فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحمى من فيح جهنم

( بابٌُ الحمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الْحمى من فيح جَهَنَّم، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبحاء مُهْملَة، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث رَافع آخر الْبابُُ من فوح بِالْوَاو، وَتقدم فِي صفة النَّار بِلَفْظ فَور بالراء بدل الْحَاء وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الفيح والفوح لُغَتَانِ، يُقَال: فاحت رَائِحَة الْمسك تفيح وتفوح فيحاً وفوحاً وفووحاً، وَلَا يُقَال: فاحت ريح خبيثة.
وَيجوز أَن يكون قَوْله: ( من فيح جَهَنَّم) حَقِيقَة، وَيكون اللهب الْحَاصِل فِي جسم المحموم قِطْعَة من جَهَنَّم، وَقدر الله ظُهُورهَا بِأَسْبابُُ تقتضيها لتعتبر الْعباد بذلك، كَمَا أَن أَنْوَاع الْفَرح وللذة من نعيم الْجنَّة أظهرها الله فِي هَذِه الدَّار عِبْرَة وَدلَالَة، وَيجوز أَن يكون من بابُُ التَّشْبِيه على معنى أَن حر الْحمى شَبيه بَحر جَهَنَّم تَنْبِيها للنفوس على شدَّة حر النَّار.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ وَهُوَ شيخ شَيْخي: من، لَيست بَيَانِيَّة حَتَّى يكون تَشْبِيها، وَهِي إِمَّا ابتدائية أَي: الْحمى نشأت وحصلت من فيح جَهَنَّم، أَو تبعيضية أَي: بعض مِنْهَا، وَيدل على هَذَا مَا ورد فِي ( الصَّحِيح) : اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا، فَقَالَت: رب أكل بَعْضِي بَعْضًا، فَأذن لَهَا بنفسين: نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف ... الحَدِيث، فَكَمَا أَن حرارة الصَّيف أثر من فيحها كَذَلِك الْحمى.



[ قــ :5415 ... غــ :5723 ]
- حدّثني يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ حدّثني ابنُ وهبٍ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الحَمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ فأطْفِئُوها بالماءِ.

قَالَ نافِعٌ: وكانَ عبْدُ الله يَقُولُ: اكْشِفْ عنَّا الرِّجْزَ.
( انْظُر الحَدِيث 3264) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وروى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين.

قَوْله: ( فأطفئوها) بِهَمْزَة قطع من الإطفاء وَلما كَانَ الْحمى من فيح جَهَنَّم وَهُوَ سطوع حرهَا ووهجه، وَالنَّار تطفأ بِالْمَاءِ كَذَلِك حرارة الْحمى تزَال بِالْمَاءِ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الإطفاء والإبراد تحقن الْحَرَارَة فِي الْبَاطِن فتزيد الْحمى وَرُبمَا تهْلك الْجَواب أَن أَصْحَاب الصِّنَاعَة الطبية يسلمُونَ أَن الْحمى الصفراوية صَاحبهَا يسْقِي المَاء الْبَارِد وَيغسل أَطْرَافه بِهِ.

قَوْله: ( قَالَ نَافِع وَكَانَ عبد الله) أَي: ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا مَوْصُول بالسند الَّذِي قبله.
قَوْله: ( اكشف عَنَّا الرجز) أَي: الْعَذَاب، وَلَا شكّ أَن الْحمى نوع مِنْهُ.





[ قــ :5416 ... غــ :574 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ هِشام عنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ أنَّ أَسْماءَ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، كانَتْ إذَا أُتِيَتْ بالمْرأةِ قَدْحُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أخَذَتِ الماءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَها وبَيْنَ جَيْبِها.
قالَتْ: وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُنا أنْ نَبْرُدَها بالماءِ.


مطابقته للْحَدِيث السَّابِق فِي قَوْله: ( فاطفئوها بِالْمَاءِ) والمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.

وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة، وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير، وَهِي بنت عَمه وَزَوجته، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدتيهما لأبويهما مَعًا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن إِسْحَاق.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وأخره ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( إِذا أتيت) على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: ( حمت) وَهِي فِي مَوضِع الْحَال.
قَوْله: ( تَدْعُو لَهَا) فِي مَوضِع النصب على الْحَال أَيْضا.
قَوْله: ( أخذت المَاء) خبر كَانَ.
قَوْله: ( جيبها) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ مَا يكون مفرجاً من الثَّوْب كالطوق والكم.
قَوْله: ( أَن نبردها بِالْمَاءِ) ، بِفَتْح النُّون وَضم الرَّاء المخففة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَن نبردها، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء وَتَشْديد الرَّاء من التبريد.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: نبردها من التبريد، والإبراد يَعْنِي إِمَّا من بَاء التفعيل نبردها بِالتَّشْدِيدِ، وَإِمَّا من بابُُ الإفعال نبردها بِضَم النُّون وَسُكُون الْبَاء،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: لَا يُقَال: أبردته يَعْنِي من بابُُ الإفعال إلاَّ فِي لُغَة رَدِيئَة، واللغة الفصيحة هِيَ الَّتِي ضبطناها أَولا.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: برد الشَّيْء بِالضَّمِّ وبردته أَنا فَهُوَ مبرود وبردته تبريداً.





[ قــ :5417 ... غــ :575 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثنَّى حَدثنَا يَحْيى احدثنا هِشامٌ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمِ فأبْرُدُوها بالماءِ.
( انْظُر الحَدِيث 363) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يرْوى عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن نمير عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة إِلَى آخِره نَحوه.

قَوْله: ( فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) وَعَن ابْن الْأَنْبَارِي: أَن معنى: فابردوها بِالْمَاءِ، تصدقوا بِالْمَاءِ أَي: عَن الْمَرِيض يشفه الله عز وَجل لما رُوِيَ: أَن أفضل الصَّدَقَة سقِِي المَاء.





[ قــ :5418 ... غــ :576 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا أَبُو الأحْوَصِ حَدثنَا سَعيدُ بنُ مَسْرُوق عنْ عَبَايَة بنِ رِفاعَةَ عنْ جَدِّهِ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: الحُمَّى مِنْ فوْحِ جَهنَّمَ فأبْردُوها بالماءِ.
( انْظُر الحَدِيث 36) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَسَعِيد بن مَسْرُوق أَبُو سُفْيَان الثَّوْريّ، وعباية بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء، وخديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم.

وَلِلْحَدِيثِ مضى فِي صفة النَّار عَن عَمْرو بن الْعَبَّاس.

قَوْله: ( من فوح جَهَنَّم) ، هَكَذَا هُوَ رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: من فيح جَهَنَّم، وَقد ذكرنَا أَن الفيح والفوح والفور بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: ( فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) قَالَ ابْن بطال: قد تخْتَلف أَحْوَال المحمومين، فَمنهمْ من يصلح بصب المَاء عَلَيْهِ وَهِي الْحمى الَّتِي يكون أَصْلهَا من الْحر، فَالْحَدِيث يُرَاد بِهِ الْخُصُوص.