فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نقض الصور

( بابُُ نَقْضِ الصُّوَرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان نقض الصُّور، والنقض بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْقَاف وبالضاد الْمُعْجَمَة من نقض الشَّيْء وَهُوَ تَغْيِير هَيئته بِكَسْر وَنَحْوه.



[ قــ :5631 ... غــ :5952 ]
- حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضالَةَ حدّثنا هِشامٌ عَنْ يَحْياى عَنْ عِمْرَانَ بنِ حطَّانَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حدَّثَتْهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فِيهِ تَصالِيبُ إلاَّ نَقَضَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ومعاذ بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِشَام هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَعمْرَان بن حطَّان بِكَسْر الْمُهْملَة الأولى وَشدَّة الثَّانِيَة وبالنون السدُوسِي.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود الجحدري.

قَوْله: ( يتْرك) بِالرَّفْع وبالجزم بَدَلا مِمَّا قبله.
قَوْله: ( فِيهِ تصاليب) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي التصاوير كالصليب، يُقَال: ثوب مصلب أَي: عَلَيْهِ نقش كالصليب الَّذِي لِلنَّصَارَى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: التصاليب جمع صَلِيب كَأَنَّهُمْ سموا مَا كَانَت فِيهِ صُورَة الصَّلِيب تصليباً تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ.
قلت: على مَا ذكره يكون التصاليب جمع تصليب لَا جمع صَلِيب، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: تصاوير بدل تصاليب.
قَوْله: ( نقضه) أَي: كَسره وأبطله وَغير صورته، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبان: الْأَقْضِيَة بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحات، ورجحها بعض شرَّاح ( المصابيح) ورده الطَّيِّبِيّ.

     وَقَالَ : رُوَاة البُخَارِيّ أضبط والاعتماد عَلَيْهِم أولى.





[ قــ :563 ... غــ :5953 ]
- حدَّثنا مُوسَى عَبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا عُمارَةُ حَدثنَا أبُو زُرْعَة قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أبي هُرَيْرَةَ دَارا بالمَدِينَةِ فَرَأى أعْلاَها مُصَوِّراً يُصَوِّرُ، قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: ومنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً ثُمَّ دَعا بِتَوْرٍ مِنْ ماءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إبْطَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.
أشَيْءٌ مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: مُنْتَهى الحِلْيَةِ.
(انْظُر الحَدِيث الحَدِيث 5953 طرفه فِي: 7559) .


لَيْسَ فِيهِ تعرض إِلَى النَّقْض وَلم تبْق الْمُطَابقَة إلاَّ فِي لفظ: الصُّور، فَقَط.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَعمارَة بِالضَّمِّ هُوَ ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة هوا بن عَمْرو بن جرير.

قَوْله: (دَارا بِالْمَدِينَةِ) هِيَ لمروان بن الحكم، وَقع ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم لَهُ: دَارا تبنى لسَعِيد أَو لمروان بِالشَّكِّ، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْعَاصِ بن سعيد الْأمَوِي، وَكَانَ هُوَ ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وَالرِّوَايَة الجازمة أولى.
قَوْله: (مصوراً) أَي: شخصا مصوراً، وَهُوَ إسم فَاعل من التَّصْوِير وانتصابه على أَنه مفعول رأى.
قَوْله: (أَعْلَاهَا) أَي: أَعلَى الدَّار، أَرَادَ سقفها.
قَوْله: (يصور) على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمُضَارع فِي مَحل النصب على الْحَال، مَعْنَاهُ: يصنع الصُّور.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مصوراً بِلَفْظ الْمَفْعُول، وبصور بِلَفْظ الْجَار وَالْمَجْرُور.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ بعيد.
قلت: لم يبين وَجه بعده فَلَا بعد أصلا بل هُوَ أقرب على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (وَمن أظلم مِمَّن ذهب يخلق) أَي: وَلَا أحد أظلم مِمَّن قصد حَال كَونه يخلق أَي: يصنع وَيقدر كخلقي، وَفِيه حذف تَقْدِيره: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى: { وَمن أظلم} ... إِلَى آخِره، وَنَحْوه فِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل.
فَإِن قلت: كَيفَ التَّشْبِيه فِي قَوْله: كخلقي؟ قلت: التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ، يَعْنِي: كخلقي فِي فعل الصُّورَة لَا من كل الْوُجُوه، قيل: الْكَافِر أظلم مِنْهُ.
وَأجِيب: بِأَن الَّذِي يصور الصَّنَم لِلْعِبَادَةِ هُوَ كَافِر، فَهُوَ هُوَ أَو يزِيد عَذَابه على سَائِر الْكفَّار لزِيَادَة قبح كفره.
قَوْله (حَبَّة) أَي: حَبَّة فِيهَا طعم يُؤْكَل وَينْتَفع بهَا كالحنطة والذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء النملة الصَّغِيرَة، وَالْغَرَض تعجيزهم تَارَة بِخلق الجماد، وَأُخْرَى بِخلق الْحَيَوَان.
قَوْله: (ثمَّ دَعَا) ، أَي: أَبُو هُرَيْرَة.
قَوْله: (بتور بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ إِنَاء كالطست.
قَوْله: (من مَاء) قَالَ بَعضهم: أَي: فِيهِ مَاء.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح بل الصَّحِيح أَن كلمة: من، هُنَا بِمَعْنى: الْبَاء، أَي: دَعَا بتور بِمَاء، وَكلمَة: من تَجِيء بِمَعْنى الْبَاء كَمَا كَانَ فِي قَوْله تَعَالَى: (ينظرُونَ من طرف خَفِي) (الشورى: 45) .
قَوْله: (فَغسل يَدَيْهِ) غسل الْيَد كِنَايَة عَن الْوضُوء لِأَن الْوضُوء مُسْتَلْزم لَهُ.
قَوْله: (إبطية) ويروى (ابطه) بِالْإِفْرَادِ قَوْله: (فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة) الْقَائِل أَبُو زرْعَة الرَّاوِي.
قَوْله: (أَشَيْء مسمعته؟) أَي: تَبْلِيغ المَاء إِلَى الْإِبِط شَيْء مسمعته من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ (فَقَالَ: مُنْتَهى الْحِلْية) ، أَي: التَّبْلِيغ إِلَى الْإِبِط مُنْتَهى حلية الْمُؤمن فِي الْجنَّة.
وَفِي (صَحِيح مُسلم) : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: ضمن يبلغ معنى يتَمَكَّن وعدى بِمن أَي: يتَمَكَّن من الْمُؤمن الْحِلْية مبلغا بتمكنه الْوضُوء مِنْهُ،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: الْحِلْية هُنَا التحجيل يَوْم الْقِيَامَة من أثر الْوضُوء،.

     وَقَالَ  غَيره: هُوَ من قَوْله تَعَالَى: { (81) يحلونَ فِيهَا من أساور} (الْكَهْف: 31 وَالْحج: 3، وفاطر: 33) .