فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الوسم والعلم في الصورة

( بابُُُ: { الوَسْمِ وَالعَلَمِ فِي الصُّورَةِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الوسم بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَقيل: بِالْمُعْجَمَةِ، ومعناهما وَاحِد، وَهُوَ أَن يعلم الشَّيْء بِشَيْء يُؤثر فِيهِ تَأْثِيرا بليغا يُقَال: وسمه إِذا أثر فِيهِ بعلامة وكية وأصل ذَلِك أَن يَجْعَل فِي الْبَهِيمَة ليميزها عَن غَيرهَا.
وَقيل: الوسم بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْه وبالمعجمة فِي سَائِر الْجَسَد، فعلى هَذَا الصَّوَاب بِالْمُهْمَلَةِ لقَوْله: ( فِي الصُّورَة) قَوْله: ( وَالْعلم) بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْعَلامَة وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْعلم والوسم، قَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: وسمه يسمه وسما وسمة إِذا أثر فِيهِ بالكي، وَمِنْه الحَدِيث أَنه كَانَ يسم إبل الصَّدَقَة أَي: يعلم عَلَيْهَا بالكي انْتهى.
قلت: إِذا كَانَ الوسم بالكي يكون عطف الْعلم على الوسم من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن الْعَلامَة أَعم من أَن تكون بالكي وَغَيره، وَأما على النُّسْخَة الَّتِي قدم الْعلم على الوسم فِيهَا يكون عطف الوسم على الْعلم عطفا تفسيريا.
قَوْله: ( فِي الصُّورَة) صفة للْعلم أَي: الْعلم الْكَائِن فِي الصُّورَة ويروى: فِي الصُّور، على صِيغَة جمع الصُّورَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: المُرَاد بالصورة الْوَجْه كَمَا يعْمل الكي فِي صور سودان الْحَبَشَة وكما يغرز بالإبرة فِي الشّفة وَغَيرهَا ويحشى بنيلة وَنَحْوهَا وَأبْهم الحكم فِي التَّرْجَمَة اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث على عَادَته هَكَذَا فِي غَالب التراجم.



[ قــ :5245 ... غــ :5541 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ كَرِهَ أنْ تُعَلَمَ الصُّورَةُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام الْكُوفِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  كَاتب الْوَاقِدِيّ مثله، وَزَاد فِي ذِي الْقعدَة، وحَنْظَلَة هُوَ ابْن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَهُوَ من أَفْرَاده قَوْله الصُّورَة أَي: الْوَجْه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني الصُّور: بِصِيغَة الْجمع فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي ( التَّوْضِيح) الوسم فِي الصُّورَة مَكْرُوه عِنْد الْعلمَاء كَمَا قَالَه ابْن بطال.
وَعِنْدنَا أَنه حرَام، وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر على حمَار قد وسم فِي وَجهه فَقَالَ: لعن الله الَّذِي وسمه، وَإِنَّمَا كرهوه لشرف الْوَجْه وَحُصُول الشين فِيهِ وتغيير خلق الله، وَأما الوسم فِي غير الْوَجْه للعلامة وَالْمَنْفَعَة بذلك فَلَا بَأْس إِذا كَانَ يَسِيرا غير شائن أَلا ترى أَنه يجوز فِي الضَّحَايَا وَغَيرهَا؟ وَالدَّلِيل على أَنه لَا يجوز الشائن من ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حكم على أَن من شان عَبده أَو مثل بِهِ باستئصال أنف أَو أذن أَو جارحة عتقه عَلَيْهِ، وَأَن يعْتق إِن جرحه أَو يشق أُذُنه، وَقد وسم الشَّارِع إبل الْأُضْحِية، وَقد تقدم وسم الْبَهَائِم فِي: بابُُ وسم الإِمَام إبل الصَّدَقَة فِي كتاب الزَّكَاة.

{ وَقَالَ ابنُ عمر: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَضْرِبَ}
هَذَا أَمر مَوْصُول بالسند الْمُتَقَدّم ذكر أَولا الْمَوْقُوف ثمَّ أعقبه بالمرفوع مستدلاً بِهِ على مَا ذكر من الْكَرَاهَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت النَّهْي عَن الضَّرْب كَانَ منع الوسم أولى.
قَوْله: ( أَن تضرب) ، أَي: الصُّورَة، وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث جَابر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الضَّرْب فِي الْوَجْه وَعَن الوسم فِي الْوَجْه وَقد ذكرنَا آنِفا عَن جَابر أَيْضا مَا رَوَاهُ فِيهِ.

{ تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حدَّثنا العَنْقَزِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ.

     وَقَالَ  تُضْرَبُ الصُّورَةُ}

أَي: تَابع عبد الله بن مُوسَى شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور قُتَيْبَة بن سعيد شيخ البُخَارِيّ أَيْضا فِي رِوَايَة حَنْظَلَة عَن سَالم، وأوضح قُتَيْبَة فِي هَذِه الْمُتَابَعَة أَن المُرَاد من قَوْله: أَن تعلم الصُّورَة فِي رِوَايَة عبيد الله أَن تضرب الصُّورَة، وَرَوَاهُ قُتَيْبَة عَن عَمْرو بن مُحَمَّد الْكُوفِي الْعَنْقَزِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْقَاف بعْدهَا زَاي نِسْبَة إِلَى بيع العنقز.
قَالَه ابْن حبَان وَوَثَّقَهُ أَيْضا والعنقز المرزنجوش.
وَقيل: الريحان وَفِي ( ديوَان الْأَدَب) العنقز المردكوش.
قلت: المرزنجوش مُعرب مردكوش وَهُوَ نبت مَشْهُور قَوْله: ( عَن حَنْظَلَة) أَي: بالسند الْمَذْكُور، وَهُوَ عَن حَنْظَلَة عَن سَالم عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، وَهَذِه الْمُتَابَعَة لَهَا حكم الْوَصْل عِنْد ابْن الصّلاح لِأَن قُتَيْبَة من شُيُوخ البُخَارِيّ، كَمَا ذكرنَا.





[ قــ :546 ... غــ :554 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ هِشامِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ فَرَأيْتُهُ يَسِمُ شَاةً حَسَبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِها.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده أنس.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي مُوسَى وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن حَفْص بن عمر وَأخرجه ابْن ماجة فِي اللبَاس عَن سُوَيْد بن سعيد.

قَوْله: ( بِأَخ) ، هُوَ أَخُوهُ من أمه وَهُوَ عبد الله بن أبي طَلْحَة.
قَوْله: ( يحنكه) من التحنيك وَهُوَ أَن يدلك فِي حنكه ثَمَرَة ممضوغة وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( فِي المربد) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة.
وَهُوَ الْموضع الَّذِي تحبس فِيهِ الْإِبِل كالحظيرة للغنم فإطلاق المربد هُنَا على مَوضِع الْغنم إِمَّا مجَاز وَإِمَّا حَقِيقَة بِأَن أَدخل الْغنم إِلَى مربد الْإِبِل ليسمها.
قَوْله: ( يسم) من الوسم كَمَا ذكرنَا.
أَي: يكوي.
قَوْله: ( شَاة) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، شَاءَ، بِالْهَمْز جمع شَاة.
قَوْله: ( حسبته) الْقَائِل شُعْبَة، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى هِشَام بن زيد، وَقد وَقع مبيتا فِي رِوَايَة مُسلم.

وَفِيه: جَوَاز الوسم فِي غير الْآدَمِيّ، وَبَيَان مَا كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من التَّوَاضُع وَفعل الأشغال بِيَدِهِ، وَنَظره فِي مصَالح الْمُسلمين.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ تحنيك الْمَوْلُود وَحمله إِلَى أهل الصّلاح ليَكُون أول مَا يدْخل جَوْفه ريق الصَّالِحين،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الضَّرْب فِي الْوَجْه مَنْهِيّ عَنهُ فِي كل حَيَوَان مُحْتَرم لكنه فِي الْآدَمِيّ أَشد لِأَنَّهُ مجمع المحاسن، وَرُبمَا شانه أَو آذَى بعض حواسه، وَأما الوسم فَفِي الْآدَمِيّ حرَام وَفِي غَيره مَكْرُوه والوسم هُوَ أثر الكي قَالَ الْكرْمَانِي: والوسم فِي نَحْو نعم الصَّدَقَة فِي غير الْوَجْه مُسْتَحبّ.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: مَكْرُوه لِأَنَّهُ تَعْذِيب ومثلة، وَقد نهى عَنْهُمَا.
وَأجِيب: عَنهُ بِأَن ذَلِك النَّهْي عَام وَحَدِيث الوسم خَاص فَوَجَبَ تَقْدِيمه قلت: إِذا علم تقارنهما يقْضِي للخاص على الْعَام، وإلاَّ فَلَا.