فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من التمادح

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التمادُحِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من التمادح بَين النَّاس الَّذِي فِيهِ الإطراء ومجاوزة الْحَد، وَهُوَ المُرَاد من التَّرْجَمَة، لِأَن الحَدِيث يدل على هَذَا.
قَالَ بَعضهم: هُوَ مدح كل من الشخصين الآخر.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، هَذَا الَّذِي قَالَه بابُُ المفاعلة، وَهَذَا من بابُُ التفاعل لمشاركة الْقَوْم وَمن لَهُ أدنى مسكة من الصّرْف يعرف هَذَا.



[ قــ :5736 ... غــ :6060 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ زَكرِيَّاءَ حدّثنا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَجُلاً يُثْني عَلَى رَجُلٍ ويُطْرِيه فِي المِدْحَةِ، فَقَالَ: أهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ.
( انْظُر الحَدِيث 2663) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَهُوَ أَن يفرط فِي مدح الرجل بِمَا لَيْسَ فِيهِ فيدخله من ذَلِك الْإِعْجَاب ويظن أَنه فِي الْحَقِيقَة بِتِلْكَ الْمنزلَة، فَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قطعْتُمْ ظهر الرجل حِين وصفتموه بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَرُبمَا حمله ذَلِك على الْعجب وَالْكبر وعَلى تَضْييع الْعَمَل وَترك الإزدياد وَالْفضل، وَمن ذَلِك تَأَول الْعلمَاء فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( احثوا التُّرَاب فِي وُجُوه المداحين) ، أَن المُرَاد بهم المداحون النَّاس فِي وُجُوههم بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فيهم، وَلم يرد بهم من مدح رجلا بِمَا فِيهِ فقد مدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَشْعَار والخطب والمخاطبة وَلم يحث فِي وُجُوه المداحين التُّرَاب، وَلَا أَمر بذلك، وَقد قَالَ أَبُو طَالب فِيهِ:

( وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)

ومدحه حسان فِي كثير من شعره، وَكَعب بن زُهَيْر وَغير ذَلِك.

وَمُحَمّد بن صباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَيُقَال: فِيهِ الصَّباح بِالْألف وَاللَّام الْبَغْدَادِيّ، فَالْأول رِوَايَة أبي ذَر وَالثَّانِي لغيره، وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء مَقْصُور أَو مَمْدُود الْأَسدي، وَبُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة اسْمه عَامر، قيل: الْحَارِث يرْوى عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد بن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى.

والْحَدِيث قد مر فِي الشَّهَادَات: بابُُ مَا يكره من الإطناب فِي الْمَدْح.

قَوْله: ( ويطريه) من الإطراء وَهُوَ مُجَاوزَة الْحَد.
قَوْله: ( أَو قطعْتُمْ) شكّ من الرَّاوِي وَقطع الظّهْر مجَاز عَن الإهلاك، يَعْنِي: أوقعتموه فِي الْإِعْجَاب بِنَفسِهِ الْمُوجب لهلاك دينه.





[ قــ :5737 ... غــ :6061 ]
- حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ خالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَةَ عَنْ أبِيهِ أنَّ رجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأثْنى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْراً، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقُ صاحِبِكَ، يَقُولُهُ مِرَاراً: إنَّ كانَ أحَدُكُمْ مادِحاً لَا مَحالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ كَذَا وَكَذَا، إِن كَانَ يُرَى أنَّهُ كَذلِكَ وَحَسِيبُهُ الله وَلاَ يُزَكِّي عَلَى الله أحَداً.

وَقَالَ وُهَيْبٌ عَنْ خالِدٍ: وَيْلَكَ.
( انْظُر الحَدِيث 66 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء، وَأَبُو بكرَة هُوَ نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء ابْن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن مُحَمَّد بن سَلام فِي: بابُُ إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ.

قَوْله: ( ذكر) بِلَفْظ الْمَجْهُول.
قَوْله: ( وَيحك) كلمة ترحم وتوجع يُقَال لمن وَقع فِي هلكة لَا يَسْتَحِقهَا، وَقد يُقَال بِمَعْنى الْمَدْح والتعجب، وَهِي مَنْصُوبَة على الْمصدر، وَقد ترفع وتضاف، فَيُقَال: وَيْح زيد ويحاً لَهُ وويح لَهُ.
قَوْله: ( قطعت عنق صَاحبك) قطع الْعُنُق اسْتِعَارَة من قطع الْعُنُق الَّذِي هُوَ الْقَتْل لاشْتِرَاكهمَا فِي الْهَلَاك لَكِن هَذَا الْهَلَاك فِي الدّين وَذَاكَ من جِهَة الدُّنْيَا.
قَوْله: ( لَا محَالة) بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا بُد وَالْمِيم زَائِدَة.
قَوْله: ( إِن كَانَ يُرى) بِضَم الْيَاء أَي: يظنّ، وَوَقع فِي رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع: إِن كَانَ يعلم ذَلِك، وَكَذَا فِي رِوَايَة وهيب.
قَوْله: ( وحسيبه الله) بِفَتْح الْحَاء وَكسر السِّين الْمُهْملَة يَعْنِي: يحاسبه على عمله الَّذِي يعلم بِحَقِيقَة حَاله وَهِي جملَة اعتراضية.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: هِيَ من تَتِمَّة القَوْل، وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة حَال من فَاعل.
( فَلْيقل) .
وعَلى الله فِيهِ معنى الْوُجُوب وَالْقطع، وَالْمعْنَى: فَلْيقل: أَحسب فلَانا كَيْت وَكَيْت إِن كَانَ يحْسب ذَلِك، وَالله يعلم سره فِيمَا فعل فَهُوَ يجازيه، وَلَا يقل: أتيقن أَنه محسن وَالله شَاهد عَلَيْهِ، على الْجَزْم، وَأَن الله يجب عَلَيْهِ أَن يفعل بِهِ كَذَا وَكَذَا.
قَوْله: ( وَلَا يُزكي) على صِيغَة الْمَعْلُوم.
و: ( أحدا) مَنْصُوب بِهِ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالضَّمِير فِي: يُزكي، للمخاطب وَعَن أبي ذَر عَن المستملى والسرخسي على صِيغَة الْمَجْهُول: وَاحِد، بِالرَّفْع وَمَعْنَاهُ: لَا يقطع على عَاقِبَة أحد وَلَا على مَا فِي ضَمِيره لِأَن ذَلِك مغيب عَنهُ.
قَوْله: ( وَلَا يُزكي) خبر مَعْنَاهُ النَّهْي أَي لَا يُزكي أحدا.

قَوْله: ( وَقَالَ وهيب) مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ ( عَن خَالِدا) لحذاء بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور فِيمَا سَيَأْتِي.
قَوْله: ( وَيلك) مَوضِع وَيحك، وَكلمَة: وَيلك، كلمة حزن وهلاك، وَقيل: وَيْح وويل بِمَعْنى وَاحِد، وَتَعْلِيق وهيب هَذَا يَأْتِي مَوْصُولا فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي قَول الرجل: وَيلك.