فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه

( بابُُ مَنْ أخْبَرَ صاحِبَهُ بِما يُقال فِيهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز إِخْبَار الرجل صَاحبه بِمَا سمع مِمَّا يُقَال فِيهِ، أَي: فِي حَقه، وَلَكِن بِشَرْط أَن يقْصد النَّصِيحَة ويتحرى الصدْق ويجتنب الْأَذَى، أَلا يُرى أَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، حِين أخبر الشَّارِع بقول الْأنْصَارِيّ فِيهِ: هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله، لم يقل لَهُ: أتيت بِمَا لَا يجوز، بل رَضِي بذلك وجاوبه بقوله: يرحم الله مُوسَى لقد أَو ذِي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر، وَلم يكن هَذَا من النميمة.



[ قــ :5735 ... غــ :6059 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا سُفْيانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَسَمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قِسْمَةً فَقَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: وَالله مَا أرَادَ مُحَمَّدٌ بِهاذَا وَجْهَ الله.
فأتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأخْبَرْتُهُ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ.

     وَقَالَ : رَحِمَ الله مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكثَرَ مِنْ هاذا فَصَبَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح مَا أبهم فِيهَا، وَقد بَيناهُ.
وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.

والْحَدِيث مضى فِي: الْجِهَاد فِي: بابُُ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْطي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( قسم) أَي: يَوْم حنين، وَقد أعْطى الْأَقْرَع بن حَابِس مائَة من الْإِبِل.
قَوْله: ( فتمعر) تفعل مَاض من التمعر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء أَي: تغير لَونه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فتمغر) ، بالغين الْمُعْجَمَة أَي: صَار لَونه لون الْمغرَة، وَصَاحب ( التَّوْضِيح) نسب هَذِه الرِّوَايَة لأبي ذَر.

وَفِيه من الْفِقْه: أَن أهل الْفضل وَالْخَبَر قد يعز عَلَيْهِم مَا يُقَال فيهم من الْبَاطِل وَيكبر عَلَيْهِم، فَإِن ذَلِك جبلة فِي الْبشر فطرهم الله عَلَيْهَا إلاَّ أَن أهل الْفضل يتلقون ذَلِك بِالصبرِ الْجَمِيل اقْتِدَاء بِمن تقدمهم من الْمُؤمنِينَ، أَلا يُرى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اقْتدى فِي ذَلِك بصبر مُوسَى صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، وَمن صبره أَنهم قَالُوا لَهُ: هُوَ آدر، فَمر يغْتَسل عُريَانا فَوضع ثَوْبه على الْحجر فَتَبِعَهُ ففر الْحجر فَجَاز على بني إِسْرَائِيل فبرأه مِمَّا قَالُوا، وَمِنْه: أَن قَارون قَالَ لامْرَأَة ذَات حمال وَحسب: هَل لَك أَن أشركك فِي أَهلِي وَمَالِي إِذا جِئْت فِي مَلأ بني إِسْرَائِيل تَقُولِينَ: إِن مُوسَى أرادني على نَفسِي، فَلَمَّا وقفت عَلَيْهِم بدل الله تَعَالَى قَلبهَا، فَقَالَت: إِن قَارون قَالَ لي كَذَا وَكَذَا، فَبلغ الْخَبَر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ شَدِيد الْغَضَب يخرج شعره من ثَوْبه إِذا غضب، فَدَعَا الله تَعَالَى وَهُوَ يبكي فَأوحى الله إِلَيْهِ: قد أمرت الأَرْض أَن تطيعك فَمُرْهَا بِمَا شِئْت، فَأقبل إِلَى قَارون فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي، قَالَ: يَا أَرض خذيه، فساخت بِهِ الأَرْض وَبِدَارِهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي، فَقَالَ: خذيه فساخت بِهِ وَبِدَارِهِ فَهُوَ يتجلجل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمثل هَذِه كَثِيرَة.