فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه

( بابُُ حَمْلِ صاحِبِ الدَّابَةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حمل صَاحب الدَّابَّة غَيره بَين يَدَيْهِ، يَعْنِي: أركبه قدامه.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صاحِبُ الدَّابَةِ أحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إلاَّ أنْ يأذَنَ لَهُ
هَذَا التَّعْلِيق ثَبت للنسفي وَهُوَ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَالْبَعْض الْمُبْهم هُوَ عَامر الشّعبِيّ أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ، وَقد جَاءَ ذَلِك مَرْفُوعا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُسَيْن بن عَليّ بن وَاقد: حَدثنِي أبي حَدثنَا عبد الله بن بُرَيْدَة: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يمشي إِذْ جَاءَ رجل وَمَعَهُ حمَار، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إركب، وَتَأَخر الرجل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَنْت أَحَق بصدر دابتك إلاَّ أَن تَجْعَلهُ لي.
فَقَالَ: قد جعلته لَك، فَركب، ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا، وَأحمد فِي ( مُسْنده) وَابْن حبَان وَصَححهُ، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا، وَهَذَا الرجل هُوَ معَاذ بن جبل، بَينه حبيب بن الشَّهِيد فِي رِوَايَته عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، لكنه أرْسلهُ، أخرجه ابْن أبي شيبَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : كَأَن البُخَارِيّ لم يرض بِحَدِيث ابْن بُرَيْدَة، وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس ليدل على مَعْنَاهُ.
قلت: الظَّاهِر أَنه مَا وقف على حَدِيث ابْن بُرَيْدَة، وَكَيف لَا يرضى بِهِ وَقد أخرجه هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْكِبَار أَصْحَاب الشَّأْن؟ .

[ قــ :5645 ... غــ :5966 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ حَدثنَا أيُّوبُ قَالَ: ذُكِرَ الأشَرُّ الثَّلاثَةِ عِنْد عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: أتَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ والفَضْلَ خَلْفَهُ أوْ قُثَمَ خَلْفَهُ والفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فأيُّهُمْ شَرٌّ أوْ أيُّهُمْ خَيْرٌ.
( انْظُر الحَدِيث 1798 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَقد حمل قثم بَين يَدَيْهِ) ، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( إِلَّا أشر الثَّلَاثَة) ، أَي: على الدَّابَّة، هَكَذَا بِالْألف وَاللَّام فِي الأشر رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: شَرّ الثَّلَاثَة، بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: اشر، بِزِيَادَة ألف فِي أَوله،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن فِيهِ ثَلَاثَة أَشْيَاء غَرِيبَة الأول: أَن الْمَشْهُور من اسْتِعْمَال هَذِه الْكَلِمَة أَن يُقَال: شَرّ وَخير، وَلَا يُقَال: أشر وأخير.
الثَّانِي: فِيهِ الْإِضَافَة مَعَ لَام التَّعْرِيف على خلاف الأَصْل.
وَالثَّالِث: أَن أَفعَال التَّفْضِيل لَا يسْتَعْمل إلاَّ بِأحد الْوُجُود الثَّلَاثَة وَلَا يجوز جمع إثنين مِنْهَا، وَقد جمع هَهُنَا بَينهمَا.
الْجَواب عَن الأول: أَن الأشر والأخير أَيْضا لُغَة فصيحة، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عبد الله بن سَلام: أخيرنا وَابْن أخيرنا.
وَعَن الثَّانِي: أَن التَّعْرِيف فِيهِ كالتعريف فِي الْحسن الْوَجْه والضارب الرجل والواهب الْمِائَة.
وَعَن الثَّالِث: أَن الأشر فِي حكم الشَّرّ، وَرُوِيَ: الأشر الثَّلَاثَة، برفعهما على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَي: أشر الركْبَان هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، وحينئذٍ فَمَعْنَى: أَيهمْ؟ أَي: الركْبَان أشر، أَو: أَيهمْ أخير.
قَوْله: ( قثم) بِضَم الْقَاف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة المخففة ابْن الْعَبَّاس الْهَاشِمِي كَانَ آخر النَّاس عهدا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولي مَكَّة من قبل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، ثمَّ سَار أَيَّام مُعَاوِيَة إِلَى سَمَرْقَنْد وَاسْتشْهدَ بهَا، وقبره بهَا.
وَقيل: بمرو، وَالْأول أصح، وَوَقع فِي ( الْكَمَال) للمقدسي ذكره لَهُ فِي غير الصَّحَابَة، وَأَن البُخَارِيّ روى لَهُ وَلَيْسَ كَمَا ذكره، وَإِنَّمَا وَقع ذكره فِيهِ، وَقثم على وزن عمر معدول عَن قاثم، وَهُوَ الْمُعْطِي، غير منصرف للعدل والعلمية.
قَوْله: ( وَالْفضل) هُوَ ابْن الْعَبَّاس ثَبت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين حِين انهزم النَّاس، مَاتَ بِالشَّام سنة ثَمَان عشرَة على الصَّحِيح.
قَوْله: ( أَو قثم خَلفه) شكّ م الرَّاوِي.
قَوْله: ( فَأَيهمْ شَرّ أَو أَيهمْ خير) هَذَا كَلَام عِكْرِمَة يرد بِهِ على من ذكر لَهُ شَرّ الثَّلَاثَة، وَحَاصِل هَذِه المذاكرة أَنهم ذكرُوا عِنْد عِكْرِمَة أَن ركُوب الثَّلَاثَة على دَابَّة شَرّ وظلم، وَأَن الْمُقدم أشر أَو الْمُؤخر؟ فَأنْكر عِكْرِمَة ذَلِك، وَاسْتدلَّ بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ لَا يجوز نِسْبَة الظُّلم إِلَى أحد مِنْهُم لِأَنَّهُمَا ركبا بِحمْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُمَا.