فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشرب قائما

( بابُُ الشُّرْبِ قائِماً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الشّرْب حَال كَونه قَائِما،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَرَاهَة الشّرْب قَائِما لم تصح عِنْده،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَيْسَ بجيد، بل إِذا تَعَارَضَت عِنْده الْأَحَادِيث لَا يتَعَرَّض إِلَى الحكم.
قلت: كَلَام ابْن بطال فِي وَاد وَكَلَام هَذَا الْقَائِل فِي وَاد آخر، وَلَيْسَ بجيد نِسْبَة كَلَامه إِلَى عدم الْجَوْدَة، وَإِنَّمَا عَادَته فِي الْغَالِب أَنه يبهم الحكم فِي التَّرْجَمَة وَلَا يُصَرح بِالْجَوَازِ وَلَا بِالْعدمِ على عَادَته فِي ذَلِك اعْتِمَادًا على مَا يفهم من الحكم فِي أَحَادِيث الْبابُُ.



[ قــ :5316 ... غــ :5615 ]
- حدّثناأبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مسْعَرٌ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ عنِ النّزَّالِ.
قَالَ: أتَى عَلِيُّ رَضِي الله عَنهُ علَى بابُِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قائِماً، فَقَالَ: إنَّ نَاسا يَكْرَهُ أحَدُهُمْ أنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قائِمٌ، وإِنِّي رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلَ كَما رَأيْتُمُوني فَعَلْتُ.
( انْظُر الحَدِيث: 5615 طرفه فِي: 5616) .


هَذَا الحَدِيث يُطَابق التَّرْجَمَة فِي الشّرْب قَائِما، ويوضح الحكم بِأَنَّهُ جَائِز أخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن مسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالراء ابْن كدام الْكُوفِي عَن عبد الله بن ميسرَة ضد الميمنة الزراد بالزاي وَالرَّاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ عَن النزال بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الزَّاي بن سُبْرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة كلهم هلاليون كوفيون وَأَبُو نعيم أَيْضا كُوفِي، وَعلي أَيْضا نزل الْكُوفَة وَمَات بهَا، والنزال تقدّمت لَهُ رِوَايَة عَن ابْن مَسْعُود فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هذَيْن الْحَدِيثين.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن مُسَدّد عَن يحيى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن أبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن عَمْرو بن يزِيد الْجرْمِي.

قَوْله: ( على بابُُ الرحبة) أَرَادَ بِهِ رحبة مَسْجِد الْكُوفَة، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة أَنه صلى الظّهْر ثمَّ قعد فِي حوائج النَّاس فِي رحبة الْكُوفَة، والرحبة بِفَتَحَات: الْمَكَان الْوَاسِع والرحب بِسُكُون الْحَاء أَيْضا الْمَكَان المتسع.
قَوْله: ( أَن يشرب) أَي: بِأَن يشرب، وَأَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: يكره الشّرْب وَهُوَ قَائِم أَي: فِي حَالَة الْقيام.
قَوْله: ( فعل) أَي: شرب قَائِما.
قَوْله: ( كَمَا رَأَيْتُمُونِي) أَي: كرؤيتكم إيَّايَ فعلت، أَي: شربت.

وَاعْلَم أَن لفظ: فعل، أَعم الْأَفْعَال، يسْتَعْمل فِي معنى كل فعل، وَلِهَذَا عينه أهل الصّرْف فِي الأوزان.
وَاعْلَم أَنه قد وَردت أَحَادِيث بِجَوَاز الشّرْب قَائِما، ووردت أَحَادِيث بِمَنْعه.

( فَمن أَحَادِيث الْجَوَاز) حَدِيث عَليّ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس.
رَوَاهُمَا البُخَارِيّ هُنَا، وَحَدِيث ابْن عمر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث نَافِع عَنهُ،.

     وَقَالَ : كُنَّا نَأْكُل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن نمشي وَنَشْرَب وَنحن قيام، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأخرجه ابْن ماجة وَابْن حبَان، وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يشرب قَائِما، وَإِسْنَاده حسن، وَحَدِيث عَائِشَة أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب قَائِما وَقَاعِدا ... الحَدِيث، وَحَدِيث أنس رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل وقربة معلقَة فَشرب من فَم الْقرْبَة وَهُوَ قَائِم الحَدِيث، وَحَدِيث الْحُسَيْن بن عَليّ روينَاهُ عَن شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، رَوَاهُ فِي الْجُزْء الْعَاشِر من ( فَوَائِد أبي بكر الشَّافِعِي) من رِوَايَة زِيَاد بن الْمُنْذر عَن بشير بن غَالب عَن حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب قَائِما، وَحَدِيث خبابُ بن الْأَرَت.
روينَاهُ عَن شَيخنَا، وَهُوَ يرويهِ عَن مُجَاهِد من حَدِيث الطَّبَرَانِيّ عَنهُ قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة فأصابنا الْعَطش وَلَيْسَ مَعنا مَاء، فتنوخت نَاقَة لبعضنا فَإِذا بَين رِجْلَيْهَا مثل السقاء فشربنا من لَبنهَا، فَهَذَا من فعل الصَّحَابَة فِي زَمَنه فَيكون فِي حكم الْمَرْفُوع، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ روينَاهُ عَن شَيخنَا وَهُوَ يرْوى من حَدِيث سعيد بن جُبَير فِي ( المعجم الصَّغِير) للطبراني أَنه قَالَ: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب من زَمْزَم قَائِما، وَحَدِيث أم سليم روينَاهُ عَن شَيخنَا وَهُوَ يرْوى من حَدِيث أنس عَن أمه فِي ( مُسْند أَحْمد) قَالَت: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْبَيْت قربَة معلقَة فَشرب مِنْهَا قَائِما، وَحَدِيث كَبْشَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَنْهَا، قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشرب من فِي قربَة معلقَة قَائِما، وَحَدِيث كلثم رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب ( معرفَة الصَّحَابَة) قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشرب من قربَة معلقَة وَهُوَ قَائِم، وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب قَائِما وَقَاعِدا، وَحَدِيث عبد الله بن السَّائِب بن خبابُ عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ إِلَى فخارة فِيهَا مَاء فَشرب قَائِما، رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ بِسَنَد صَحِيح.

( وَمن أَحَادِيث الْمَنْع) مَا رَوَاهُ الْأَثْرَم عَن معمر عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: لَو يعلم الَّذِي يشرب وَهُوَ قَائِم لاستتاء وروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يشربن أحدكُم قَائِما، فَمن نسي فليستقىء، وروى من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر عَن الشّرْب قَائِما، وروى أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر عَن الشّرْب قَائِما، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْجَارُود بن الْمُعَلَّى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الشّرْب قَائِما،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

وَاسْتدلَّ أهل الظَّاهِر بِهَذِهِ الْأَحَادِيث على تَحْرِيم الشّرْب قَائِما ثمَّ كَيْفيَّة الْجمع بَينهمَا على أَقْوَال: أَحدهَا: أَن النَّهْي مَحْمُول على التَّنْزِيه لَا على التَّحْرِيم، وَهُوَ الَّذِي صَار إِلَيْهِ الْأَئِمَّة الجامعون بَين الحَدِيث وَالْفِقْه كالخطابي وَأبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَأبي عبد الله الْمَازرِيّ، وَالْقَاضِي عِيَاض وَأبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ، وَأبي زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ، رَحِمهم الله تَعَالَى.
الثَّانِي: أَن المُرَاد بالقائم هُنَا الْمَاشِي لِأَن الْمَاشِي يُسمى قَائِما، قَالَ الله عز وَجل: { إِلَّا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما} ( آل عمرَان: 75) .
أَي: مواظباً بِالْمَشْيِ إِلَيْهِ، وَالْعرب تَقول: قُم فِي حاجتنا أَي: امش فِيهَا، قَالَه ابْن التِّين.
الثَّالِث: أَنه مَحْمُول على أَن يَأْتِي الرجل أَصْحَابه بشراب فَيبْدَأ قبل أَصْحَابه فيشرب قَائِما، ذكره أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ والمازري.
الرَّابِع: تَضْعِيف أَحَادِيث النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما، قَالَه جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة، مِنْهُم: أَبُو عمر بن عبد الْبر، وَفِيه نظر.
الْخَامِس: أَن أَحَادِيث النَّهْي مَنْسُوخَة قَالَه أَبُو حَفْص بن شاهين وَابْن حبَان فِي صَحِيحه.
السَّادِس: مَا قَالَه ابْن حزم أَن أَحَادِيث النَّهْي ناسخة لأحاديث الشّرْب قَائِما،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) : الصَّوَاب أَن النَّهْي مَحْمُول على كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَأما شربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما فبيانه للْجُوَاز فَلَا إِشْكَال وَلَا تعَارض، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ، قَالَ: وَأما من زعم نسخا أَو غَيره فقد غلط غَلطا فَاحِشا، وَكَيف يُصَار إِلَى النّسخ مَعَ إِمْكَان الْجمع لَو ثَبت التَّارِيخ؟ وأنَّى لَهُ بذلك، وَالله أعلم.
قلت: جزم النَّوَوِيّ هُنَا بِالْكَرَاهَةِ، وَخَالف ذَلِك فِي ( الرَّوْضَة) تبعا للرافعي، فَقَالَ: إِن الشّرْب قَائِما لَيْسَ بمكروه.





[ قــ :5317 ... غــ :5616 ]
- حدّثناآدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ النَّزَّالَ بنَ سَبرَةَ يُحَدِّثُ عنِ عَلِيٍّ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ صلَّى الظُّهْرَ ثمَّ قَعَدَ فِي حَوائِجِ الناسِ فِي رَحَبَةِ الكُوفَةِ حتَّى حَضَرَتْ صَلاة العَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِماءٍ فَشَرِبَ وغَسَلَ وجْهَهُ ويَدَيْهِ، وذَكَرَ رأسَهُ ورِجْلَيْهِ، ثُمَّ قامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وهْوَ قائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قائِماً، وإنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ.
( انْظُر الحَدِيث: 5615) .


هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أخرجه عَن آدم بن أبي إِيَاس إِلَى آخِره.

قَوْله: ( فِي حوائج النَّاس) الْحَوَائِج جمع حَاجَة على غير الْقيَاس، وَذكر الْأَصْمَعِي أَنه مولد، وَالْجمع حاجات وحاج،.

     وَقَالَ  ابْن ولاد: الحوجاء الْحَاجة وَجَمعهَا حواجي بتَشْديد الْيَاء، وَيجوز التخيف، قَالَ: فَلَعَلَّ حوائج مَقْلُوبَة من حواجي مثل: سوايع من سواعي،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: قيل: الأَصْل حائجة فَيصح الْجمع على حوائج.
قَوْله: ( ثمَّ أَتَى بِمَاء) وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَدَعَا بِوضُوء، وللترمذي من طَرِيق الْأَعْمَش عَن عبد الْملك بن ميسرَة: ثمَّ أُتِي عَليّ بكوز من مَاء، وَمثله فِي رِوَايَة بهز بن أَسد عِنْد النَّسَائِيّ، وَكَذَا لأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي ( مُسْنده) عَن شُعْبَة.
قَوْله: ( وَذكر رَأسه) أَي: وَذكر آدم رَأسه وَرجلَيْهِ، وَكَانَ آدم توقف فِي سِيَاقه فَعبر بقوله: ( وَذكر رَأسه وَرجلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة بهز: فَأخذ مِنْهُ كفا فَمسح وَجهه وذراعيه وَرَأسه وَرجلَيْهِ، وَعند الطَّيَالِسِيّ: فَغسل وَجهه وَيَديه وَمسح على رَأسه وَرجلَيْهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فَغسل يَدَيْهِ ومضمض واستنشق وَمسح بِوَجْهِهِ وذراعيه وَرَأسه، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَمسح بِوَجْهِهِ وَرَأسه وَرجلَيْهِ، وَقد ثَبت فِي آخر الحَدِيث قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ: هَذَا وضوء من لم يحدث، وَقعت هَذِه الزِّيَادَة فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ والإسماعيلي من طَرِيق شُعْبَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ فصل الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ عَمَّا تقدم وَلم يذكرهَا على وتيرة وَاحِدَة؟ قلت: حَيْثُ لم يكن الرَّأْس مغسولاً بل ممسوحاً فَصله عَنهُ وَعطف الرجل عَلَيْهِ وَإِن كَانَت مغسولة، على نَحْو قَوْله تَعَالَى: { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} ( لمائدة: 6) إِذْ كَانَ لابس الْخُف فمسحه أَيْضا، وَقيل ذَلِك لِأَن الرَّاوِي الثَّانِي نسي مَا ذكره الرَّاوِي الأول فِي شَأْن الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ.
قَوْله: ( فَضله) أَي: فضل المَاء الَّذِي تَوَضَّأ مِنْهُ.
قَوْله: ( قَائِما) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: قيَاما، وَهَذِه أولى، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: أَن يشْربُوا قيَاما.
قَوْله: ( صنع مثل مَا صنعت) ويروى: صنع كَمَا صنعت، أَي: من الشّرْب قَائِما، وَصرح بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته، فَقَالَ: شرب فضل وضوئِهِ.
قَائِما كَمَا شربت.





[ قــ :5318 ... غــ :5617 ]
- حدّثناأبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عاصِمٍ الأحْوَلِ عنِ الشَّعْبيِّ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَرِبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِماً مِنْ زَمْزَمَ.
( انْظُر الحَدِيث: 1637) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن روى عَن سُفْيَان، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الكلاباذي: أَبُو نعيم سمع الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وهما سمعا عَاصِمًا الْأَحول، فَهَذَا سُفْيَان يحْتَمل أَن يكون هَذَا وَأَن يكون ذَاك،.

     وَقَالَ  بَعضهم بعد نَقله كَلَام الْكرْمَانِي: لَيْسَ الاحتمالان فيهمَا هُنَا على السوَاء، فَإِن أَبَا نعيم مَشْهُور بالرواية عَن الثَّوْريّ مَعْرُوف بملازمته وَرِوَايَته عَن ابْن عُيَيْنَة قَليلَة وَإِذا أطلق اسْم شَيْخه حمل على من هُوَ أشهر بِصُحْبَتِهِ وَرِوَايَته أَكثر انْتهى قلت بعد أَن ثبتَتْ رِوَايَة أبي نعيم عَن ابْن عُيَيْنَة الِاحْتِمَال باقٍ وَلَا تَرْجِيح لأحد الِاحْتِمَالَيْنِ على الآخر بِمَا ذكره، لِأَن ابْن عُيَيْنَة روى هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه عِنْد مُسلم وَأحمد فِي ( مُسْنده) وَأخرجه التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا هشيم أخبرنَا عَاصِم الْأَحول ومغيرة عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شرب من زَمْزَم وَهُوَ قَائِم،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَفِي لفظ: سقيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَمْزَم فَشرب وَهُوَ قَائِم.