فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من وصل وصله الله

( بابٌُ مَنْ وَصَلَ وصَلَهُ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من وصل رَحمَه الله، يَعْنِي: يعْطف عَلَيْهِ بفضله إِمَّا فِي عَاجل دُنْيَاهُ أَو آجل آخرته، وَالْعرب تَقول إِذا تفضل رجل على رجل آخر بِمَال أَو وهبه هبة: وصل فلَان فلَانا، كَذَا.



[ قــ :5664 ... غــ :5987 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مُعاوِيَةُ بنُ أبي مُزَرِّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي سَعِيدَ بنَ يَسار يُحَدِّثُ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إنَّ الله خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قالَتِ الرَّحِمُ: هَذاا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ.
قَالَ: نَعَمْ} أما تَرْضَيْنَ أنْ أصلَ مِنْ وصَلَكِ وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ.
قَالَ: فَهْوَ لَكِ.
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاقْرَأوا إنْ شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُو اْ أَرْحَامَكُمْ} ( مُحَمَّد: 22) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وَمُعَاوِيَة بن أبي مزرد بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالدال الْمُهْملَة الْمدنِي وَله حَدِيث آخر وَهُوَ ثَالِث أَحَادِيث الْبابُُ عَن عَائِشَة، وَحَدِيث آخر قد مر فِي الزَّكَاة، يروي عَن عَمه سعيد بن يسَار ضد الْيَمين أبي الْحبابُ مولى شقران مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَة.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد عَن سُلَيْمَان عَن مُعَاوِيَة بن أبي مزرد ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( خلق الْخلق) يحْتَمل أَن يكون المُرَاد خلق جَمِيع الْمَخْلُوقَات، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ الْمُكَلّفين.
قَوْله: ( حَتَّى إِذا فرغ) المُرَاد بالفراغ قَضَاؤُهُ وإتمامه وَنَحْو ذَلِك بِمَا يشْهد بِأَنَّهُ مجَاز القَوْل، فَإِن الله تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن، أَو يُطلق عَلَيْهِ الْفَرَاغ الَّذِي هُوَ ضد الشّغل.
قَوْله: ( قَالَت الرَّحِم) يحْتَمل أَن يكون هَذَا القَوْل بعد خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض.
أَو بعد خلقهَا كتبا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، أَو بعد انْتِهَاء خلق أَرْوَاح بني آدم عِنْد قَوْله: { أَلَسْت بربكم} ( الْأَعْرَاف: 172) .
لما أخرجهم من صلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام، مثل الذَّر، ثمَّ إِسْنَاد القَوْل إِلَى الرَّحِم يحْتَمل أَن يكون بِلِسَان الْحَال، وَيحْتَمل أَن يكون بِلِسَان الْمقَال.
يتَكَلَّم كَمَا هِيَ، أَو يخلق الله لَهَا عِنْد كَلَامهَا حَيَاة وعقلاً، وَقيل: هُوَ فِي الْحَقِيقَة ضرب مثل واستعادة إِذْ الرَّحْمَن معنى وَهُوَ إِيصَال الْقُرْبَى بَين أهل النّسَب، وَهِي اسْتِعَارَة تمثيلية، وَهِي الَّتِي الْوَجْه فِيهَا منتزع من أُمُور متوهمة للمشبه الْمَعْقُول بِمَا كَانَت تَابِعَة للمشبه بِهِ المحسوس، وَذَلِكَ انه شبهت حَالَة الرَّحِم وَمَا هِيَ عَلَيْهِ من الافتقار إِلَى الصِّلَة والذب مِنْهَا من القطيعة بِحَال مستجير يَأْخُذ بذيل المستجار بِهِ وحقو إزَاره، ثمَّ أَدخل صُورَة حَال الْمُشبه فِي جنس الْمُشبه بِهِ، وَاسْتعْمل فِي حَال الْمُشبه مَا كَانَ مُسْتَعْملا فِي الْمُشبه بِهِ من الْأَلْفَاظ بدلائل قَرَائِن الْأَحْوَال، وَيجوز أَن يكون اسْتِعَارَة مكنية بِأَن يشبه الرَّحِم بِإِنْسَان يستجير بِمن يحميه ويذب عَنهُ مَا يُؤْذِيه، ثمَّ انْعَقَد على سَبِيل الإستعارة التخييلية مَا هُوَ لَازم الْمُشبه بِهِ من الْقيام ليَكُون قرينَة مَانِعَة من إِرَادَة الْحَقِيقَة، ثمَّ رشحت الإستعارة بِأخذ القَوْل.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: الرَّحِم الَّتِي توصل وتقطع إِنَّمَا هِيَ معنى من الْمعَانِي لَيست بجسم، وَإِنَّمَا هِيَ قرَابَة وَنسب يجمعه رحم وَالِده ويتصل بعضه بِبَعْض، فَسُمي ذَلِك الِاتِّصَال رحما.
والمعاني لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الْقيام وَلَا الْكَلَام فَيكون ذكر قِيَامهَا هُنَا وتعلقها بالعرش ضرب مثل وَحسن اسْتِعَارَة على عَادَة الْعَرَب فِي اسْتِعْمَال ذَلِك وتعظيم شَأْنهَا وفضيلة واصلها وعظيم إِثْم قاطعها بعقوقه، وَلِهَذَا سمي العقوق قطعا، والعق الشق كَأَنَّهُ قطع ذَلِك السَّبَب الْمُتَّصِل.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون المُرَاد قيام ملك من الْمَلَائِكَة وَتعلق بالعرش وَتكلم على لسانها بِهَذَا بِأَمْر الله عز وَجل.
قَوْله: ( أَن أصل من وصلك) الْوَصْل من الله تَعَالَى كِنَايَة عَن عَظِيم إحسانه، وَالْقطع مِنْهُ كِنَايَة عَن حرمَان الْإِحْسَان.





[ قــ :5665 ... غــ :5988 ]
- حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ دِينَار عنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمانِ، فَقَالَ الله: مَنْ وصَلَكِ وصَلْتُهُ ومَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ مولى عبد الله بن أبي عَتيق واسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، وَأَبُو صَالح ذكْوَان السمان.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( شجنة) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا نون وَجَاء بِضَم أَوله وبفتحه رِوَايَة ولغة وَاصل الشجنة عروق الشّجر المشتبكة.
قَوْله: ( من الرَّحْمَن) أَي: أَخذ اسْمهَا من هَذَا لإسم كَمَا فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله: { أَنا الله وَأَنا الرَّحْمَن خلقت الرَّحِم وشققت لَهَا من إسمي من وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا بتته} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تَعَالَى: { الرَّحِم شجنة مني فَمن وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا قطعته} وَالْمعْنَى أَنَّهَا أثر من آثَار الرَّحْمَة مشتبكة بهَا فالقاطع لَهَا مُنْقَطع من رَحْمَة الله.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: معنى الحَدِيث أَن الرَّحِم مُشْتَقّ اسْمهَا من إسم الرَّحْمَن، فلهَا بِهِ علقَة وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا من ذَات الله تَعَالَى، تَعَالَى الله عَن ذَلِك.





[ قــ :5666 ... غــ :5989 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا سُلَيْمانُ بنُ بِلاَلٍ قَالَ: أَخْبرنِي مُعاوِيَةُ بنُ أبي مُرَزِّدٍ عَنْ يَزِيدَ بنِ رُومانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرحِمُ شِجْنَةٌ فَمَنْ وَصَلَها وصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَها قَطَعْتُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَذَا الحَدِيث بِلَفْظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إلاَّ أَنه بِلَفْظ الْغَيْبَة.