فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب وضع اليد على المريض

( بابُُ وَضْعِ اليَدِ عَلى المَرِيضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وضع عَائِد الْمَرِيض يَده عَلَيْهِ للتأنيس لَهُ ولمعرفة مَرضه، وَيَدْعُو لَهُ على حسب مَا يَبْدُو مِنْهُ، وَرُبمَا يرقيه بِيَدِهِ وَيمْسَح على ألمه فينتفع بِهِ العليل خُصُوصا إِذا كَانَ الْعَائِد صَالحا يتبرك بِيَدِهِ ودعائه، كَمَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله، وَذَلِكَ من حسن الْأَدَب واللطف بالعليل، وَقد يكون وَاضع يَده عَارِفًا بالعلاج فيصف لَهُ بِمَا يُنَاسِبه.



[ قــ :5359 ... غــ :5659 ]
- حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرااهِيمَ أخبرنَا الجُعَيْدُ عنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْد أنَّ أَبَاهَا قَالَ: تَشَكَّيْتُ بمَكَّةَ شَكْواى شَدِيدَةً، فَجاءَني النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا نبيِّ الله إنِّي أتْرُكُ مَالا وإنِّي لمْ أتْرُكْ إلاَّ ابْنَةً واحِدَةً، فأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وأتْرُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: لَا.
فَقُلْتُ: فأُوصِي بالنِّصْفِ وأتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فأُوصِي بالثُّلُثِ واتْرُكُ لهَا الثُّلُثَيْن؟ قَالَ: الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلى وجْهِي وبَطْنِي ثمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً وأتْمِمْ لهُ هِجْرَتَهُ، فَمازِلْتُ أجِدُ بَرْدهُ علَى كَبِدِي فِيما يُخالُ إلَيَّ حتَّى السَّاعَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( ثمَّ وضع يَده على جَبهته ثمَّ مسح يَده على وَجْهي وبطني) .

والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد البرجمي التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، والجعيد بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال المهلمة ابْن عبد الرَّحْمَن الْكِنْدِيّ، وَيُقَال: الْجَعْد، مكبراً، أَو عَائِشَة بنت سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بابُُ أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، من رِوَايَة عَامر بن سعد عَن أَبِيه سعد.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة من هَذَا الْوَجْه.
وَأما من رِوَايَة عَائِشَة بنت سعد فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن هَارُون بن عبد الله عَن مكي بن إِبْرَاهِيم بِهِ مُخْتَصرا، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.

قَوْله: ( تشكيت) من بابُُ التفعل الَّذِي يدل على الْمُبَالغَة.
قَوْله: ( شكوى) بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِهِ: الشكوى والشكو والشكاة والشكاية: الْمَرَض.
قَوْله: ( شَدِيدَة) فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: شَدِيدا بالتذكير على إِرَادَة الْمَرَض.
قَوْله: ( كثير) بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( ثمَّ وضع يَده على جَبهته) من بابُُ التَّجْرِيد وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على جبهتي، على الأَصْل.
قَوْله: ( واتمم لَهُ هجرته) إِنَّمَا دَعَا لَهُ بإتمام الْهِجْرَة لِأَنَّهُ كَانَ مَرِيضا وَخَافَ أَن يَمُوت فِي مَوضِع هَاجر مِنْهُ، فَاسْتَجَاب الله عز وَجل دُعَاء رَسُوله وشفاه، وَمَات بعد ذَلِك بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: ( بردة) الضَّمِير عَائِد إِلَى الْمسْح أَو إِلَى الْيَد بِاعْتِبَار الْعُضْو.
قَوْله: ( فِيمَا يخال) أَي: فِيمَا يتخيل وَيتَصَوَّر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: صَوَابه: فِيمَا يتخيل إِلَيّ، بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ من التخيل، قَالَ الله تَعَالَى { يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} ( طه: 66) .
قلت: جَاءَ يخال ويتخيل بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي ( الْمُحكم) : خَال الشَّيْء يخاله يَظُنّهُ وتخيله ظَنّه.
قَوْله: ( حَتَّى السَّاعَة) حَتَّى هُنَا بِمَعْنى إِلَيّ فَلذَلِك جرت السَّاعَة.





[ قــ :5360 ... غــ :5660 ]
- حدّثنا قُتَيْبةُ حَدثنَا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْراهيمَ التَّيْميِّ عنِ الحارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ: دَخَلتُ علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُوعَكُ وعْكاً شَديداً، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله {أنَّكَ تُوعَكُ وعْكاً شَدِيداً.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ.
فَقُلْتُ: ذالِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجَلْ.
ثمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى مَرَضٌ فَما سِواهُ إِلاَّ حَطَّ الله لهُ سَيئاتِهِ كمَا يَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فمسسته بيَدي) والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بابُُ أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره.
وَهنا أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( أَذَى) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( مرض) بَيَان لَهُ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يرْوى: أدنى مرض، فَمَا سواهُ أَي: أقل مرض فَمَا فَوْقه، ثمَّ قَالَ: ويروى أَذَى بإعجام الذَّال.