فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من النميمة

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النمِيمَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من النميمة وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن نقل بعض القَوْل الْمَنْقُول من شخص على جِهَة الْفساد لَا يكره، كَمَا إِذا كَانَ الْمَنْقُول عَنهُ كَافِرًا، كَمَا يجوز التَّجَسُّس فِي بِلَاد الْكفَّار.

وقَوْلِهِ: { هَمَّاز مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} ( الْقَلَم: 11) ؛ { ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمْزَةٍ لُمَزَةٍ} ( الْهمزَة: 1) يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ يَعِيبُ.

أَي: وَقَول الله عز وَجل: { هماز} ... إِلَى آخِره.
{ هماز} فعال التَّشْدِيد من الْهَمْز وَفَسرهُ البُخَارِيّ واللمز بقوله: ( يهمز ويلمز يعيب) فَجعل معنى الْإِثْنَيْنِ وَاحِدًا،.

     وَقَالَ  اللَّيْث: الْهَمْز من يغتابك بِالْغَيْبِ، واللمز من يغتابك فِي وَجهك، وَحكى النّحاس عَن مُجَاهِد عَكسه.
قَوْله: ( مشاء) مُبَالغَة مَا شَيْء.
قَوْله: ( بنميم) من نم الحَدِيث ينمه وينمه بِضَم النُّون وَكسرهَا نماً، وَالرجل النمام والنم، وَفِي التَّفْسِير: المشاء بالنميم هُوَ الَّذِي ينْقل الْأَحَادِيث من بعض النَّاس إِلَى بعض فَيفْسد بَينهم، قَالَه الْجُمْهُور، وَقيل: الَّذِي يسْعَى بِالْكَذِبِ وَهُوَ يفْسد فِي يَوْم مَا لَا يفْسد السَّاحر فِي شهر قَوْله: ( يعيب) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يغتاب بالغين الْمُعْجَمَة الساكنة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة.



[ قــ :5732 ... غــ :6056 ]
- حدَّثنا أبُو نعيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ مَنْصورٍ عَنْ إبِراهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمانَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي معنى الحَدِيث فَإِن القَتَّات هُوَ النمام على مَا نذكرهُ.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن الْحَارِث النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَحُذَيْفَة هُوَ ابْن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عَليّ بن حجر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد وَأبي بكر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن مُحَمَّد بن يحيى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.

قَوْله: ( يرفع الحَدِيث إِلَى عُثْمَان) أَي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ، قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ) فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِغَيْر لفظ.
لَهُ ( والقتات) فعال بِالتَّشْدِيدِ من قت الحَدِيث يقته بِضَم الْقَاف قت وَالرجل قَتَّات أَي: تَمام،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقد فرق أهل اللُّغَة بَين النمام والقتات فَذكر الْخطابِيّ أَن النمام الَّذِي يكون مَعَ الْقَوْم يتحدثون فينم حَدِيثهمْ، والقتات الَّذِي يتسمع على الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ ثمَّ ينم حَدِيثهمْ، وَمعنى: ( لَا يدْخل الْجنَّة) يَعْنِي إِن أنفذ الله عَلَيْهِ الْوَعيد، لِأَن أهل السّنة مجمعون على أَن الله تَعَالَى فِي وعيده بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ عذبهم وَإِن شَاءَ عَفا عَنْهُم بفضله، أَو يؤول على أَنه لَا يدخلهَا دُخُول الفائزين، أَو يحمل على المستحل بِغَيْر تَأْوِيل مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ.