فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إرداف الرجل خلف الرجل

( بابُُ إرْدافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز إرداف الرجل خلف الرجل على الدَّابَّة، وَوَقع فِي كتاب ابْن بطال: بابُُ بِلَا تَرْجَمَة، وَمحل حَدِيث الْبابُُ الإرداف، فَلَو ذكره فِيهِ مَعَ حَدِيث أُسَامَة كَانَ أولى.



[ قــ :5646 ... غــ :5967 ]
- حدَّثنا هُدْبَةُ بن خالِدٍ حَدثنَا هَمامٌ حَدثنَا قَتادةُ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَنْ مُعاذِ ابنِ جَبَلٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَيْنا أَنا رَدِيفُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَهُ إلاَّ آخِرَهُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعاذ { قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعاذُ { قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} ثُمَّ سارَ ساعَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعاذُ { قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى عِبادِهِ؟ قُلْتُ: الله ورسولهُ أعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الله عَلَى عِبادِهِ أنْ يَعْبدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعاذُ بنَ جبَلٍ { قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ} فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبادِ عَلَى الله إذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: الله ورسولُهُ أعْلَمُ.
قَالَ: حَقُّ العِبادِ عَلَى الله أنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَنا رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن يحيى الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الرقَاق عَن هدبة، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن هداب ابْن خَالِد وَهُوَ هدبة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عَليّ.

قَوْله: ( بَينا) قد ذكرنَا غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ الْألف، وَرُبمَا تزاد الْمِيم أَيْضا وَهُوَ مُضَاف إِلَى جملَة وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب.
قَوْله: ( رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا فِي الْأُصُول، وَجَاء: ردف، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الدَّال والردف والرديف هُوَ الرَّاكِب خلف الرَّاكِب، واصله من ركُوبه على الردف وَهُوَ الْعَجز،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: وَخص بِهِ بَعضهم عجيزة الْمَرْأَة، وردف كل شَيْء مؤخره، والردف مَا تبع الشَّيْء وَالْجمع من كل ذَلِك أرداف، وَفِي ( الْجَامِع) للقزاز: الردف الَّذِي يركب وَرَاءَك وَهُوَ ردفك ورديفك، وَأنكر بَعضهم الرديف،.

     وَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ الردف وكل شَيْء جَاءَ بعْدك فقد ردفك، وَتقول فِي الْقَوْم نزل بهم أَمر: قد ردف لَهُم أَمر أعظم مِنْهُ، والردف مَوضِع مركب الرديف، وَهَذَا يرذون لَا يردف وَلَا يرادف، وَأنكر بَعضهم بردف،.

     وَقَالَ : إِنَّمَا يُقَال: لَا يرادف، وأردفته إِذا ركبت وَرَاءه، وَإِذا جِئْت بعده، وَمِنْه.
قَوْله عز وَجل: { مُردفِينَ} قَالُوا: وَالْعرب تَقول: جِئْت مردفاً لفُلَان، أَي: جِئْت بعده وَجَاء الْقَوْم مرادفين، والرداف جمع رَدِيف، وَجَاء الْقَوْم ردافاً أَي: بَعضهم فِي إِثْر بعض، وأرداف الْمُلُوك فِي الْجَاهِلِيَّة هم الَّذين كَانُوا يخلفون الْمُلُوك، وترادفت الْأَشْيَاء إِذا تَتَابَعَت.
وَفِي ( كتاب الأرداف) لِابْنِ مَنْدَه: أرْدف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جمَاعَة كَثِيرَة انْتهى بهم نَحْو الثَّلَاثِينَ، مِنْهُم: أَوْلَاد الْعَبَّاس وَعبد الله بن جَعْفَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَقيس بن سعد بن عبَادَة وَصفِيَّة وَأم حبيب الجهنية.
قَوْله: ( لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا آخِرَة الرحل) المُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة فِي شدَّة قربه إِلَيْهِ ليَكُون أوقع فِي نفس السَّامع فيضبط.
قَوْله: ( وآخرة) بِوَزْن: فاعلة، وَهِي العودة الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا الرَّاكِب من خَلفه، ( والرحل) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة الكور هُنَا وَهُوَ للناقة كالسرج للْفرس.
قَوْله: ( لبيْك) ، قد مر تَفْسِيره فِي الْحَج.
قَوْله: ( وَسَعْديك) ، أَي: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة.
وتكرير قَوْله: ( يَا معَاذ) لتأكيد الاهتمام بِمَا يخبر بِهِ.
قَوْله: ( مَا حق الله؟) الْحق الشَّيْء الثَّابِت، وَيَأْتِي بِمَعْنى: خلاف الْبَاطِل، وَيسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَاجِب والجدير.
قَوْله: ( إِذا فَعَلُوهُ) ، أَي: إِذا أَدّوا حق الله تَعَالَى.
قَوْله: ( مَا حق الْعباد على الله؟) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَادَ حَقًا شَرْعِيًّا لَا وَاجِبا بِالْعقلِ، كَمَا تَقول الْمُعْتَزلَة، وَكَأَنَّهُ لما وعد بِهِ ووعده الصدْق صَار حَقًا من هَذِه الْجِهَة.
وَالثَّانِي: أَن يكون هَذَا من بابُُ المشاكلة، وَهُوَ نوع من أَنْوَاع البديع الَّذِي يحسن بِهِ الْكَلَام.