فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب عيادة النساء الرجال

( بابُُ عِيادَةِ النَّساءِ لِلرِّجالِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم عِيَادَة النِّسَاء للرِّجَال: وَلَو كَانُوا أجانب بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر.

وعادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رجُلاً مِنْ أهْلِ المَسْجِدِ مِنَ الأنْصارِ
أم الدَّرْدَاء هَذِه زَوْجَة أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر، وَالْمَسْجِد مَسْجِد الْمَدِينَة.
فَإِن قلت: أَبُو الدَّرْدَاء لَهُ زوجتان كل مِنْهُمَا تسمى أم الدَّرْدَاء إِحْدَاهمَا: أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى اسْمهَا خيرة بنت أبي حَدْرَد اسْمه عبد الله الْأَسْلَمِيّ كَانَت صحابية من فضلاء النِّسَاء وعقلائهن، مَاتَت بِالشَّام فِي خلَافَة عُثْمَان قبل أبي الدَّرْدَاء بِسنتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى اسْمهَا هجيمة بنت حييّ الوصابية،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لَا أعلم لَهَا خَبرا يدل على صُحْبَة أَو رُؤْيَة، وَمن خَبَرهَا أَن مُعَاوِيَة خطبهَا بعد أبي الدَّرْدَاء فَأَبت أَن تتزوجه، فأيتهما الَّتِي عَادَتْ رجلا من أهل الْمَسْجِد من الْأَنْصَار؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن المرادة هَهُنَا الْكُبْرَى، وَقيل: لَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ الصُّغْرَى، لِأَن الْأَثر الْمَذْكُور أخرجه البُخَارِيّ فِي ( الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق الْحَارِث بن عبيد وَهُوَ شَامي تَابِعِيّ صَغِير لم يلْحق أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فَإِنَّهَا مَاتَت قبل موت أبي الدَّرْدَاء فِي خلَافَة عُثْمَان، كَمَا قُلْنَا.
قَالَ: رَأَيْت أم الدَّرْدَاء على رَاحِلَة أَعْوَاد لَيْسَ لَهَا غشاء تعود رجلا من الْأَنْصَار فِي الْمَسْجِد، وَالصُّغْرَى عاشت إِلَى أَوَاخِر خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان، وَمَاتَتْ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بعد الْكُبْرَى بِنَحْوِ خمسين سنة، فَإِن قلت: قد جعل ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَأَبُو مسْهر، خيرة وهجمية وَاحِدَة.
قلت: قَالُوا: هَذَا وهم وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ كَمَا ذكرنَا، ولي فِيهِ تَأمل لَا يخفى.



[ قــ :5354 ... غــ :5654 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَن عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: لمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلالٌ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قالَتْ: فَدَخَلْتُ عَليْهِما، قُلْتُ: يَا أبَتِ { كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ} كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَتْ: وكانَ أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
( كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... والمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)

وكانَ بِلالٌ إذَا أقْلَعَتْ عنْهُ يَقُولُ:
( أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوادٍ وحَوْلِي إذْ خِرٌ وجَلِيلُ)

( وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مِياهَ مِجَنَّةٍ ... وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَة وطفِيل) قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رسولِ الله فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ اللَّهُمَّ وصَحِّحْها وباركْ لَنا فِي مُدِّها وصاعِها.
وانْقُلْ حُمَّاها فاجْعَلْها بالجُحْفَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَدخلت عَلَيْهِمَا) لِأَن دُخُول عَائِشَة عَليّ أبي بكر وبلال كَانَ لعيادتهما، وهما متوعكان.

والْحَدِيث قد مر فِي: بابُُ مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَهنا عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك، وَمر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا، تركنَا أَكْثَره هُنَا خوفًا من التّكْرَار.

قَوْله: ( كَيفَ تجدك؟) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، أَي: كَيفَ تَجِد نَفسك.
قَوْله: ( أدنى) أَي: أقرب، والشراك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة أحد سيور النَّعْل الَّتِي تكون على وَجهه.
قَوْله: ( بوادٍ) بالتنكير أَي: وَادي مَكَّة، والإذخر والجليل نباتان، ومجنة بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَتَشْديد النُّون اسْم مَوضِع على أَمْيَال من مَكَّة، وَكَانَ سوقاً فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: ( يبدون) بالنُّون الْخَفِيفَة أَي: هَل يظْهر، وشامة وطفيل جبلان بِمَكَّة، والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهِي مِيقَات أهل الشَّام، وَكَانَ اسْمهَا: مهيعة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْعين الْمُهْملَة فأجحف السَّيْل بِأَهْلِهَا فسميت جحفة، وَجوز طَائِفَة نقل الْحمى مَعَ أَنَّهَا عرض.
وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن تعدم من الْمَدِينَة وَتظهر فِي الْجحْفَة وَكَانَ أَهلهَا يهود شَدِيد الْإِيذَاء والعداوة للْمُؤْمِنين، فَلذَلِك دَعَا عَلَيْهِم وَأَرَادَ الْخَيْر لأهل الْإِسْلَام.