فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الخمر من العسل، وهو البتع

( بابٌُ الخَمْرُ منَ العَسَلِ وهْوَ البِتعُ)

الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي: بابُُ الْخمر من الْعِنَب فِي الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا.
قَوْله ( وَهُوَ البتع) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة، قَالَ الْقَزاز: وَهُوَ يتَّخذ من عسل النَّحْل صلب يكره شربه لدُخُوله فِي جملَة مَا يكره من الْأَشْرِبَة لفعله وصلابته وَفِي كتاب ( الواعي) صلابته كصلابة الْخمر،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: البتع خمر يَمَانِية وَأهل الْيمن يفتحون تاءه،.

     وَقَالَ  ابْن محيريز: سَمِعت أَبَا مُوسَى يخْطب على مِنْبَر الْبَصْرَة: أَلا إِن خمر أهل الْمَدِينَة الْبُسْر وَالتَّمْر، وخمر أهل فَارس الْعِنَب، وخمر أهل الْيمن البتع، وخمر الْحَبَش السكركة وَهُوَ الْأرز.

وَقَالَ مَعْنٌ: سألْتُ مالِكَ بنَ أنَسٍ عنِ الفُقَّاعِ؟ فَقَالَ: إِذا لَمْ يُسْكِرْ فَلاَ بأسَ،.

     وَقَالَ  ابنُ الدَّرَاوَردْيِّ سألْنا عَنْهُ فَقَالُوا: لَا يُسْكِرُ لَا بَأْس بهِ.

معن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن عِيسَى الْقَزاز بِالْقَافِ وَتَشْديد الزَّاي الأولى، قَالَ ابْن سعد: مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق أَخذه البُخَارِيّ عَن معن مذا كرة فِيمَا قَالَه بعض الْعلمَاء.
قلت: كَيفَ يتَصَوَّر أَخذ البُخَارِيّ عَن معن ومولده فِي شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة، وَكَانَ عمره يَوْم مَاتَ معن أَربع سِنِين؟ وَكَأَنَّهُ غره مَا حَكَاهُ ابْن الصّلاح فِي تعاليق البُخَارِيّ عَن شُيُوخه مُطلقًا، لَا فِي خُصُوص هَذَا الْأَثر، وَأَرَادَ بِبَعْض الْعلمَاء ابْن الصّلاح، وَأبْعد صَاحب ( التَّوْضِيح) حَيْثُ قَالَ: أَخذ البُخَارِيّ هَذَا التَّعْلِيق عَن معن مذا كرة، وَهُوَ قلد صَاحب ( التَّلْوِيح) وَزَاد فِي الْبعد مَسَافَة، قَوْله: ( عَن الفقاع) بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الْقَاف وبالعين الْمُهْملَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المشروب الْمَشْهُور.
قلت: الفقاع لَا يشرب بل يمص من كوزه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الفقاع مَعْرُوف قد يصنع من الْعَسَل، وَأكْثر مَا يصنع من الزَّبِيب.
قلت: لم يقل أحد إِن الفقاع يصنع من الْعَسَل، بل أهل الشَّام يصنعونه من الدبس، وَفِي عَامَّة الْبِلَاد مَا يصنع إلاَّ من الزَّبِيب المدقوق، وَحكم شربه مَا قَالَه مَالك: إِن لم يسكر لَا بَأْس بِهِ، والفقاع لَا يسكر، نعم إِذا بَات فِي إنائه الَّذِي يصنعونه فِيهِ لَيْلَة فِي الصَّيف أَو لَيْلَتَيْنِ فِي الشتَاء يشْتَد جدا، وَمَعَ هَذَا لَا يسكر، وَقد سُئِلَ بعض مَشَايِخنَا: مَا قَول السَّادة الْعلمَاء فِي فقاع يتَّخذ من زبيب بِحَيْثُ أَنه إِذا قلع سداد كوزه لَا يبْقى فِيهِ شَيْء من شدته يخرج وينتثر؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَأما إِذا صَار بِحَال بِحَيْثُ إِنَّه يسكر من شدته فَيحرم حينئذٍ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا.
قَوْله: ( وَقَالَ ابْن الدَّرَاورْدِي) هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، وَهَذَا من رِوَايَة معن بن عِيسَى عَنهُ أَيْضا.
وَالظَّاهِر أَن ابْن الدَّرَاورْدِي سَأَلَ عَن فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة فِي زَمَانه، وَهُوَ قد شَارك مَالِكًا فِي لِقَاء أَكثر مشايخه الْمَدَنِيين.



[ قــ :5287 ... غــ :5585 ]
- حدّثناعبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِكٌ عَن ابنِ شهَابٍ عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ: سئِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن البِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فهْوَ حرَامٌ.
( انْظُر الحَدِيث: 242 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَقد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بابُُ لَا يجوز الْوضُوء بالنبيذ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل شراب أسكر فَهُوَ حرَام، وَلم يعرف اسْم السَّائِل صَرِيحًا.
قيل: يحْتَمل أَن يكون السَّائِل أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن فَسَأَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَن أشربة تصنع بهَا، فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: البتع والمزر، فَقَالَ: كل مُسكر حرَام.





[ قــ :588 ... غــ :5586 ]
- حدّثناأبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخبرَنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عبْد الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنِ البِتْعِ، وهْوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وكانَ أهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلُّ شَرَابٍ أسْكَر فهْوَ حرامٌ.
( انْظُر الحَدِيث: 4 وطرفه) .


وعَنِ الزُّهْريِّ قَالَ: حدّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَنْتَبِذُوا فِي الدُّباءِ وَلَا فِي المُزَفَّتِ.

وكانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ معَهما الحَنْتَمَ والنَّقِيرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة مُخْتَصرا فِي: بابُُ لَا يجوز الْوضُوء بالنبيذ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

قَوْله: ( كل شراب أسكر) من جَوَامِع الْكَلم لِأَنَّهُ سُئِلَ عَن البتع وَأجَاب عَن جنس المشروب الْمُسكر.

قَوْله: ( وَعَن الزُّهْرِيّ) هُوَ من رِوَايَة شُعَيْب أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: ( فِي الدُّبَّاء) بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد وَهُوَ القرع.
قَوْله: ( والمزفت) بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة وَهُوَ الْإِنَاء المزفت بالزفت، وَهُوَ شَيْء كالقير.

قَوْله: ( وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ الزُّهْرِيّ، وَقع ذَلِك عِنْد شُعَيْب عَنهُ مُرْسلا.
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي عُيَيْنَة عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: لَا تنتبذوا فِي الدُّبَّاء وَلَا فِي المزفت، ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: ( وَاجْتَنبُوا الحناتم) ، وَرَفعه من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَزَاد فِيهِ: والدباء.
قَوْله: ( يلْحق) بِضَم الْيَاء من الْإِلْحَاق.
قَوْله: ( مَعَهُمَا) أَي: مَعَ الدُّبَّاء والمزفت.
قَوْله: ( الحنتم) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهِي الجرة الخضراء، والنقير بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ الْخشب المنقور، وخصت هَذِه الظروف بِالنَّهْي لِأَنَّهَا ظروف منبذة فَإِذا انتبذ صَاحبهَا كَانَ على خطر مِنْهَا لِأَن الشَّرَاب فِيهَا قد يصير مُسكرا وَهُوَ لَا يشْعر بهَا.