فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب البرود والحبرة والشملة

( بابُُ البُرُودِ والحِبرَةِ والشَّمْلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ البرود، وَهُوَ جمع بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة وَهِي كسَاء أسود مربع فِيهِ صغر تلبسه الْأَعْرَاب،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: البرود كالأردية والميازر وَبَعضهَا أفضل من بعض،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: النمرة والبردة سَوَاء قَوْله: ( والحبرة) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة على وزن: عنبة، وَهِي الْبرد الْيَمَانِيّ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هِيَ الخضراء لِأَنَّهَا لِبَاس أهل الْجنَّة، وَلذَلِك يسْتَحبّ فِي الْكَفَن، وسجى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَالْبَيَاض خير مِنْهَا، وَفِيه كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل: أحد أَكْفَانه حبرَة وَالْأول أَكثر،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: الموشية المخططة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: البرود هِيَ برود الْيمن تصنع من قطن وَهِي الحبرات يشْتَمل بهَا، وَهِي كَانَت أشرف الثِّيَاب عِنْدهم، أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجى بهَا حِين توفّي، وَلَو كَانَ شَيْء أفضل من البرود لسجي بِهِ.
قَوْله: ( والشملة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَهِي كسَاء يشْتَمل بهَا أَي: يلتحف بهَا، قَالَه الْجَوْهَرِي،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هِيَ الْبردَة.

وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنا إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ
خبابُ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبباءين موحدتين الأولى مِنْهُمَا مُشَدّدَة: ابْن الْأَرَت.
قَوْله: ( شَكَوْنَا) أَي: من الْكفَّار وإيذائهم لنا.
قَوْله: ( بردة لَهُ) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بردته، وَهَذَا طرف من حَدِيث مَوْصُول، وَقد مضى فِي المبعث النَّبَوِيّ فِي: بابُُ مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِمَكَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.



[ قــ :5496 ... غــ :5809 ]
- حدّثنا إسْماعيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ إسْحااقَ بنِ عبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَليْهِ بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غَلِيظُ الحاشِيَةِ، أدْرَكَهُ أعْرًّبِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ جَبْذَةً شَديدَةً حتَّى نَظَرْتُ إِلَى صفْحَةِ عاتِقِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أثَّرَتْ بِها حاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ.
مُرْ لِي مِنْ مالِ الله الَّذي عنْدَكَ، فالْتَفَتَ إلَيْه رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطاءٍ.
( انْظُر الحَدِيث: 3149 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَعَلِيهِ برد نجراني) وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس عَن يحيى بن بكير، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي.

قَوْله: ( وَعَلِيهِ برد) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: وَعَلِيهِ رِدَاء.
قَوْله: ( نجراني) نِسْبَة إِلَى نَجْرَان بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وبالراء وَالنُّون، وَهِي بَلْدَة من الْيمن.
قَوْله: ( فأدركه أَعْرَابِي) زَاد همام من أهل الْبَادِيَة.
قَوْله: ( فجبذه) أَي: فَجَذَبَهُ وهما بِمَعْنى وَاحِد لُغَتَانِ مشهورتان.
قَوْله: ( فِي صَحْفَة عاتق) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عنق، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، وصفح الشَّيْء وصفحته جِهَته وجانبه.
قَوْله: ( أثرت بهَا) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: أثرت فِيهَا، وَفِي رِوَايَة همام: حَتَّى انْشَقَّ الْبرد وَذَهَبت حَاشِيَته فِي عُنُقه، وَزَاد: أَن ذَلِك وَقع من الْأَعرَابِي لما وصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حجرته، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ لقِيه خَارج الْمَسْجِد فأدركه لما كَاد يدْخل، فَكَلمهُ وَأمْسك بِثَوْبِهِ لما دخل الْمَسْجِد، فَلَمَّا كَاد يدْخل الْحُجْرَة خشِي أَن يفوتهُ فجبذه.
قَوْله: ( مرلي) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: أَعْطِنِي.
قَوْله: ( ثمَّ ضحك) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: فَتَبَسَّمَ، وَفِي رِوَايَة همام ( فَأمر لَهُ بِشَيْء) .

وَفِيه: بَيَان حلمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَبره على الْأَذَى فِي النَّفس وَالْمَال والتجاوز عَن جفَاء من يُرِيد تألفه على الْإِسْلَام وليتأسى بِهِ الْوُلَاة من بعده فِي خلقه الْجَمِيل من الصفح والإغضاء وَالدَّفْع بِالَّتِي هِيَ أحسن.





[ قــ :5497 ... غــ :5810 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ بِبُرْدَةٍ قَالَ سَهْلٌ: هلْ تَدْري مَا البُرْدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حاشِيَتِها قالَتْ: يَا رسولَ الله { إنِّي نَسَجْتُ هاذِه بيَدِي أكْسُوكَها، فأخَذَها رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحْتاجاً إلَيها، فَخَرَجَ إليْنا وإنَّها لإزارُهُ، فَجَسَّها رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله} اكْسُنِيها، قَالَ: نَعَمْ، فَجَلَسَ مَا شاءَ الله فِي المَجْلِسِ ثمَّ رَجَعَ فَطَواها، ثُمَّ أرْسَلَ بِها إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أحْسَنْتَ، سألْتَها إيَّاهُ وقَدْ عرَفْتَ أَنه لَا يَرُدُّ سائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالله مَا سألْتُها إلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكانَتْ كَفَنَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله الْقَارِي من القارة، وَهِي حَيّ من الْعَرَب أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.

والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ من استعد الْكَفَن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن سَلمَة عَن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( هَل تَدْرِي) ويروى: هَل تَدْرُونَ؟ وَفِي رِوَايَة: أَتَدْرُونَ؟ قَوْله: ( منسوج) يَعْنِي: كَانَت لَهَا حَاشِيَة، وَفِي نسجها مُخَالفَة لنسج أَصْلهَا لوناً ودقة ورقة.
قَوْله: ( مُحْتَاجا إِلَيْهَا) ويروى: مُحْتَاج، بِالرَّفْع فالنصب على الْحَال وَالرَّفْع على تَقْدِير: وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهَا.
قَوْله: ( فحبسها) بِالْجِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة أَي: مَسهَا، بِيَدِهِ، ويروى: فحسنها، من التحسين بالمهملتين.





[ قــ :5498 ... غــ :5811 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ ألْفاً تُضِيءٌ وُجُوهُهُمْ إضاءَةَ القَمَرِ، فقامَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ الأسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَليْهِ، قَالَ: ادْعُ الله لِي يَا رسولَ الله أنْ يجْعَلَني مِنْهُمْ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَبَقَكَ عُكاشَةُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( يرفع نمرة لَهُ) والنمرة بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم هِيَ الشملة الَّتِي فِيهَا خطوط ملونة كَأَنَّهَا أخذت من جلد النمر لَا شتراكهما فِي التلون
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( إضاءة الْقَمَر) أَي: كإضاءة الْقَمَر.
قَوْله: ( سَبَقَك عكاشة) يَعْنِي بِالدُّعَاءِ لَهُ قيل قد مر فِي كتاب الطِّبّ أَن عكاشة قَالَ ذَلِك فِي قصَّة الَّذين لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَأجِيب بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة فَلَا مُنَافَاة بَينهمَا.





[ قــ :5499 ... غــ :581 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عاصِمٍ حَدثنَا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَس، قَالَ:.

قُلْتُ لهُ: أيُّ الثِّيابِ أَي كَانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: الحِبَرَةُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الْحبرَة) وَقد مر تَفْسِيرهَا عَن قريب.
وَعَمْرو بن عَاصِم الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد جَمِيعًا فِي اللبَاس عَن هدبة بن خَالِد، وَإِنَّمَا كَانَت الْحبرَة أحب الثِّيَاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كثير زِينَة، وَلِأَنَّهَا أَكثر احْتِمَالا للوسخ.





[ قــ :5500 ... غــ :5813 ]
- حدّثني عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَدِ حَدثنَا مُعاذ قَالَ: حدّثني أبي عنْ قَتادةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أحَبُّ الثِّيابِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَلْبَسَها الحِبَرَةَ.
( انْظُر الحَدِيث: 581) .


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود حميد الْبَصْرِيّ الْحَافِظ عَن معَاذ بن هِشَام الدستوَائي، يروي عَن أَبِيه هِشَام بن أبي عبد الله عَن قَتَادَة إِلَى آخِره.





[ قــ :5501 ... غــ :5814 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرَني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخْبرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُردْدٍ حِبَرَةٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي.

قَوْله: ( حِين سجي) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم الْمَكْسُورَة أَي: حِين توفّي غطي بِبرد حبرَة بِالْإِضَافَة وَالصّفة وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

تمّ بعون الله وَحسن توفيقه طبع الْجُزْء الْحَادِي وَالْعِشْرين من ( عُمْدَة القارىء) شرح ( صَحِيح البُخَارِيّ) ويليه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وأوله بابُُ الأكسية والخمائص وفقنا الله لتَمام طبعه، وألهم الْمُسلمين لما فِيهِ خَيرهمْ وصلاحهم آمين.
<"