فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا

( بابُُ تعاوُنِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضاً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل معاونة الْمُؤمنِينَ بَعضهم بَعْضًا، وَالْأَجْر فِيهَا.
قَوْله: ( بَعضهم) بِالْجَرِّ على أَنه بدل من الْمُؤمنِينَ بدل الْبَعْض من الْكل، وَيجوز الضَّم أَيْضا.
قَوْله: بَعْضًا، قَالَ الْكرْمَانِي: مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: للْبَعْض.
قلت: الْأَوْجه أَن يكون مفعول مصدر الْمُضَاف إِلَى فَاعله وَهُوَ لفظ التعاون لِأَن الْمصدر يعْمل عمل فعله.



[ قــ :5703 ... غــ :6026 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ أبي بُرْدَة بُريْدِ بنِ أبي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبرنِي جَدِّي أبُو بُرْدَةَ عَنْ أبِيهِ أبي مُوسَى عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ.
( انْظُر الحَدِيث 481 وطرفه) .

وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَالِسا إذْ جاءَ رَجُلٌ يَسألُ أوْ طالِبُ حاجَةٍ أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ الله عَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ مَا شاءَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو بردة: بِضَم الْبَاء وَسُكُون الرَّاء كنية بريد مصغر الْبرد ابْن عبد الله بن أبي بردة أَيْضا واسْمه عَامر بن مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، فَأَبُو بردة يروي عَن جده أبي بردة وَهُوَ يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى الْقطَّان: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنِي أَبُو بردة ابْن عبد الله بن أبي بردة ... فَذكره.

قَوْله: ( وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا)
إِلَى آخِره مضى فِي الزَّكَاة: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا أَبُو بردة بن عبد الله بن أبي بردة حَدثنَا أَبُو بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ سَائل أَو: طلبت إِلَيْهِ حَاجَة قَالَ: اشفعوا تؤجروا وليقض الله على لِسَان نبيه مَا شَاءَ، وَأخرجه أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن أبي كريب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( الْمُؤمن) التَّعْرِيف فِيهِ للْجِنْس وَالْمرَاد: بعض الْمُؤمن للْبَعْض.
قَوْله: ( ويشد بعضه بَعْضًا) بَيَان لوجه التَّشْبِيه.
قَوْله: ( ثمَّ شَبكَ بَين أَصَابِعه) كالبيان للْوَجْه أَي: شداً مثل هَذَا الشد،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: المعاونة فِي أُمُور الْآخِرَة، وَكَذَا فِي الْأُمُور الْمُبَاحَة من الدُّنْيَا مَنْدُوب إِلَيْهَا، وَقد ثَبت حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ الْبعد فِي عون أَخِيه.
قَوْله: ( وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا) لفظ: جَالِسا لَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة الزَّكَاة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَكَذَا وَقع فِي النّسخ من رِوَايَة مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَفِي تركيبه قلق، وَلَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل: كَانَ إِذا كَانَ جَالِسا إِذْ جَاءَهُ رجل ... إِلَى آخِره فَحذف اختصاراً، أَو سقط على الرَّاوِي لفظ: إِذا كَانَ، وَقد أخرجه أَبُو نعيم من رِوَايَة إِسْحَاق بن زُرَيْق عَن الْفرْيَابِيّ بِلَفْظ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ السَّائِل أَو طَالب الْحَاجة أقبل علينا بِوَجْهِهِ ... الحَدِيث، وَهَذَا السِّيَاق لَا إِشْكَال فِيهِ.
قلت: لَا قلق فِي التَّرْكِيب أصلا، وَآفَة هَذَا الْكَلَام من ظن هَذَا الْقَائِل أَن: جَالِسا، خبر كَانَ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا خبر كَانَ هُوَ قَوْله: ( أقبل علينا) و: ( جَالِسا) نصب على الْحَال من النَّبِي فَافْهَم.
قَوْله: ( تؤجروا) رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فلتؤجروا، وَالْفَاء على هَذِه الرِّوَايَة هِيَ الْفَاء السبية الَّتِي ينْتَصب بعْدهَا الْفِعْل الْمُضَارع، وَاللَّام بِالْكَسْرِ بِمَعْنى: كي، وَجَاز اجْتِمَاعهمَا لأَنهم لأمر وَاحِد وَتَكون الْفَاء الجزائية لِكَوْنِهِمَا جَوَابا لِلْأَمْرِ وزائدة على مَذْهَب الْأَخْفَش هِيَ عاطفة على: اشفعوا، وَاللَّام لِلْأَمْرِ أَو على مُقَدّر أَي: إشفعوا لتؤجروا فلتؤجروا.
نَحْو: { إيَّايَ فارهبون} ( الْبَقَرَة: 240، والنحل: 51) .
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا فَائِدَة اللَّام؟ قلت: اشفعوا تؤجروا، وَالشّرط مُتَضَمّن للسَّبَبِيَّة، فَإِذا ذكرت اللَّام فقد صرحت بالسببية.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: اللَّام وَالْفَاء مقحمان للتَّأْكِيد لِأَنَّهُ لَو قيل: اشفعوا تؤجروا، صَحَّ أَي: إِذا عرض الْمُحْتَاج حَاجَة عَليّ فاشفعوا لَهُ إِلَيّ فَإِنَّكُم إِذا شفعتم حصل لكم الْأجر سَوَاء قبلت شفاعتكم أَو لَا، وَيجْرِي الله على لساني مَا يَشَاء من مُوجبَات قَضَاء الْحَاجة أَو عدمهَا، أَي: إِن قضيتها أَو لم أقضها فَهُوَ بِتَقْدِير الله وقضائه.
قَوْله: ( وليقض الله) كَذَا ثَبت فِي هَذِه الرِّوَايَة.
وليقض بِاللَّامِ وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي أُسَامَة الَّتِي بعْدهَا للكشميهني فَقَط، وللباقين بِغَيْر لَام، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عَليّ بن مسْهر وَحَفْص بن غياث: فليقض أَيْضا.