فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه

( بابُُ من جَعَلَ فَصَّ الخاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من جعل فص خَاتمه عِنْد لبسه فِي بطن كَفه، وَسقط.
لفظ: بابُُ، من رِوَايَة أبي ذَر،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: لَيْسَ فِي كَون فص الْخَاتم فِي بطن الْكَفّ وَلَا ظهرهَا أَمر وَنهي، وكل ذَلِك مُبَاح، وَيُقَال: إِن السِّرّ فِيهِ أَن جعل الفص فِي بَاطِن الْكَفّ أبعد من أَن يظنّ أَن فعله للتزين، والتزين لَا يَلِيق للرِّجَال، وَقد روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: رَأَيْت على الصَّلْت بن عبد الله بن نَوْفَل بن عبد الْمطلب خَاتمًا فِي خِنْصره الْيُمْنَى، فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس يلبس خَاتمه هَكَذَا، وَجعل فصه على ظهرهَا، قَالَ: وَلَا أخال إلاَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس خَاتمه كَذَلِك،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن الصَّلْت حسن.



[ قــ :5562 ... غــ :5876 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعيل حَدثنَا جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله حدَّثَهُ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصْطَنَعَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذا لَبِسَهُ، فاصْطَنَعَ النَّاسُ خَواتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ اصطَنَعْتُهُ وإنِّي لَا ألْبَسُهُ فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ، قَالَ جُوَيْرِيَّةُ: وَلَا أحْسِبُهُ إلاَّ قَالَ: فِي يَدِهِ اليُمْنَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَجعل فصه فِي بَاطِن كَفه) وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء، وَكِلَاهُمَا مشتركان فِي الْمُذكر والمؤنث.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( وَجعل فصه) كَذَا للأكثرين جعل بِلَفْظ الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: وَيجْعَل، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَمضى شرح الحَدِيث فِي: بابُُ خَاتم الذَّهَب.
قَوْله: ( فنبذه) أَي: فطرحه.
قَوْله: ( قَالَ جوَيْرِية) ، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  أَبُو ذَر فِي رِوَايَته: لم يَقع فِي البُخَارِيّ مَوضِع الْخَتْم من أَي الْيَدَيْنِ إلاَّ فِي هَذَا.

وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي التَّخَتُّم فِي الْيُمْنَى: مِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي يَمِينه، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي يَمِينه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) .
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار وَأَبُو الشَّيْخ.
وَمِنْهَا: حَدِيث أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يَمِينه، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي: ( الْكَبِير) وَأَبُو الشَّيْخ فِي: ( كتاب الْأَخْلَاق) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يتختم فِي يَمِينه حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( غرائب مَالك) .

ووردت أَحَادِيث أُخْرَى فِي التَّخَتُّم فِي الْيَسَار.
مِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلبس خَاتمه فِي يسَاره، وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ وَإِسْنَاده ضَعِيف.
وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم فِي يسَاره وَكَانَ فصه فِي بَاطِن كَفه، أخرجه أَبُو دَاوُد، وَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبابُُ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن يتختمان فِي يسارهما،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَقد جَاءَ فِي بعض طرقه: عَن الْحسن وَالْحُسَيْن رفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعَمْرو وَعلي رَضِي الله عَنْهُم، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي ( كتاب أَخْلَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالْبَيْهَقِيّ فِي ( كتاب الْأَدَب) من رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعَمْرو وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم، يتختمون فِي الْيَسَار.

وَقد اخْتلف الروَاة عَن أنس: هَل كَانَ يتختم فِي يَمِينه أَو يسَاره؟ وَقد، رَوَاهُ عَنهُ ثَابت الْبنانِيّ، وثمامة بن عبد الله، وَحميد الطَّوِيل، وَشريك بن بَيَان على الشَّك فِيهِ، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَقَتَادَة، وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
فَأَما ثُمَامَة وَحميد وَشريك بن بَيَان وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب فَلَيْسَ فِي رواياتهم تعرض لذكر الْيَمين أَو الْيَسَار.
وَأما رِوَايَة ثَابت وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ فَفِيهَا التَّعَرُّض لذَلِك.
فَأَما رِوَايَة ثَابت فأخرجها مُسلم من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذِه، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصر من يَده الْيُسْرَى.
وَأما رِوَايَة قَتَادَة فَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا، فَقَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة عَنهُ عَن أنس: كَانَ يتختم فِي يَمِينه،.

     وَقَالَ  شُعْبَة وَعَمْرو بن عَامر عَن قَتَادَة، عَنهُ: كَانَ يتختم فِي يسَاره، وَأما رِوَايَة الزُّهْرِيّ فرواها طَلْحَة وَيحيى الزرقي وَسليمَان بن بِلَال عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس خَاتم فضَّة فِي يَمِينه، وَرَوَاهُ ابْن وهب ومعتمر ابْن سُلَيْمَان عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس من غير تعرض لذكر لبسه لَهُ فِي يَمِينه.

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن اخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي ذَلِك، فَقَالَ: لَا يثبت هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَكِن فِي يَمِينه أَكثر، وَرجح الشَّافِعِيَّة الْيَمين وَهُوَ الْأَشْهر عِنْدهم،.

     وَقَالَ  شَيخنَا فِي ( شرح التِّرْمِذِيّ) : فِي الْأَحَادِيث اسْتِحْبابُُ التَّخَتُّم فِي الْيَمين، وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن التَّخَتُّم فِي الْيَمين أفضل مِنْهُ فِي الْيَسَار، وَذهب مَالك إِلَى اسْتِحْبابُُ التَّخَتُّم فِي الْيَسَار، وَكره التَّخَتُّم فِي الْيَمين.

     وَقَالَ : إِنَّمَا يَأْكُل وَيشْرب وَيعْمل بِيَمِينِهِ فَكيف يُرِيد أَن يَأْخُذ باليسار ثمَّ يعْمل؟ قيل لَهُ: أفيجعل الْخَاتم فِي الْيَمين للْحَاجة يذكرهَا؟ قَالَ: لَا بَأْس بذلك، وَأما مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فقد ذكر فِي الْأَجْنَاس وَيَنْبَغِي أَن يلبس خَاتمه فِي خِنْصره الْيُسْرَى وَلَا يلْبسهُ فِي الْيَمين وَلَا فِي غير خنصر الْيُسْرَى من أَصَابِعه، وَسوى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي ( شرح الْجَامِع الصَّغِير) بَين الْيَمين واليسار،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: هُوَ الْحق لاخْتِلَاف الرِّوَايَات، وَيُقَال: جَاءَت أَحَادِيث صَحِيحَة فِي الْيَمين، وَلَكِن اسْتَقر الْأَمر على الْيَسَار.
قلت: يدل على ذَلِك مَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي ( شرح السّنة) : إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تختم أَولا فِي يَمِينه ثمَّ تختم فِي يسَاره، وَكَانَ ذَلِك آخر الْأَمريْنِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْقَصْد، فَإِن كَانَ الْقَصْد للتزين بِهِ فاليمين أفضل، وَإِن كَانَ للتختم بِهِ فاليسار أفضل، انْتهى.
قلت: إخفاء هَذَا كَانَ أولى من ظُهُوره، وَمن أَيْن هَذَا التَّفْصِيل وَالْحَال أَن التَّخَتُّم للزِّينَة مَكْرُوه لَا يَلِيق للرِّجَال؟ بل تَركه أولى مُطلقًا إلاَّ لذِي حكم، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قلت: إِذا تختم فِي غير خِنْصره مَا يكون حكمه؟ قلت: يكره أَشد الْكَرَاهَة، وَفِيه مُخَالفَة للسّنة.
حكى صَاحب ( الكافى) من الشَّافِعِيَّة وَجْهَيْن فِي جَوَاز لبسه فِي غير خِنْصره، وَذكر الرَّافِعِيّ أَن الْمَرْأَة قد تتختم فِي غير الْخِنْصر.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ التَّخَتُّم بِغَيْر الْفضة مَاذَا يكون حكمه؟ قلت: أما من الذَّهَب فَحَرَام على الرِّجَال، وَأما من الْحَدِيد والرصاص والنحاس وَنَحْوهَا فَكَذَلِك حرَام مُطلقًا، وَأما العقيق فَلَا بَأْس بالتختم بِهِ، وروى أَصْحَابنَا أثرا فِيهِ، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتختم بالعقيق،.

     وَقَالَ : تختموا بِهِ فَإِنَّهُ مبارك.
قلت: فِيهِ نظر، وَلَكِن ابْن منجويه روى عَن إِبْرَاهِيم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( من تختم بالياقوت الْأَصْفَر لن يفْتَقر، والزمرد يَنْفِي الْفقر) .
.

     وَقَالَ : من لَيْسَ العقيق لم يقْض لَهُ إلاَّ بِالَّذِي هُوَ أسعد فَإِنَّهُ مبارك، وَصَلَاة فِي خَاتم عقيق بِثَمَانِينَ صَلَاة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَلَا أصل لذَلِك، وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تختم بالعقيق وَنقش عَلَيْهِ: وَمَا توفيقي إلاَّ بِاللَّه، وَفقه الله لكل خير وأحبه الْملكَانِ الموكلان بِهِ، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي ( الموضوعات) .