فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء

( كِتابُ الطِّبِّ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الطِّبّ وأنواعه والطب علم يعرف بِهِ أَحْوَال بدن الْإِنْسَان من جِهَة مَا يَصح وَيَزُول عَنهُ الصِّحَّة لتحفظ الصِّحَّة حَاصله وتسترد زائله، والطب على قسمَيْنِ.
أَحدهمَا: الْعلم.
وَالثَّانِي: الْعَمَل.

وَالْعلم هُوَ معرفَة حَقِيقَة الْغَرَض الْمَقْصُود وَهُوَ مَوْضُوع فِي الْفِكر الَّذِي يكون بِهِ التَّدْبِير، وَالْعَمَل: هُوَ خُرُوج ذَلِك الْمَوْضُوع فِي الْفِكر إِلَى الْمُبَاشرَة بالحس وَالْعَمَل بِالْيَدِ.

وَالْعلم يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام.
أَحدهَا: الْعلم بالأمور الطبيعية.
وَالثَّانِي: الْعلم بالأمور الَّتِي لَيست بطبيعية.
وَالثَّالِث: الْعلم بالأمور الْخَارِجَة عَن الْأَمر الطبيعي، وَالْمَرَض هُوَ خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي والمداواة رده إِلَيْهِ، وَحفظ الصِّحَّة بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَذكر ابْن السَّيِّد فِي مثله: أَن الطِّبّ مثلث الطَّاء اسْم الْفِعْل، وَأما الطِّبّ بِفَتْح الطَّاء فَهُوَ الرجل الْعَالم بالأمور، وَكَذَلِكَ الطَّبِيب، وَامْرَأَة طبة، والطب بِالْكَسْرِ السحر، والطب الدَّاء من الإضداد، والطب الشَّهْوَة، هَذِه كلهَا مَكْسُورَة وَفِي ( الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: والطب الحذق بالشَّيْء والرفق، وكل حاذق عِنْد الْعَرَب طَبِيب، وَإِنَّمَا خصوا بِهِ المعالج دون غَيره من الْعلمَاء تَخْصِيصًا وتشريفاً، وَجمع الْقلَّة: أطبة، وَالْكَثْرَة: أطباء، والطب طرائق ترى فِي شُعَاع الشَّمْس إِذا طلعت، وَأما الطِّبّ الَّذِي كَانَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى مَا عرفه من طَرِيق الْوَحْي وَإِلَى مَا عرفه من عادات الْعَرَب، وَإِلَى مَا يُرَاد بِهِ التَّبَرُّك كالاستشفاء بِالْقُرْآنِ.


( بابٌُ مَا أنْزَلَ الله دَاءٌ إِلَّا أنْزَلَ لَهُ شِفاءً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا أنزل الله دَاء أَي: مَا أصَاب الله أحدا بداءٍ إلاَّ قدر لَهُ دواءِ وَالْمرَاد بإنزاله إِنْزَال الْمَلَائِكَة الموكلين بِمُبَاشَرَة مخلوقات الأَرْض من الدّاء والداواء.
قيل: إِنَّا نجد كثيرا من المرضى يداوون وَلَا يبرؤن.
وَأجِيب: إِنَّمَا جَاءَ ذَلِك من الْجَهْل بِحَقِيقَة المداواة، أَو بتشخيص الدَّاء لَا لفقد الدَّوَاء.



[ قــ :5378 ... غــ :5678 ]
- حدّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدثنَا عَمْرُو بنُ سَعِيدِ بنِ أبي حُسَيْنٍ قَالَ: حدّثني عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أنْزَلَ الله دَاءً إلاَّ أنْزَلَ لهُ شِفاءً.


الحَدِيث عين التَّرْجَمَة.
وَأَبُو أَحْمد هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الزبيرِي مَنْسُوبا إِلَى مصغر الزبر بالزاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء، وَهُوَ جده، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي الْمَكِّيّ.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن نصر بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْمثنى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَإِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي.

قَوْله: ( دَوَاء) بِفَتْح الدَّال وَالْمدّ، والدواء فتح داله أفْصح من كسرهَا، قَالَه الْقُرْطُبِيّ: والشفاء مَمْدُود.
والْحَدِيث لَيْسَ على عُمُومه، وَاسْتثنى مِنْهُ الْهَرم وَالْمَوْت وَفِيه إِبَاحَة التَّدَاوِي وَجَوَاز الطِّبّ، وَهُوَ رد على الصُّوفِيَّة أَن الْولَايَة لَا تتمّ إلاَّ إِذا رَضِي بِجَمِيعِ مَا نزل بِهِ من الْبلَاء، وَلَا يجوز لَهُ مداواته، وَهُوَ خلاف مَا أَبَاحَهُ الشَّارِع.