فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المتفلجات للحسن

( بابُُ المُتَفَلِّجاتِ لِلْحَسْنن)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذمّ النِّسَاء المتفلجات لِلْحسنِ، أَي: لأجل الْحسن، وَهِي جمع متفلجة قَالَ بَعضهم: وَهِي الَّتِي تطلب الفلج أَو تَصنعهُ، والفلج بِالْفَاءِ وَاللَّام وَالْجِيم انفراج مَا بَين الْأَسْنَان.
قلت: بابُُ التفعل لَيْسَ فِيهِ معنى الطّلب، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّكَلُّف وَالْمُبَالغَة فِيهِ.
وَالْمعْنَى هُنَا المتفلجة هِيَ الَّتِي تتكلف بِأَن تفرق بَين الْأَسْنَان لأجل الْحسن وَلَا يَتَيَسَّر ذَلِك إلاَّ بالمبرد وَنَحْوه وَلَا يفعل ذَلِك إلاَّ فِي الثنايا والرباعيات، وَلَقَد لعن الشَّارِع من صنعت ذَلِك من النِّسَاء لِأَن فِيهِ تَغْيِير الْخلقَة الْأَصْلِيَّة.



[ قــ :5611 ... غــ :5931 ]
- حدَّثنا عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله لَعنَ الله الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلّجاتِ للْحُسنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله تَعَالَى، مَالِي لَا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ فِي كِتابِ الله { وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس.
وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْحَشْر عَن مُحَمَّد بن يُوسُف مطولا، وَعلي بن عبد الله.

قَوْله: ( لعن الله الْوَاشِمَات) أَي: النِّسَاء الْوَاشِمَات، وَهُوَ جمع واشمة من الوشم بالشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ غرز الإبرة فِي الْيَد وَنَحْوهَا ثمَّ ذَر النيلة عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: كَانَت الْمَرْأَة تغرز معصمها بإبرة أَو مسلة حَتَّى تدميه ثمَّ تحشوه بالكحل فيخضر، تفعل ذَلِك دارات ونقوشاً يُقَال مِنْهُ: وشمت الْمَرْأَة تشم فَهِيَ واشمة.
قَوْله: ( وَالْمُسْتَوْشِمَات) جمع مستوشمة.
وَهِي الَّتِي تسْأَل وتطلب أَن يفعل ذَلِك بهَا، وَسَيَأْتِي بعد بابَُُيْنِ من وَجه آخر عَن مَنْصُور بِلَفْظ: المستوشمات، وَهُوَ بِكَسْر الشين الَّتِي تفعل ذَلِك وَبِفَتْحِهَا الَّتِي تطلب ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق مَنْصُور: والموشومات، وَهِي من يفعل بهَا الوشم،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد فِي ( السّنَن) : الواشمة الَّتِي تجْعَل الخيلان فِي وَجههَا بكحل أَو مداد، والمستوشمة الْمَعْمُول بهَا.
انْتهى وَذكر الْوَجْه للْغَالِب، وَأكْثر مَا يكون فِي الشّفة.
قَوْله: ( وَالْمُتَنَمِّصَات) جمع متنمصة من التنمص وَهُوَ نتف الشّعْر من الْوَجْه، وَمِنْه قيل للمنقاص المنماس، والنامصة هِيَ الَّتِي تنتف الشّعْر بالمنماص.
قَوْله: ( والمتنمصة) هِيَ الَّتِي يفعل ذَلِك بهَا، وَقد مر الْآن تَفْسِير المتفلجات.
قَوْله: ( لِلْحسنِ) اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل احْتِرَازًا عَمَّا لَو كَانَ للمعالجة وَمثلهَا، وَهُوَ يتَعَلَّق بالأخير وَيحْتَمل أَن يكون متنازعاً فِيهِ بَين الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة كلهَا.
قَوْله: ( الْمُغيرَات خلق الله تَعَالَى) كالتعليل لوُجُوب اللَّعْن.
قَوْله: ( مَالِي) اسْتِفْهَام أَو نفي قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِي قَوْله: أَو نفي، نظر.
قَوْله: ( هُوَ) أَي: ( اللَّعْن فِي كتاب الله) ، أَي: مَوْجُود فِيهِ.
وَهُوَ قَوْله عز وَجل: { وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} ( الْحَشْر: 7) فَمَعْنَاه إلعنوا من لَعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرجه مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم شَيْخي البُخَارِيّ فِيهِ أتم سياقاً مِنْهُ، فَقَالَ: فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أَسد يُقَال لَهَا: أم يَعْقُوب وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن فَأَتَتْهُ يَعْنِي: أَتَت عبد الله بن مَسْعُود، فَقَالَت: مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْك أَنَّك لعنت الْوَاشِمَات؟ ... إِلَى آخِره، فَقَالَ عبد الله: وَمَالِي لَا ألعن ... الحَدِيث.
وَأم يَعْقُوب لم يدر إسمها، ومراجعتها عبد الله بن مَسْعُود تدل على أَن لَهَا إدراكاً، وَلَكِن لم يذكرهَا أحد فِي الصحابيات.