فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من جر إزاره من غير خيلاء

( بابُُ مَنْ جَرَّ إزارَهُ منْ غَيْرِ خُيَلاَءَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من جر إزَاره من غير قصد التخييل، فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ من غير كَرَاهَة، وَكَذَلِكَ يجوز لدفع ضَرَر يحصل لَهُ، كَأَن يكون تَحت كعبيه جراح أَو حكة أَو نَحْو ذَلِك، إِن لم يغطها تؤذيه الْهَوَام كالذبابُ وَنَحْوه بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَلَا يجد مَا يَسْتُرهَا بِهِ إلاَّ إزَاره أَو رِدَائه أَو قَمِيصه، وَهَذَا كَمَا يجوز كشف الْعَوْرَة للتداوي وَغير ذَلِك من الْأَسْبابُُ المبيحة للترخص.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين: وَأما جَوَازه لغير ضَرُورَة لَا لقصد الْخُيَلَاء، فَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه مَكْرُوه وَلَيْسَ بِحرَام، وَحكي عَن نَص الشَّافِعِي، رَضِي الله عَنهُ التَّفْرِقَة بَين وجود الْخُيَلَاء وَعَدَمه، وَهَذِه التَّرْجَمَة سَقَطت لِابْنِ بطال رَحمَه الله.



[ قــ :5471 ... غــ :5784 ]
- حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: منْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظرِ الله إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ، قَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ: يَا رسولَ الله! إنَّ أحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي، إلاَّ أنْ أتَعاهَدَ ذالِكَ مِنْهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَقَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله عَنهُ) الخ ... وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، يروي عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَى آخِره.

قَوْله: ( إِن أحد شقي إزَارِي) كَذَا بالتثنية فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا شقّ بِالْإِفْرَادِ، والشق بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة الْجَانِب وَيُطلق أَيْضا على النّصْف.
قَوْله: ( يسترخي) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَسبب استرخائه كَون أبي بكر رجلا أحنى نحيفاً لَا يسْتَمْسك، فإزاره يسترخي عَن حقْوَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يَصح أحنى بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم، يُقَال: رجل أحنى الظّهْر بِالْمُهْمَلَةِ نَاقِصا أَي فِي ظَهره أحد يداب، وَرجل أجنأ، بِالْجِيم مهموزاً أَي: أحدب الظّهْر، ثمَّ إِن الاسترخاء يحْتَمل أَن يكون من طرف القدام نظرا إِلَى الإحديداب، وَأَن يكون من الْيَمين أَو الشمَال نظرا إِلَى النحافة، إِذْ الْغَالِب أَن النحيف لَا يسْتَمْسك إزَاره على السوء.
قَوْله: ( إلاَّ أَن أتعاهد ذَلِك مِنْهُ) الِاسْتِثْنَاء من قَوْله ( يسترخي) يَعْنِي يسترخي إلاَّ عِنْد التعاهد بذلك، وَحين غفلت عَنهُ يسترخي.
قَوْله: ( لست مِمَّن يصنعه) أَي: لست أَنْت يَا أَبَا بكر مِمَّن يصنع جر الْإِزَار خُيَلَاء، وَفِي رِوَايَة زيد بن أسلم: لست مِنْهُم، وَفِيه أَنه لَا حرج على من يجر إزَاره بِغَيْر قصد كَمَا ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره جر الْإِزَار على كل حَال.
قلت: قَالَ ابْن بطال: هُوَ من تشديداته وإلاَّ فقد روى هُوَ حَدِيث الْبابُُ فَلم يخف عَلَيْهِ الحكم.
ح دّثني مُحَمَّدٌ أخبرَنا عبْدُ الأعْلَى عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبي بَكْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ ونَحْنُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حتَّى أتَى المَسْجِدَ، وثابَ النَّاسُ فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عنْها، ثُمَّ أقْبَلَ عَليْنَا.

     وَقَالَ : إِن الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتان مِنْ آياتِ الله، فإذَا رأيْتُمْ مِنْها شَيْئاً فَصَلُّوا وادْعُوا الله حتَّى يَكْشِفَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَقَامَ يجر ثَوْبه مستعجلاً) وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ ذكر مُجَردا.
فَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ ابْن يُوسُف البُخَارِيّ البيكندي لِأَنَّهُ مِمَّن روى عَن عبد الْأَعْلَى.
وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْأَعْلَى، فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ أَبَاهُ وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الْبَصْرِيّ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيعِ بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.

والْحَدِيث قد مضى فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد عَن يُونُس عَن الْحسن عَن أبي بكرَة رَضِي الله عَنهُ ومنضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( فَقَامَ يجر ثَوْبه مستعجلاً) حالان متداخلان.
قَوْله: ( يجر) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: قَامَ، ( ومستعجلاً) حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: بَحر، وَفِيه دلَالَة على أَن جر الْإِزَار إِذا لم يكن خُيَلَاء جَازَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْس.
قَوْله ( وثاب النَّاس) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة يَعْنِي: رجعُوا إِلَى الْمَسْجِد بعد أَن كَانُوا خَرجُوا مِنْهُ.
قَوْله: ( فَجُليَ) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة أَي: فكشف عَنْهَا، أَي: عَن الشَّمْس.
قَوْله: ( حَتَّى يكشفها) أَي: حَتَّى يكْشف الله الشَّمْس.