم أهل الْكتاب قَوْله: من أهل الْحَرْب كلمة من يجوز أَن تكون بَيَانِيَّة، وَيجوز أَن تكون للتَّبْعِيض أَي: من أهل الْحَرْب الَّذين لَا يُعْطون الْجِزْيَة.
قَوْله: ( وَغَيرهم) ، أَي: وَغير أهل الْحَرْب من الَّذين يُعْطون الْجِزْيَة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى جَوَاز ذَبَائِح أهل الْكتاب وَجَوَاز أكل شحومهم، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَعَن مَالك وَأحمد: تَحْرِيم مَا حرم أهل الْكتاب كالشحوم.

{وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمُ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتِ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الذَّبَائِح، أَي: وَبَيَان قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أحل لكم الطَّيِّبَات} وَهَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {حل لكم} وَأورد هَذِه الْآيَة فِي معرض الِاسْتِدْلَال على جَوَاز أكل ذَبَائِح أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أهل الْحَرْب وَغَيرهم لِأَن المُرَاد من قَوْله عز وَجل: {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} ذَبَائِحهم، وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو أُمَامَة وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَالْحسن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالسُّديّ، وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَهَذَا أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء أَن ذَبَائِحهم حَلَال للْمُسلمين لأَنهم يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيم الذّبْح لغير الله تَعَالَى وَلَا يذكرُونَ على ذَبَائِحهم إِلَّا اسْم الله وَإِن اعتقدوا فِيهِ مَا هُوَ منزه عَنهُ، وَلَا تُبَاح ذَبَائِح من عداهم من أهل الشّرك وَمن شابههم لأَنهم لَا يذكرُونَ اسْم الله على ذَبَائِحهم وقرابينهم، وهم لَا يتعبدون بذلك وَلَا يتوقفون فِيمَا يَأْكُلُونَهُ من اللَّحْم على ذَكَاة، بل يَأْكُلُون الْميتَة بِخِلَاف أهل الْكتاب وَمن شاكلهم من السامرة والصابئة وَمن تمسك بدين إِبْرَاهِيم وشيث وَغَيرهمَا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، على أحد قولي الْعلمَاء ونصارى الْعَرَب كبني تغلب وتنوخ وبهزام وجذام ولخم وعاملة وَمن أشبههم لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم عِنْد الْجُمْهُور.

{وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى العَرَبِ وَإنْ سَمِعْتَهُ يُسَمَّى لِغَيْرِ الله فَلا تَأْكُلْ وَإنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أحَلَّهُ الله وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ}
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَقد وصل هَذَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر.
قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب فَذكر نَحوه،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: وإهلاله أَن يَقُول: باسم الْمَسِيح.
قلت: وَهُوَ فِي ( الْمُوَطَّأ) مَرْفُوعا.

{وَنُذْكِرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوهُ}
ذكره بِصِيغَة التمريض إِشَارَة إِلَى ضعفه أَي: وَيذكر عَن عَليّ بن أبي طَالب نَحْو: مَا روى عَن الزُّهْرِيّ، وَجَاء عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وَجه صَحِيح الْمَنْع من ذَبَائِح بعض نَصَارَى الْعَرَب أخرجه الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق بأسانيد صَحِيحَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بني تغلب فَإِنَّهُم لم يَتَمَسَّكُوا من دينهم إلاَّ بِشرب الْخمر.

{وَقَالَ الحَسَنُ وَإبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِذَبيحَةِ الأقْلَفِ}
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
لَا بَأْس بذبيحة الأقلف، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْقَاف وَفتح اللَّام وبالفاء، وَهُوَ الَّذِي لم يختتن، والقلفة بِالْقَافِ وَيُقَال بالغين الْمُعْجَمَة الغرلة وَهِي الْجلْدَة الَّتِي تستر الْحَشَفَة، وإثر الْحسن رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: كَانَ الْحسن يرخص فِي الرجل إِذا أسلم بعد مَا يكبر فيخاف على نَفسه إِن اختتن أَن لَا يختتن وَكَانَ لَا يرى بِأَكْل ذَبِيحَته بَأْسا وَأثر إِبْرَاهِيم أخرجه أَبُو بكر الْخلال من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لَا بَأْس بذبيحة الأقلف.

{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحِهِمْ}
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} إِن المُرَاد من طعامهم ذَبَائِحهم، وَقَامَ الِاتِّفَاق على أَن المُرَاد من طعامهم ذَبَائِحهم دون مَا أكلوه لأَنهم يَأْكُلُون الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير وَالدَّم، وَلَا يحل لنا شَيْء من ذَلِك بِالْإِجْمَاع، وَقد مر هَذَا عَن قريب، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره هُنَا عِنْد الْمُسْتَمْلِي، وَعند السَّرخسِيّ والحموي فِي آخر الْبابُُ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور بعده.



[ قــ :5213 ... غــ :5508 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغْفَّلٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إنْسَانٌ بِجرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لآخذَهُ فَالتَفَتُّ فَإذا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِيهِ شَحم) وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.

والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بابُُ مَا يُصِيب من الْمَغَانِم فِي أَرض الْحَرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فنزوت) بنُون وزاي أَي: وَثَبت من النزو، وَهُوَ الوثبة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فبدرت أَي: سارعت.

وَفِيه: حجَّة على من منع مَا حرم عَلَيْهِم كالشحوم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقرّ عبد الله بن معفل على الِانْتِفَاع بالجراب الْمَذْكُور.
وَفِيه: جَوَاز أكل الشَّحْم مِمَّا ذبحه أهل الْكتاب.
وَلَو كَانُوا أهل الْحَرْب.