فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلة الوالد المشرك

(بابُُ صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِكِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الصِّلَة من الْمُسلم لوالده الْمُشرك، وَعبر ابْن بطال عَنهُ بِالْوُجُوب، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: { (13) وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} (لُقْمَان: 15) فَأمر الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة ببرهما ومصاحبتهما بِالْمَعْرُوفِ وَإِن كَانَا مُشْرِكين.



[ قــ :5657 ... غــ :5978 ]
- (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة أَخْبرنِي أبي أَخْبَرتنِي أَسمَاء ابْنة أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت أَتَتْنِي أُمِّي راغبة فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آصلها قَالَ نعم: قَالَ ابْن عُيَيْنَة فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهَا (لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} ) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر فِيهِ بصلَة الوالدة المشركة فَيدْخل فِيهِ الْوَالِد بِالطَّرِيقِ الأولى والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا والْحَدِيث قد مضى فِي الْهِبَة فِي بابُُ الْهَدِيَّة للْمُشْرِكين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه إِلَى آخِره قَوْله " أَتَتْنِي أُمِّي " اسْمهَا قيلة بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف على الْأَصَح بنت عبد الْعُزَّى وَقيل كَانَت أمهَا من الرضَاعَة قَوْله راغبة بالغين الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة أَي راغبة فِي بري وصلتي وَقيل راغبة عَن الْإِسْلَام كارهة لَهُ وَذَلِكَ كَانَ فِي معاهدة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْكفَّار مُدَّة مصالحتهم وَقيل هُوَ بِالْمِيم بدل الْبَاء.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله قَوْله راغبة إِن كَانَ بِلَا قيد فَالْمُرَاد راغبة فِي الْإِسْلَام لَا غير وَإِذا قرنت بقوله مُشركَة أَو فِي عهد قُرَيْش فَالْمُرَاد راغبة فِي صلتي وَإِن كَانَت الرِّوَايَة راغمة بِالْمِيم فَمَعْنَاه كارهة لِلْإِسْلَامِ قلت فِي قَوْله فَالْمُرَاد راغبة فِي الْإِسْلَام نظر لِأَنَّهَا لَو كَانَت راغبة فِي الْإِسْلَام لم تحتج أَسمَاء إِلَى الاسْتِئْذَان فِي صلتها قَوْله " قَالَ ابْن عُيَيْنَة " هُوَ سُفْيَان الرَّاوِي قَوْله {لَا يَنْهَاكُم الله} الْآيَة قَالَ مُجَاهِد هم من آمن وَأقَام بِمَكَّة وَلم يُهَاجر وَالَّذين قاتلوهم فِي الدّين كفار مَكَّة.

     وَقَالَ  أَبُو صَالح خُزَاعَة.

     وَقَالَ  قَتَادَة الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَول سُفْيَان قَالَه عبد الله بن الزبير -
( بابُُ صلَةِ المَرْأةِ أُمَّها ولَها زوْجٌ)

أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان صلَة الْمَرْأَة أمهَا وَالْحَال أَن لَهَا زوجا.



[ قــ :5657 ... غــ :5979 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني هِشامٌ عَنْ عُرْوَةَ ععَنْ أسْماءَ، قالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهْيَ مِشْرِكَة فِي عَهْد قُرَيْشٍ ومُدَّتِهِمْ إذْ عاهَدُوا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَبِيهَا فاسْتَفْتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْيَ راغِبَة.
قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ذكر فِي التَّرْجَمَة: ( وَلها زوج) فَأَيْنَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ؟ وَأجَاب بقوله: إِن كَانَ الضَّمِير فِي: لَهَا رَاجعا إِلَى الْمَرْأَة فَهُوَ ظَاهر.
إِذْ أَسمَاء كَانَت زَوْجَة للزبير وَقت قدومها، وَإِن كَانَ رَاجعا إِلَى الْأُم فَذَلِك بِاعْتِبَار أَن يُرَاد يلفظ أَبِيهَا زوج أم أَسمَاء، وَمثل هَذَا الْمجَاز سَائِغ، وَكَونه كَالْأَبِ لأسماء ظَاهر.

قَوْله: ( وَقَالَ اللَّيْث) أورد هَذَا الحَدِيث عَن اللَّيْث ابْن سعد مُعَلّقا، وَوَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) قَوْله: ( فِي مدتهم) أَي: الَّتِي عينوها للصلح وَترك الْمُقَاتلَة.
قَوْله: ( مَعَ أَبِيهَا) أَي: مَعَ أَب أم أَسمَاء.
قَوْله: ( قَالَ: صلي) ويروى: قَالَ: نعم، صلي، وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد وَاللَّام المخففة أَمر من: وصل يصل، أَصله: أَو صلي، حذفت الْوَاو تبعا لفعله واستغنيت عَن الْهمزَة فَصَارَ: صلي على وزن: عَليّ، فَافْهَم.