فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الجلوس على الحصير ونحوه

( بابُُ الجُلُوسِ على الحَصِيرِ ونَحْوِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ ذكر الْجُلُوس على الْحَصِير، وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ من سعف النّخل وَغَيره.
قَوْله: وَنَحْوه، إِشَارَة إِلَى الْأَشْيَاء الَّتِي تبسط وَيجْلس عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ قدر.



[ قــ :5547 ... غــ :5861 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْر حَدثنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ سَعِيدِ بنِ أبِي سَعِيدٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ النبَّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَحْتَجِرُ حَصيراً باللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، ويَبْسُطُهُ بالنَّهارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثوبُونَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُصَلُّونَ بِصلاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فأقْبَلَ فَقَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأعْمالِ مَا تُطِيقُونَ فإنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وإنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إِلَى مَا دامَ وإنْ قَلَّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فيجلس عَلَيْهِ) أَي: على الْحَصِير.
وَمُحَمّد بن أبي بكر هُوَ الْمقدمِي، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد هُوَ المَقْبُري، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة من التَّابِعين الْمَدَنِيين.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ صَلَاة الَّيْلِ عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، وَمضى فِي الْإِيمَان فِي: بابُُ أحب الدّين إِلَى الله من غير هَذَا الْوَجْه.

قَوْله: ( يحتجر) أَي: يتَّخذ حجرَة لنَفسِهِ، يُقَال: احتجر الأَرْض إِذا ضرب عَلَيْهَا مَا يمْنَعهَا بِهِ عَن غَيره، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحتجز، بزاي فِي آخِره.
قَوْله: ( يثوبون) بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: يَجْتَمعُونَ.
قَالَه الْكرْمَانِي: وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: يرجعُونَ، لِأَنَّهُ من ثاب إِذا رَجَعَ.
قَوْله: ( فَأقبل) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( لَا يمل) من الملال وَهُوَ كِنَايَة عَن عدم الْقبُول، وَالْمعْنَى: فَإِن الله يقبل أَعمالكُم حَتَّى تملوا فَإِنَّهُ لَا يقبل مَا يصدر مِنْكُم على سَبِيل الملالة، وَأطلق الملال على طَرِيق المشاكلة.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هُوَ كِنَايَة عَن التّرْك أَي: لَا يتْرك الثَّوَاب مَا لم تتركوا الْعَمَل، وَهَذَا أحسن من الأول.
قَوْله: ( مَا دَامَ) أَي: دواماً عرفياً، إِذْ حَقِيقَة الدَّوَام وَهُوَ شُمُول جَمِيع الْأَزْمِنَة غير مَقْدُور، وَوَقع فِي رِوَايَة الكشهميهني: مَا دوَام.
فَإِن قلت: يُعَارض حَدِيث الْبابُُ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق شُرَيْح بن هانىء أَنه سَأَلَ عَائِشَة: أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على الْحَصِير، وَالله يَقُول: { ( 71) وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} ( الْإِسْرَاء: 8) .
فَقَالَت: لم يكن يُصَلِّي على الْحَصِير.
قلت: هَذَا ضَعِيف لَا يُقَاوم مَا فِي الصَّحِيح، وَأَيْضًا يُمكن، الْجمع بِأَن يحمل النَّفْي على المداومة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَكِن يخدش فِيهِ مَا ذكره شُرَيْح من الْآيَة.
قلت: لَا خدش فِيهِ أصلا، لِأَن معنى الْآيَة: حَصِيرا، أَي: محبساً، يُقَال للسجن: محصر وحصير.
<