فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب عيادة الصبيان

( بابُُ عِيادَةِ الصِّبْيان)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان عِيَادَة الصّبيان، وعيادة مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى فِيهِ ذكر الْفَاعِل، وَالتَّقْدِير: بابُُ عِيَادَة الرِّجَال الصّبيان.



[ قــ :5355 ... غــ :5655 ]
- حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أخبرنِي عاصمٌ قَالَ: سمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ عنْ أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ ابْنَةَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَتْ إليهِ وهْوَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسَعْدٌ وأبَيُّ بنُ كَعْبٍ يَحْسِبُ أنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ، فأشْهَدْنا فأرْسَلَ إلَيْها السَّلامَ ويَقُولُ: إنَّ لله مَا أخَذَ وَمَا أعْطَى، وكُلُّ شْيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى فَلْتَحْتَسِبْ ولْتَصِبْر، فأرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقُمْنا فَرُفِعَ الصَّبيُّ فِي حَجْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفاضَتْ عَيْنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: هاذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَها الله فِي قُلُوبِ مَنْ شاءَ منْ عِبادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ الله منْ عِبادِهِ إلاَّ الرُّحمَاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى ابْنَته فَأخذ ابْنهَا فَوَضعه فِي حجره، وَهَذَا عِيَادَة بِلَا شكّ.

وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون.

وَمضى الحَدِيث فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعذب الْمَيِّت ببكاء أَهله عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ وَمُحَمّد كِلَاهُمَا عَن عبد الله عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان.
قَالَ: حَدثنِي أُسَامَة بن زيد إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( إِن ابْنة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن بِنْتا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) .
وبنته الَّتِي أرْسلت إِلَيْهِ تَدعُوهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ زَيْنَب، وَابْنهَا اسْمه عَليّ، كَذَا بِخَط شَيخنَا أبي مُحَمَّد الدمياطي،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِن هَذَا الحَدِيث لم يضبطه الرَّاوِي فَمرَّة قَالَ: قَالَت: ابْنَتي قد احتضرت، وَمرَّة قَالَ: فَرفع الصَّبِي وَنَفسه تقَعْقع، فَأخْبر مرّة عَن صبي ورمة عَن صبية.
قَوْله: ( وَهُوَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وَالْحَال أَن أُسَامَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَسعد) أَي: ابْن عبَادَة وَأبي بن كَعْب قَوْله: ( نحسب) أَي: يظنّ الرَّاوِي أَن أَبَيَا كَانَ مَعَه، وَلَا يجْزم بِكَوْن أبي مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت، وَيدل على هَذَا مَا سيجىء فِي كتاب النذور حَيْثُ قَالَ: وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة وَسعد أَو أبي، على الشَّك.
قَوْله: ( قد حضرت) على صِيغَة بِنَاء الْمَجْهُول، ويروى: احتضرت، أَي: حضرها الْمَوْت.
قَوْله: ( فاشهدنا) أَي احضر إِلَيْنَا قَوْله: ( وكل شَيْء مُسَمّى) ويروى: مُسَمّى إِلَى أجل.
قَوْله: ( فلتحتسب) أَي: لتطلب الْأجر من عِنْد الله، ولتجعل الْوَلَد فِي حِسَابهَا الله تَعَالَى راضية بِقَضَائِهِ.
قَوْله: ( فِي حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا.
قَوْله: ( وَنَفسه) بِسُكُون الْفَاء.
قَوْله: ( تقَعْقع) أَي: تضطرب وَيسمع لَهَا صَوت.
قَوْله: ( فَقَالَ سعد: مَا هَذَا؟) إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ اسْتغْرب ذَلِك مِنْهُ لِأَنَّهُ مُخَالف مَا عَهده مِنْهُ من مقاومة الْمُصِيبَة بِالصبرِ.
قَوْله: ( هَذِه رَحْمَة) ويروى: هَذِه الرَّحْمَة أَي: أثر رَحْمَة جعلهَا الله فِي قُلُوب الرُّحَمَاء، وَلَيْسَ من بابُُ الْجزع وَقلة الصَّبْر، وَقد صَحَّ أَن لله مائَة رَحْمَة أنزل مِنْهَا رَحْمَة وَاحِدَة بَين الْجِنّ وَالْإِنْس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون، وفيهَا يتراحمون وَبهَا يعْطف الْوَحْش على وَلَده، وأخرَّ تسعا وَتِسْعين رَحْمَة يرحم بهَا عباده يَوْم الْقِيَامَة، أخرجه مُسلم، وروى البُخَارِيّ نَحوه.