فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذات الجنب

( بابُُ ذَاتِ الجَنْبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذَات الْجنب، وَهُوَ ورم حَار يعرض الغشاء المستبطن للأضلاع وَقد يُطلق على مَا يعرض فِي نواحي الْجنب من ريَاح غَلِيظَة تحبس بَين الصفافات والعضل الَّتِي فِي الصَّدْر والأضلاع فَتحدث وجعاً، وَالْأول هُوَ ذَات الْجنب الْحَقِيقِيّ الَّذِي تكلم عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء، وَالْمرَاد بِذَات الْجنب فِي حَدِيثي الْبابُُ الثَّانِي، لِأَن الْقسْط، وَهُوَ الْعود الْهِنْدِيّ، هُوَ الَّذِي يداوي بِهِ الرّيح الغليظة.



[ قــ :5412 ... غــ :5718 ]
- حدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَتَّابُ بنُ بَشِير عنْ إسْحاقَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ أمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ وكانتْ مِنَ المُهاجِراتِ الأُوَلِ الَّلاتِي بايَعْنَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهْيَ أُخْتَ عُكاشَة بنِ مِحْصَنٍ أخْبَرَتْهُ أنَّها أتَتْ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بابُنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ العُذْرَةِ، فَقَالَ: اتَّقُوا الله! عَلى مَا تَدْغرُونَ أوْلاَدَكُمْ بِهاذِهِ الأعْلاقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهذَا العُود الهنْديِّ فإنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ، يُرِيدُ الكُسْت، يَعْني: القُسْطَ، قَالَ: وهْي لُغَة.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مِنْهَا ذَات الْجنب) وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، قَالَه الْكرْمَانِي،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ الْهُذلِيّ يَعْنِي: مُحَمَّد بن يحيى الْهُذلِيّ النَّيْسَابُورِي.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب لِأَن صَاحب ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) قَالَ فِي تَرْجَمَة عتاب بن بشير: روى عَنهُ مُحَمَّد غير مَنْسُوب، قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي: هُوَ ابْن سَلام، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الطِّبّ والاعتصام، وعتاب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعد الْألف مُوَحدَة ابْن بكير بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة الْحَرَّانِي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون، مَاتَ سنة تسعين وَمِائَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاشد الْجَزرِي.

والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ اللدود.

قَوْله: ( على مَا تدغرون) بخطاب جمع الْمُذكر، ويروى: علام تدغرن، بخطاب جمع الْمُؤَنَّث وبإسقاط الْألف من كلمة: مَا، وَقد ذكرنَا أَنه من الدغر بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَهُوَ غمز الْحلق بالإصبع، وَذَلِكَ أَن الصَّبِي تَأْخُذهُ الْعذرَة، وَهِي وجع يهيج فِي الْحلق من الدَّم، فَتدخل الْمَرْأَة إصبعها فتدفع بهَا ذَلِك الْموضع وتكبسه.
قَوْله: ( بِهَذِهِ الأعلاق) بِفَتْح الْهمزَة جمع العلق، قَالَ الْكرْمَانِي: نَحْو الوطب والأوطاب وَهِي الدَّوَاهِي والآفات،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: ويروى: بِهَذِهِ العلاق، وَفِي أُخْرَى: بِهَذِهِ العلق، وَالْمَعْرُوف: الأعلاق، بِكَسْر الْهمزَة مصدر أعلقت، والعلق بِضَم الْعين وَفتح اللَّام جمع علوق وَهِي الداهية، وأعلقت عَنهُ أزلت عَنهُ الْعلُوق أَي: مَا عَذبته بِهِ من دغرها.
قَوْله: ( يُرِيد الكست) بِضَم الْكَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، يَعْنِي: يُرِيد من الْقسْط الكست.
قَوْله: ( قَالَ: وَهِي لُغَة) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: الكست لُغَة فِي الْقسْط.





[ قــ :5413 ... غــ :5719 ]
- حدّثنا عارِمٌ حَدثنَا حَمَّادٌ قَالَ: قُرِىءَ علَى أيُّوبَ مِنْ كُتبِ أبِي قِلاَبَةَ مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ ومِنهُ مَا قُرِىءَ عَلَيْهِ وكانَ هاذَا فِي الكتابِ عَن أنَسٍ: أنَّ أَبَا طَلْحَةَ وأنَسَ بنَ النَّضْرِ كَوَياهُ وكَوَاهُ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ.





[ قــ :5413 ... غــ :570 ]
- وَقَالَ عبَّادُ بنُ مَنْصُور: عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ، قَالَ: أذِنَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأهْلِ بَيْتٍ مِن الأنْصارِ أنْ يرْقُوا منَ الحُمَةِ وَالْأُذن.





[ قــ :5413 ... غــ :571 ]
- ق ال أنَسٌ: كوِيتُ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَي، وشَهِدَنِي أبُو طَلْحَةَ وأنَسُ بنُ النَّضْرِ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ، وأبُو طَلْحَةَ كَوَانِي.
( الحَدِيث 5719 طرفَة فِي: 571) ( انْظُر الحَدِيث 5719) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من ذَات الْجنب) .
وعارم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء لقب مُحَمَّد بن الْفضل أَبُو النُّعْمَان السدُوسِي، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة عبد الله بن زيد الْجرْمِي.

قَوْله: ( قرىء على أَيُّوب) قيل: كَيفَ جَازَ الرِّوَايَة بِمَا قرىء فِي الْكتاب؟ وَأجِيب: بِأَن الْكتاب كَانَ مسموعاً لأيوب، وَمَعَ هَذَا مرتبته دون مرتبَة الرِّوَايَة عَن الْحِفْظ، نعم، لَو لم يكن مسموعاً لجَاز الرِّوَايَة عَن الْكتاب الموثوق بِهِ عِنْد الْمُحَقِّقين، ويسم هَذَا بالوجادة، وَفِي الْمَسْأَلَة مبَاحث واختلافات.
قَوْله: ( وَكَانَ هَذَا فِي الْكتاب) أَي: فِي كتاب أبي قلَابَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الكشمهني: قَرَأَ الْكتاب بدل قَوْله: فِي الْكتاب، قيل: هُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: ( عَن أنس) هُوَ ابْن مَالك.
قَوْله: ( أَن أَبَا طَلْحَة) هُوَ زيد بن سهل زوج وَالِدَة أنس أم سليم.
قَوْله: ( وَأنس بن النَّضر) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة عَم أنس بن مَالك بن النَّضر.
قَوْله: ( كوياه) ، أَي: كويا أنس بن مَالك، أسْند الكي إِلَيْهِمَا ثمَّ أسْندهُ إِلَى أبي طَلْحَة لِأَنَّهُ بَاشرهُ بِيَدِهِ وَأما إِسْنَاده إِلَى أبي طَلْحَة وَأنس بن النَّضر فلرضاهما بِهِ.

قَوْله: ( وَقَالَ عباد بن مَنْصُور)
إِلَى آخِره، تَعْلِيق نذكرهُ الْآن، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مَنْصُور النَّاجِي بالنُّون وبالجيم وكنيته أَبُو سَلمَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْمُعَلق، وَهُوَ من كبار أَتبَاع التَّابِعين، وَفِيه مقَال من وُجُوه.
الأول: أَنه رمي بِالْقدرِ لكنه لم يكن دَاعِيَة.
الثَّانِي: أَنه كَانَ مدلساً.
الثَّالِث: أَنه كَانَ قد تغير حفظه.
.

     وَقَالَ  ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَوصل أَبُو يعلى هَذَا التَّعْلِيق عَن إِبْرَاهِيم بن سعد الْجَوْهَرِي عَن ريحَان بن سعيد عَن عباد بِطُولِهِ، وَفَائِدَة هَذَا التَّعْلِيق شَيْئَانِ: أَحدهمَا: من جِهَة الْإِسْنَاد وَهُوَ أَنه بيّن أَن حَمَّاد بن زيد بَين فِي رِوَايَته صُورَة أَخذ أَيُّوب هَذَا الحَدِيث عَن أبي قلَابَة وَأَنه كَانَ قَرَأَهُ عَلَيْهِ من كِتَابه، وَأطلق عباد بن مَنْصُور وَرِوَايَته بالعنعنة.
وَالْآخر: من جِهَة الْمَتْن، وَهِي الزِّيَادَة الَّتِي فِيهِ، وَهِي أَن الكي الْمَذْكُور كَانَ بِسَبَب ذَات الْجنب، وَأَن ذَلِك كَانَ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن زيد بن ثَابت كَانَ فِيمَن حضر ذَلِك، وَفِي رِوَايَة عباد بن مَنْصُور زِيَادَة أُخْرَى فِي أَوله، أفردها بَعضهم وَهِي حَدِيث أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بَيت من الْأَنْصَار أَن يرقوا من الْحمة وَالْأُذن،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَي، وجع الْأذن أَي: رخص فِي رقية الْأذن إِذا كَانَ بهَا وجع.
فَإِن قلت: قد مر أَن لَا رقية إلاَّ من عين أَو حمة، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ قلت: يجوز أَن يكون رخص فِيهِ بعد أَن منع مِنْهُ أَو يكون الْمَعْنى: لَا رقية أَنْفَع من رقية الْعين والحمة، وَلم يرد نفي الرقى عَن غَيرهمَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ ابْن بطال: الأدر جمع الأدر، أَقُول: يَعْنِي نَحْو الْحمر والأحمر من الأدرة وَهِي نفخة الخصيتين وَهُوَ غَرِيب شَاذ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَحكى الْكرْمَانِي عَن ابْن بطال أَن ضبط الأدر بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء، وَأَنه جمع أدرة وَهِي نفخة الخصية.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي ذكرته، فَانْظُر: هَل قَالَ: إِن الأدر جمع أدرة وَلم يقل إلاَّ جمع آدر وَلِهَذَا مثل بقوله: نَحْو الْحمر والأحمر.
وَقَوله: وَلم أر ذَلِك فِي كتاب ابْن بطال، لَا يسْتَلْزم نفي رُؤْيَة غَيره، وَمن الْبعد أَن يرى الْكرْمَانِي هَذَا فِي مَوضِع ثمَّ ينْسبهُ إِلَى ابْن بطال.
قَوْله: ( لأهل بَيت من الْأَنْصَار) هم آل عَمْرو بن حزم، وَوَقع ذَلِك عِنْد مُسلم فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( أَن يرقوا) ، أَصله بِأَن يرقوا فَإِن مَصْدَرِيَّة أَي: بالرقية، وأصل يرقوا يرقووا استثقلت الضمة على الْوَاو فحذفت فَصَارَ يرقوا.
قَوْله: ( من الْحمة) ، قد مر ضَبطه وَتَفْسِيره عَن قريب وَكَذَلِكَ مر الْآن تَفْسِير الْأذن.

قَوْله: ( كويت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( من ذَات الْجنب) ، أَي: بِسَبَب ذَات الْجنب، وَكلمَة: من، تعليلية وَقد مر تَفْسِيره الْآن، وروى الْحَاكِم على شَرط مُسلم: ذَات الْجنب من الشَّيْطَان، وَمَا كَانَ الله ليسلطه عَليّ.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَات الْجنب.
قلت: قَالُوا: إِن هَذَا خبر واه.