فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم

( بابُُ مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من بسط على صِيغَة الْمَجْهُول لَهُ فِي الرزق بِسَبَب صلَة الرَّحِم.



[ قــ :5662 ... غــ :5985 ]
- ( حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر حَدثنَا مُحَمَّد بن معن قَالَ حَدثنِي أبي عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول من سره أَن يبسط لَهُ فِي رزقه وَأَن ينسأ لَهُ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن معن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن مُحَمَّد بن معِين بن نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن عَمْرو الْمدنِي الْغِفَارِيّ ونضلة لَهُ صُحْبَة كَانَ يسكن فِي نَاحيَة العرج وَمُحَمّد بن معن يروي عَن أَبِيه معن بن مُحَمَّد وَهُوَ ثِقَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَكَذَا أَبوهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَوضِع آخر أَو موضعان وَسَعِيد بن أبي سعيد هُوَ المَقْبُري وَاسم أبي سعيد كيسَان والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله وَأَن ينسأ لَهُ من النسأ بِفَتْح النُّون وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالهمزة فِي آخِره وَهُوَ التَّأْخِير أَي يُؤَخر لَهُ فِي أَثَره أَي فِي أَجله وَأثر الشَّيْء هُوَ مَا يدل على وجوده ويتبعه وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الْأَجَل وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ يتبع الْعُمر فَإِن قلت الْآجَال مقدرَة وَكَذَا الأرزاق لَا تزيد وَلَا تنقص { فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} قلت أُجِيب عَن هَذَا بِوَجْهَيْنِ ( أَحدهمَا) أَن هَذِه الزِّيَادَة بِالْبركَةِ فِي الْعُمر بِسَبَب التَّوْفِيق فِي الطَّاعَات وصيانته عَن الضّيَاع وَحَاصِله أَنَّهَا بِحَسب الكيف لَا الْكمّ ( وَالثَّانِي) أَن الزِّيَادَة على حَقِيقَتهَا وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم الْملك الْمُوكل بالعمر وَإِلَى مَا يظْهر لَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بالمحو وَالْإِثْبَات فِيهِ { يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} كَمَا أَن عمر فلَان سِتُّونَ سنة إِلَّا أَن يصل رَحمَه فَإِنَّهُ يُزَاد عَلَيْهِ عشرَة وَهُوَ سَبْعُونَ وَقد علم الله عز وَجل بِمَا سيقع لَهُ من ذَلِك فبالنسبة إِلَى الله تَعَالَى لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَيُقَال لَهُ الْقَضَاء المبرم وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الزِّيَادَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَيُسمى مثله بِالْقضَاءِ الْمُعَلق وَيُقَال المُرَاد بَقَاء ذكره الْجَمِيل بعده فَكَأَنَّهُ لم يمت وَهُوَ إِمَّا بِالْعلمِ الَّذِي ينْتَفع بِهِ أَو الصَّدَقَة الْجَارِيَة أَو الْخلف الصَّالح


[ قــ :5663 ... غــ :5986 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنُ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رزْقِهِ ويُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.
( انْظُر الحَدِيث 067) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم بِهَذَا النسق.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَدَب عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده بِهِ.

وَقد ورد فِي فضل صلَة الرَّحِم أَحَادِيث كَثِيرَة: مِنْهَا حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ، رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي ( زوائده على الْمسند) وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) بِلَفْظ: من سره أَن يمدله فِي عمره ويوسع عَلَيْهِ فِي رزقه وَيدْفَع عَنهُ ميتَة السوء فَليصل رَحمَه.
وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه التِّرْمِذِيّ: أَن صلَة الرَّحِم محبَّة فِي الْأَهْل مثراة فِي المَال منسأة فِي الْأَثر.
وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، أخرجه أَحْمد بِسَنَد رِجَاله ثِقَات مَرْفُوعا: صلَة الرَّحِم وَحسن الْجوَار وَحسن الْخلق يعمرَانِ الديار وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَار.
وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي: ( كتاب التَّرْغِيب والترهيب) مَرْفُوعا: والوالدين يزِيد فِي الْعُمر وَالْكذب ينقص الرزق وبر الْوَالِدين من أعظم صلَة الرَّحِم، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وثوبان مُسْندًا عَن التَّوْرَاة: ( ابْن آدم {اتقِ رَبك وبرَّ والديك وصل رَحِمك أمد لَك فِي عمرك) .
وَرُوِيَ أَيْضا عَن ثَوْبَان يرفعهُ: لَا يزِيد فِي الْعُمر إلاَّ بر الْوَالِدين وَلَا يزِيد فِي الرزق إلاَّ صلَة الرَّحِم، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده عَليّ رَضِي الله عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ، وَسَأَلَ عَن قَوْله: {يمحو الله مَا يَشَاء} ( الرَّعْد: 39) قَالَ: هِيَ الصَّدَقَة على وَجههَا وبر الْوَالِدين واصطناع الْمَعْرُوف وصلَة الرَّحِم تحول الشَّقَاء سَعَادَة وتزيد فِي الْعُمر وتقي مصَارِع السوء، يَا عَليّ وَمن كَانَت فِيهِ خصْلَة وَاحِدَة من هَذِه الْأَشْيَاء أعطَاهُ الله تَعَالَى هَذِه الثَّلَاث الْخِصَال، وَرُوِيَ من حَدِيث عبد الله بن عمر يرفعهُ: أَن الْإِنْسَان ليصل رَحمَه وَمَا بَقِي من عمره إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام فيزيد الله فِي عمره ثَلَاثِينَ سنة، وَأَن الرجل ليقطع رَحمَه وَقد بَقِي من عمره ثَلَاثُونَ سنة فينقص الله عمره حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ إلاَّ ثَلَاثَة أَيَّام.
قَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَرُوِيَ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَنحن فِي صفة بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت البارحة عجبا، رَأَيْت رجلا من أمتِي أَتَاهُ ملك الْمَوْت ليقْبض روحه فَجَاءَهُ بره بِوَالِديهِ فَرد ملك الْمَوْت عَنهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا حَدِيث حسن جدا.