فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

( بابُُ جَيْبِ القَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وغيْرِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر جيب الْقَمِيص الْكَائِن من عِنْد الصَّدْر، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا وَقع فِي حَدِيث الْبابُُ من قَوْله: وَيَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه، فَإِن الظَّاهِر أَنه كَانَ لابس قَمِيص وَكَانَ فِي طوقه فَتْحة إِلَى صَدره، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: كَانَ الجيب فِي ثِيَاب السّلف عِنْد الصَّدْر، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: كَانَ أَبَا عبد الله أورد الْخَبَر فَيصير مَا يوضع فِيهِ شَيْء فِي الصَّدْر وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الجيب الَّذِي يُحِيط بالعنق جيب فِي الثَّوْب أَي: جعل فِيهِ ثقب وإدخاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعيه من الجيب حَيْثُ يَلِي الصَّدْر.
قلت: الجيب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة، وَهُوَ مَا يقور من الثَّوْب ليخرج مِنْهُ رَأس اللابس، وَيُسمى ذَلِك الْموضع المقور جيباً،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الجيب للقميص، تَقول: جبت الْقَمِيص أجوبة وأجيبه إِذا قورت جيبه، وَذكره فِي بابُُ معتل الْعين من الْوَاو، وَفِي ( الْمطَالع) : وَقيل: هُوَ من ذَوَات الْيَاء.



[ قــ :5484 ... غــ :5797 ]
- حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا أبُو عامِرٍ حَدثنَا إبْراهِيمُ بنُ نافِعٍ عنِ الحَسَنِ عنْ طاوُوس عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَثَلَ البَخِيلِ والْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَليْهِما جُبَّتانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطَرَّتْ أيْدِيهُما إِلَى ثُدِيِّهِما وتَرَاقِيهِما، فَجَعَلَ المتَصَدِّقُ كُلَّما تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حتَّى تَغْشَى أنامِلَهُ وتعْفُوَ أثَرَهُ، وجَعَلَ البخِيلُ كُلَّما هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وأخَذَتْ كلُّ حَلْقَةٍ بِمَكانِها، قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنا رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بإصْبَعِهِ هاكَذَا فِي جَيْبِهِ، فَلوْ رأيْتَهُ يُوَسِّعُها وَلَا تَتَوَسَّعُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَيَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه) وَتَمام الْكَلَام مر آنِفا، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المنسدي، وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْقَاف، وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع المَخْزُومِي، وَالْحسن هُوَ ابْن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ.

والْحَدِيث قد مرفى الزَّكَاة فِي: بابُُ مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: مثل الْبَخِيل والمتصدق شبههما برجلَيْن أَرَادَ كل مِنْهُمَا أَن يلبس درعاً، فَجعل مثل الْمُنفق مثل من لبسهَا سابغة فاسترسلت عَلَيْهِ حَتَّى سترت جَمِيع بدنه وَزِيَادَة، وَمثل الْبَخِيل كَرجل يَده مغلولة إِلَى عُنُقه مُلَازمَة لتر قوته، وَصَارَت الدرْع ثقلاً ووبالاً عَلَيْهِ لَا يَتَّسِع بل تنزوي عَلَيْهِ من غير وقاية لَهُ.
قَوْله: ( عَلَيْهِمَا جبتان) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة تَثْنِيَة جُبَّة.
قَوْله: ( إِلَى ثديهما) بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة جمع ثدي، والثدي يذكر وَيُؤَنث، وَهُوَ للْمَرْأَة وَالرجل وَالْجمع أثد وثدي على فعول وثدي أَيْضا بِكَسْر الثَّاء لما بعْدهَا من الْكسر.
قَوْله: ( وتراقيهما) تَثْنِيَة ترقوة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف، وَهِي الْعظم الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والعاتق.
قَوْله: ( حَتَّى تغشى) أَي: حَتَّى تغطي أنامله، وَهِي رُؤُوس الْأَصَابِع وَاحِدهَا أُنملة، وفيهَا تسع لُغَات بِتَثْلِيث الْهمزَة مَعَ تثليث الْمِيم.
قَوْله: ( وَتَعْفُو أَثَره) أَي: تمحو آثَار مشْيَة لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها.
قَوْله: ( قلصت) بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: تَأَخَّرت وانضمت وانزوت.
قَوْله: ( كل حَلقَة) بِسُكُون اللَّام وَكَذَا حَلقَة الْبابُُ وَالْقَوْم وَجَمعهَا حلق على غير قِيَاس، يَعْنِي: بِفَتْح اللَّام وَحكى عَن أبي عَمْرو: أَن الْوَاحِد حَلقَة بِالتَّحْرِيكِ وَالْجمع حلق بِالْفَتْح،.

     وَقَالَ  الشَّيْبَانِيّ: لَيْسَ فِي الْكَلَام حَلقَة بِالتَّحْرِيكِ إلاَّ جمع حالق.
قَوْله: ( يَقُول بإصبعه هَكَذَا فِي جيبه) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: جبته، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق ثمَّ ضمير، وَالْأول أولى لموافقته للتَّرْجَمَة وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَعَلِيهِ اقْتصر الْحميدِي.
وَفِيه: دلَالَة على أَن جيبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي صَدره لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي يَده لم تضطر يَدَاهُ إِلَى ثدييه وتراقيه.
قَوْله: ( فَلَو رَأَيْته) جَوَابه مَحْذُوف نَحْو: لتعجبت مِنْهُ، أَو: هُوَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب.
قَوْله: ( يوسعها) أَي: يُوسع الْبَخِيل الْجُبَّة الَّتِي عَلَيْهِ يَعْنِي: كلما يعالج أَن يوسعها فَلَا تتوسع بل تزداد ضيقا ولزاماً.

تابَعَهُ ابنُ طاوُوس عنْ أبِيهِ وأبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ فِي الجُبَّتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  حَنْظَلَة: سَمِعْتُ طاوُوساً سمِعتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتانِ،.

     وَقَالَ  جَعْفَرٌ عنِ الأعْرَجِ: جُنَّتانِ.

أَي: تَابع الْحسن بن مُسلم ابْن طَاوُوس يَعْنِي عبد الله عَن أَبِيه طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة فِي رِوَايَته: جبتان، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة مُسندَة فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، رَوَاهُ عَن مُوسَى عَن وهيب عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة ... الحَدِيث، وَفِيه: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة.
قَوْله: ( وَأَبُو الزِّنَاد) أَي: وَتَابعه أَيْضا أَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة أَيْضا فِي الْبابُُ الْمَذْكُور عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة.
وَفِيه أَيْضا: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَوْله: ( وَقَالَ حَنْظَلَة) هُوَ ابْن أبي سُفْيَان إِلَى آخِره ... وَفِيه أَيْضا: جبتان، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي الزَّكَاة أَيْضا قَوْله: ( وَقَالَ جَعْفَر عَن الْأَعْرَج: جنتان) أَي: قَالَ جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج: جنتان، بالنُّون تَثْنِيَة جنَّة، وَهِي الْوِقَايَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: جَعْفَر بن ربيعَة، وَهُوَ الصَّوَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: جَعْفَر بن حَيَّان، وَكَذَا وَقع عِنْد ابْن بطال، وَهُوَ خطأ وَقد ذكرهَا فِي الزَّكَاة،.

     وَقَالَ  اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر عَن ابْن هُرْمُز سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جنتان.