فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الكهانة

( بابُُ الكَهانةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أُمُور الكهانة وَوَقع لِابْنِ بطال: بابُُ الكهانة وَالسحر وَقد ترْجم البُخَارِيّ للسحر بابُُا مُفردا على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهِي بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا وَالْفَتْح أشهر، وَهِي ادِّعَاء علم الْغَيْب كالإخبار بِمَا سيقع فِي الأَرْض مَعَ الِاسْتِنَاد إِلَى سَبَب، وَيُقَال: هِيَ الْإِخْبَار بِمَا يكون فِي أقطار الأَرْض أما من جِهَة التنجيم أَو العرافة وَهِي الِاسْتِدْلَال على الْأُمُور بأسبابُها أَو بالزجر أَو نَحوه، والكاهن يُطلق على العراف والمنجم الَّذِي يضْرب بالحصى، وَفِي ( الْمُحكم) : الكاهن القَاضِي بِالْغَيْبِ.
.

     وَقَالَ  فِي ( الْجَامِع) : الْعَرَب تسمى كل من آذن بِشَيْء قبل وُقُوعه كَاهِنًا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الكهنة قوم لَهُم أذهان حادة ونفوس شَدِيدَة وطباع نارية فألفتهم الشَّيَاطِين لما بَينهم من التناسب فِي هَذِه الْأُمُور وساعدتهم بِكُل مَا اتَّصَلت بِهِ قدرتهم إِلَيْهِ، وَكَانَت الكهانة فِي الْجَاهِلِيَّة فَاشِية خُصُوصا فِي الْعَرَب لانْقِطَاع النُّبُوَّة فيهم، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام ندر ذَلِك جدا حَتَّى كَاد يضمحل.



[ قــ :5450 ... غــ :5758 ]
- حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني عَبْدُ الرحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهاب عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي امْرَأتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتا، فَرَمَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى بحَجَر فأصابَتْ بَطْنَها وهْيَ حامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدهَا الّذي فِي بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضَى أنَّ دِيَّةَ مَا فِي بطْنِها غُرَّة عبْدٌ أوْ أمَةٌ فَقَالَ ولِيُّ المَرْأةِ الَّتِي غَرِمَتْ: كَيْفَ أغْرَمُ يَا رَسُول الله مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ.
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّما هَذَا منْ إخْوَانِ الكُهَّانِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِنَّمَا هَذَا من إخْوَان الْكُهَّان) وَسَعِيد بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْحَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء.
وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير الْمصْرِيّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( هُذَيْل) بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ ابْن مدركة بن الياس بن مُضر قَبيلَة.
قَوْله: ( اقتتلتا) أَي: تقاتلتا.
قَوْله: ( وَهِي حَامِل) جملَة حَالية.
قَوْله: ( فاختصموا) مثل قَوْله: { هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا} ( الْحَج: 19) .
قَوْله: ( غرَّة) بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَهِي بَيَاض فِي الْوَجْه وَعبر بالغرة عَن الْجِسْم كُله إطلاقاً للجزء وَإِرَادَة الْكل وَلَفظ: غرَّة بِالتَّنْوِينِ وَلَفظ: عبد أَو أمة بدل مِنْهُ، ويروى بِالْإِضَافَة وَكلمَة: أَو، هُنَا للتقسيم لَا للشَّكّ.
قَوْله: ( فَقَالَ وليُّ الْمَرْأَة) هُوَ حمل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن مَالك بن النَّابِغَة الْهُذلِيّ الصَّحَابِيّ نزل الْبَصْرَة وكنيته أَبُو فضلَة.
قَوْله: ( وَلَا اسْتهلّ) يُقَال اسْتهلّ الصَّبِي إِذا صَاح عِنْد الْولادَة.
قَوْله: ( يطلّ) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الطَّاء وَتَشْديد اللَّام، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَمَعْنَاهُ: يهدر، يُقَال: طل الدَّم بِضَم الطَّاء وَبِفَتْحِهَا، وَحكي: أطل.
وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي،.

     وَقَالَ  أَبُو زيد: طل دَمه فَهُوَ مطلول وأطل دَمه وطله الله وأطله، قَالَ: وَلَا يُقَال: طل دَمه، بِالْفَتْح، وَأَبُو عُبَيْدَة وَالْكسَائِيّ يقولانه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَطل، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الْبطلَان وَقَالَ عِيَاض: إِنَّه وَقع هُنَا للْجَمِيع بِالْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ: وبالوجهين فِي ( الْمُوَطَّأ) وَقد رجح الْخطابِيّ أَنه من الْبطلَان، وَأنْكرهُ ابْن بطال فَقَالَ: كَذَا يَقُول أهل الحَدِيث من طل الدَّم إِذا هدر قيل: لَا وَجه لإنكاره بعد ثُبُوت الرِّوَايَة، وَمَعْنَاهُ يرجع إِلَى الرِّوَايَة الأُخرى.
قَوْله: ( إِنَّمَا هَذَا من إخْوَان الْكُهَّان) شبهه بهم إِذْ الْأُخوة تَقْتَضِي المشابهة، وَذَلِكَ بِسَبَب السجع،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: لم يردهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأجل السجع نَفسه لكنه إِنَّمَا أعاب مِنْهُ رد الحكم وتزيينه بالسجع على مَذْهَب الْكُهَّان فِي ترويج أباطيلهم بالأسجاع الَّتِي يروجون بهَا الْبَاطِل ويوهمون النَّاس أَن تحتهَا طائلاً، والسجع هُوَ تناسب آخر الْكَلِمَة لفظا وَالْجمع أسجاع وأساجيع،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فِيهِ ذمّ الْكُهَّان وَمن تشبه بهم فِي ألفاظهم حَيْثُ كَانُوا يستعملونه فِي الْبَاطِل، كَمَا أَرَادَ هُوَ بسجعه دفع مَا أوجبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتحقَّ بذلك الذَّم إلاَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبل على الصفح عَن الْجَاهِلين.
فَإِن قلت: قد وَقع فِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الأسجاع مثل صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، وَغير ذَلِك.
قلت: الْفرق أَنه عَارض بِهِ حكم الشَّرْع ورام إِبْطَاله، وَأَيْضًا أَنه تكلّف فِيهِ بِخِلَاف مَا فِي كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَفِيه: وجوب الْغرَّة عِنْد كَافَّة الْعلمَاء، وَخَالف فِيهِ قوم فَقَالُوا لَا شَيْء فِيهِ حَكَاهُ فِي ( المعونة) وَهُوَ منابذة للنَّص فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَفِيه: أَن الْغرَّة عبد أَو أمة،.

     وَقَالَ  مَالك: الحمران أحب إِلَيّ من السودَان، يُرِيد الْبيض، فَإِن لم يكن فِي الْبَلَد فالسود قَالَه الْأَبْهَرِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لَا يُؤْخَذ إلاَّ من الْبيض لقَوْله: ( غرَّة) وإلاَّ لقَالَ: عبدا ووليدة،.

     وَقَالَ  مَالك عَن ربيعَة: يقوم بِخَمْسِينَ دِينَارا أَو سِتّمائَة دِرْهَم.
وَاخْتلف فِيمَن يَرث الْجَنِين، فَقَالَ مَالك: هُوَ موروث على فَرَائض الله،.

     وَقَالَ  أَيْضا: هُوَ كبضعة من أمه تَرثه وَحدهَا،.

     وَقَالَ  أَيْضا هُوَ بَيت أَبَوَيْهِ: الثُّلُثَانِ للْأَب وَللْأُمّ الثُّلُث، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.





[ قــ :5451 ... غــ :5759 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عَن ابنِ شِهاب عنْ أبي سَلمةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ: أنَّ امْرَأتَيْنِ رَمَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى بِحَجَر، فَطَرَحَتْ جَنِينَها، فَقَضَى فِيهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغُرَّةِ عبْدٍ أوْ وَلِيدَةٍ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ مُخْتَصر.





[ قــ :5451 ... غــ :5760 ]
- وعنِ ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي الجَنين يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أوْ وَلِيدَةٍ، فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كيْفَ أغْرَمُ مَالا أكَلَ وَلَا شَرِبَ ولاَ نَطَقَ وَلَا اسْتهَلَّ، ومِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّما هاذَا مِنْ إخُوَانِ الكُهَّانِ.

هَذَا مُرْسل.
قَوْله: ( يقتل) على صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل الْحَال من الْجَنِين.
قَوْله: ( قضى عَلَيْهِ) أَي: على ولي الْمَرْأَة لِأَن الْغرَّة مَتى وَجَبت فَهِيَ على الْعَاقِلَة.





[ قــ :545 ... غــ :5761 ]
- حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ الحارِثِ عنْ أبي مسْعُودٍ، قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثَمَنِ الكَلْبِ ومَهْرِ البغِيِّ وحُلُوَان الكاهِنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان، وَأَبُو مَسْعُود هُوَ عقبَة البدري الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي.

والْحَدِيث قد مر فِي البيع فِي: بابُُ ثمن الْكَلْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( مهر الْبَغي) الْبَغي فعيل أَو فعول، وَهِي الزَّانِيَة ومهرها هُوَ مَا تَأْخُذهُ على الزِّنَا، والحلوان بِالضَّمِّ مَا يعْطى على الكهانة.





[ قــ :5453 ... غــ :576 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ يَحْياى بنِ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عُرْوةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَأَلَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ عنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيءٍ.
فقالُوا: يَا رسولَ الله! إنهُمْ يُحَدِّثُونا أحْياناً بِشيءٍ فَيكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها مِنَ الجِنِّيِّ فَيَقُرُّها فِي أُذُنِ ولِيِّه فَيَخْلِطُونَ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ، قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ عبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ، الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، ثُمَّ بَلغَني أنَّهُ أسْنَدَهُ بَعْدهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( عَن الْكُهَّان) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وَيحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي الْمدنِي، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، وَالظَّاهِر أَن الزُّهْرِيّ فَاتَهُ هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة مَعَ كَثْرَة رِوَايَته عَن عُرْوَة، فَجعله عَن ابْنه يحيى وَلَيْسَ ليحيى فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَيحيى وَقع عَن ظهر بَيت تَحت أرجل الدَّوَابّ فقطعته.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن صَالح وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام.
وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن عبد بن حميد وَغَيره.

قَوْله: ( سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سَأَلَ نَاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند مُسلم من رِوَايَة معقل مثله.
قَوْله: ( فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء) أَي: لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَيْسُوا بِشَيْء.
قَوْله: ( يحدثونا) ويروى يحدثوننا بنونين على الأَصْل.
قَوْله: ( حَقًا) أَي: وَاقعا ثَابتا، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ ضد الْبَاطِل.
قَوْله: ( تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق) كَذَا بحاء مُهْملَة وقاف، وَوَقع فِي مُسلم: تِلْكَ الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: كَذَا فِي نسخ: بِلَادنَا، بِالْجِيم وَالنُّون، أَي: الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ،.

     وَقَالَ : حكى عِيَاض أَنه وَقع فِي مُسلم بِالْحَاء وَالْقَاف.
قَوْله: ( يَخْطفهَا من الجني) هَكَذَا رِوَايَة السَّرخسِيّ أَن الكاهن يَخْطفهَا من الجني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يَخْطفهَا الجني، والخطف الْأَخْذ بالسرعة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحفظها، بِتَقْدِيم الْفَاء بعْدهَا ظاء مُعْجمَة من الْحِفْظ.
قَوْله: ( فيقرها) بِفَتْح الْيَاء وَالْقَاف وَتَشْديد الرَّاء، أَي: يصبهَا، تَقول: قررت على رَأسه دلواً إِذا صببته فَكَأَنَّهُ صب فِي أُذُنه ذَلِك الْكَلَام،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَيصِح أَن يُقَال: مَعْنَاهُ ألفاها فِي أُذُنه بِصَوْت يُقَال: قر الطَّائِر إِذا صَوت، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَيقر قرها، أَي: يُرَدِّدهَا.
يُقَال: قرقرت الدَّجَاجَة تقرقر قرقرة إِذا رددت صَوتهَا،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَيُقَال أَيْضا: قرت الدَّجَاجَة تقرقراً وقريراً، وَإِذا رجعت فِي صَوتهَا يُقَال: قرقرت قرقرة وقرقرية، وَالْمعْنَى أَن الجني إِذا ألْقى الْكَلِمَة لوَلِيِّه تسامع بهَا الشَّيَاطِين فيناقلوها كَمَا إِذا صوتت الدَّجَاجَة فَسَمعَهَا الدَّجَاج فجاوبتها.
قَوْله: ( فِي إِذن وليه) أَي: الكاهن إِنَّمَا عدل من الكاهن إِلَى قَوْله: ( وليه) للتعميم فِي الكاهن وَغَيره مِمَّن يوالي الْجِنّ.
قَوْله: ( مائَة كذبة) وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: أَكثر من مائَة كذبة، وَيدل هَذَا على أَن ذكر الْمِائَة للْمُبَالَغَة لَا للتعيين.
قَوْله: ( كذبة) بِالْفَتْح وَحكي الْكسر، قَالَ بَعضهم: وَأنْكرهُ بَعضهم لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْهَيْئَة وَالْحَالة وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
قلت: هَذَا مَوْضِعه لِأَن كذبتهم بِالْكَسْرِ تدل على أَنْوَاع الكذبات، وَهَذَا أبلغ من معنى الْفَتْح على مَا لَا يخفى قَوْله: ( قَالَ عَليّ) هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ( قَالَ عبد الرَّزَّاق: هُوَ مُرْسل الْكَلِمَة الْحق) أَرَادَ أَن ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ: إِن عبد الرَّزَّاق كَانَ يُرْسل هَذَا الْقدر من الحَدِيث، ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك وَصله بِذكر عَائِشَة فِيهِ، وَقد أخرجه مُسلم عَن عبد بن حميد من حَدِيث عبد الرَّزَّاق مَوْصُولا كَرِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر.