فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من كره القعود على الصورة

( بابُُ مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّوَرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من كره الْقعُود على شَيْء عَلَيْهِ صُورَة، وَلَو كَانَ يداس ويمتهن.



[ قــ :5636 ... غــ :5957 ]
- حدَّثني حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حدَّثنا جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيها تَصاوِيرُ، فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالبابُِ فَلَمْ يَدْخُلْ.
فَقُلْتُ: أتُوبُ إِلَى الله مِمَّا أذْنَبْتُ { قَالَ: مَا هاذِهِ النُّمرُقَةُ؟ قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْها وتَوَسَّدَها، قَالَ: إِن أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، يُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وإنَّ المَلاَئِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنكر على عَائِشَة حِين قَالَت: ( لتجلس عَلَيْهَا وتوسدها) ، فَدلَّ ذَلِك على كَرَاهَة الْقعُود على الصُّور، وَرُوِيَ ذَلِك عَن اللَّيْث بن سعد وَالْحسن بن حييّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: ذهب ذاهبون إِلَى كَرَاهَة اتِّخَاذ مَا فِيهِ الصُّور من الثِّيَاب وَمَا كَانَ يتوطأ من ذَلِك ويمتهن وَمَا كَانَ ملبوساً، وكرهوا كَونه فِي الْبيُوت، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث وَبِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي مضى فِي الْبابُُ السَّابِق.

وَجُوَيْرِية فِي حَدِيث الْبابُُ مصغر الْجَارِيَة بِالْجِيم ابْن أَسمَاء بن عبيد وَهُوَ من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَكَذَلِكَ أَسمَاء.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، أَنَّهَا اشترت نمرقة فِيهَا تصاوير، فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَامَ على الْبابُُ فَلم يدْخل، فَعرفت فِي وَجهه الْكَرَاهِيَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله}
أَتُوب إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله، فَمَاذَا أذنبت؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا بَال هَذِه النمرقة؟ قَالَت اشْتَرَيْتهَا لَك تقعد عَلَيْهَا وتوسدها ... الحَدِيث، وَفِي لفظ لَهُ.
قَالَت: فَأَخَذته فَجَعَلته مرفقتين فَكَانَ يرتفق بهما فِي الْبَيْت.

قَوْله: ( النمرقة) بِضَم النُّون وَالرَّاء وبكسرهما وبضم النُّون وَفتح الرَّاء ثَلَاث لُغَات: الوسادة الصَّغِيرَة.
قَوْله: ( وتوسدها) أَصله تتوسدها، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وتوسدها من التوسيد، ويروى من التوسد، وَقد دلّ حَدِيث الْبابُُ على أَنه لَا فرق فِي تَحْرِيم التَّصْوِير بَين أَن تكون الصُّورَة لَهَا ظلّ أَو لَا، وَلَا بَين أَن تكون مدهونة أَو منقوشة أَو منقورة أَو منسوجة، خلافًا لمن اسْتثْنى النسج، وَادّعى أَنه لَيْسَ بتصوير،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَظَاهر حَدِيثي عَائِشَة هَذَا وَالَّذِي قبله التَّعَارُض، لِأَن الَّذِي قبله يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْتعْمل السّتْر الَّذِي فِيهِ الصُّورَة بعد أَن قطع وعملت مِنْهُ الوسادة، وَهَذَا يدل على أَنه لم يَسْتَعْمِلهُ أصلا.
قلت: لَا تعَارض بَينهمَا أصلا لِأَن هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة كَمَا ذكرنَا الْآن وَفِيه: فَجَعَلته مرفقتين فَكَانَ يرتفق بهما فِي الْبَيْت، فَهَذَا يدل على أَنه اسْتعْمل مَا عملت مِنْهَا وهما المرفقتان، غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَن البُخَارِيّ لم يرو هَذِه الزِّيَادَة، والْحَدِيث حَدِيث وَاحِد، وَقد ذهل هَذَا الْقَائِل عَن رِوَايَة مُسلم فَلذَلِك قَالَ بالتعارض، وَادّعى الدَّاودِيّ أَن هَذَا الحَدِيث نَاسخ لجَمِيع الْأَحَادِيث الدَّالَّة على الرُّخْصَة، وَاحْتج بِأَنَّهُ خبر وَالْخَبَر لَا يدْخلهُ النّسخ فَيكون هُوَ النَّاسِخ، ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَن الْخَبَر إِذا قارنه الْأَمر جَازَ دُخُول النّسخ فِيهِ.





[ قــ :5637 ... غــ :5958 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا الَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ عَنْ أبي طَلْحَةَ صاحِبِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الملائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّورَةُ، قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْناهُ فَإِذا عَلَى بابُِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ الله رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألَمْ يُخْبِرْنا زَيْدٌ عَنِ الصُّورِ يَوْمَ الأوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ الله: ألَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إلاَّ رَقْماً فِي ثَوْب؟
هَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تعرض إِلَى مَا فِي التَّرْجَمَة، وَبُكَيْر مصغر بكر بن عبد الله بن الْأَشَج بالمعجمتين، وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالراء ابْن سعيد الْمدنِي، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ، وَأَبُو طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور.

وَفِي السَّنَد تابعيان فِي نسق وصحابيان فِي نسق وَكلهمْ مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق عَن أَحْمد عَن ابْن وهب فِي: بابُُ ذكر الْمَلَائِكَة.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( فِيهِ صُورَة) كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه إلاَّ الْمُسْتَمْلِي: فِيهِ صور، بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: ( قلت) الْقَائِل هُوَ بسر بن سعيد يَقُول لِعبيد الله هُوَ ابْن الْأسود، وَيُقَال ابْن أَسد، وَيُقَال لَهُ: ربيب مَيْمُونَة، لِأَنَّهَا كَانَت ربته وَكَانَ من مواليها وَلم يكن ابْن زَوجهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر تقدم فِي الصَّلَاة من رِوَايَته عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: ( يَوْم الأول؟) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته وَالْمرَاد بِهِ الْوَقْت الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يَوْم أول.
قَوْله: ( حِين قَالَ) أَي: زيد بن خَالِد ( إِلَّا رقماً) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْقَاف وَفتحهَا النقش وَالْكِتَابَة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: المصور هُوَ الَّذِي يصور اشكال الْحَيَوَان، والنقاش الَّذِي ينقش أشكال الشّجر وَنَحْوهَا فَإِنِّي أَرْجُو أَن لَا يدْخل فِي هَذَا الْوَعيد وَإِن كَانَ جملَة هَذَا الْبابُُ مَكْرُوها وداخلاً فِيمَا يشغل الْقلب بِمَا لَا يَعْنِي،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل قَوْله: ( إِلَّا رقماً فِي ثوب) إِنَّه أَرَادَ رقماً يُوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد.
انْتهى.
وَقَالُوا: كره رَسُول الله مَا كَانَ سترا وَلم يكره مَا يداس عَلَيْهِ ويوطأ، وَبِهَذَا قَالَ سعد بن أبي وَقاص وَسَالم وَعُرْوَة وَابْن سِيرِين وَعَطَاء وَعِكْرِمَة،.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: فِيمَا يُوطأ من الصُّور هوان لَهَا، وَهَذَا أَوسط الْمذَاهب، وَبِه قَالَ مَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا نهي الشَّارِع أَولا عَن الصُّور كلهَا وَإِن كَانَت رقماً لأَنهم كَانُوا حَدِيثي عهد بِعبَادة الصُّور، فَنهى عَن ذَلِك جملَة ثمَّ لما تقرر نَهْيه عَن ذَلِك أَبَاحَ مَا كَانَ رقماً فِي ثوب للضَّرُورَة إِلَى إِيجَاد الثِّيَاب، فأباح مَا يمتهن لِأَنَّهُ يُؤمن على الْجَاهِل تَعْظِيم مَا يمتهن، وَبَقِي النَّهْي فِيمَا لَا يمتهن.

وَقَالَ ابنُ وَهْبٍ: أخبرنَا عَمْروٌ وهُوَ ابنُ الحارِثِ حدَّثهُ بُكَيْرٌ حدَّثَهُ بُسْرٌ حدّثَهُ زَيْدٌ حدّثَهُ أبُو طَلْحَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ...
أَي: قَالَ عبد الله حَدثنَا ابْن وهب إِلَى آخِره، فَذكره هُنَا مُعَلّقا، وَوَصله فِي بَدْء الْخلق.