فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من تجمل للوفود

( بابُُ مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز من تجمل بالأشياء الْمُبَاحَة، وَهُوَ على وزن تفعل بِالتَّشْدِيدِ من التجمل وَهُوَ تَحْسِين الرجل هَيئته بِأَحْسَن الثِّيَاب والتزين بالزي الْحسن.
قَوْله: للوفود، جمع وَفد، والوفد جمع وافدوهم الْقَوْم الَّذين يَجْتَمعُونَ ويردون الْبِلَاد، وَكَذَلِكَ الَّذين يقصدون الْأُمَرَاء لزيارة واسترفاد وانتجاع وَغير ذَلِك، تَقول: وَفد يفد فَهُوَ وَافد، وفدته فوفد.



[ قــ :5753 ... غــ :6081 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حدّثني أبي قَالَ: حدّثني يَحْياى بنُ أبي إسْحاقَ قَالَ: قَالَ لي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله: مَا الإسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيباجِ وخَشُنَ مِنْهُ.
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله يَقُولُ: رَأى عُمَرُ على رَجُلٍ حُلَّة مِنْ اسْتَبْرَق فأتَى بِها النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله { اشْتَرِي هاذِهِ فَالْبَسْها لِوَفْدِ النَّاسِ إِذا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ: إنَّما يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ، فَمَضَى فِي ذلكَ مَا مَضاى ثُمَّ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعَثَ إلَيْهِ بِحُلَّةٍ فأتَى بِها النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: بَعَثْتَ إلَيَّ بهذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِها مَا قُلْتَ} قَالَ: إنَّما بَعَثْتُ إلَيْكَ لِتُصِيبَ بِها مَالا، فَكانَ ابنُ عُمَرَ يَكْرَهُ العَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهاذا الحَدِيثِ.

أنكر الدَّاودِيّ مطابقته هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة حَيْثُ قَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بابُُ التجمل للوفود، لِأَنَّهُ لَا يُقَال: فعل كَذَا، إلاَّ لمن صدر مِنْهُ الْفِعْل، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعل ذَلِك.
وَأجِيب: بِأَن معنى التَّرْجَمَة من فعل ذَلِك متمسكاً بِمَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَكَذَا قَالَ بَعضهم.
قلت: هَذَا معنى بعيد، وَمعنى التَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ، وَلَكِن الْمُطَابقَة تفهم من كَلَام عمر رَضِي الله عَنهُ، لِأَن عَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت جَارِيَة بالتجمل للوفد لِأَن فِيهِ تفخيم الْإِسْلَام ومباهاة لِلْعَدو وغيظاً لَهُم، غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُنَا أنكر على عمر لبس الْحَرِير بقوله: ( إِنَّمَا يلبس الْحَرِير من لَا خلاق لَهُ) وَلم يُنكر عَلَيْهِ مُطلق التجمل للوفد حَتَّى قَالُوا: وَفِي هَذَا الحَدِيث لبس أنفس الثِّيَاب عِنْد لِقَاء الْوُفُود.

وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الصَّمد يروي عَن أَبِيه عبد الْوَارِث، وَهُوَ يرْوى عَن يحيى ابْن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بابُُ الْحَرِير للنِّسَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( وخشن) بِالْخَاءِ والشين الْمُعْجَمَة من الخشونة، وروى بَعضهم حسن، بالمهملتين من الْحسن.
قَوْله: ( لَا خلاق لَهُ) ، أَي: لَا نصيب لَهُ فِي الْآخِرَة، يَعْنِي إِذا كَانَ مستحلاً.
قَوْله: ( لتصيب بهَا مَالا) بِأَن تبيعها مثلا.
قَوْله: ( وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، يكره الْعلم فِي الثَّوْب) ، قَالَ الْخطابِيّ: ذهب ابْن عمر فِي هَذَا مَذْهَب الْوَرع، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي رِوَايَته إلاَّ علما فِي ثوب، وَذَلِكَ لِأَن مِقْدَار الْعلم لَا يَقع عَلَيْهِ إسم اللّبْس، وَقد مضى فِي كتاب اللبَاس من رِوَايَة أبي عُثْمَان عَن عمر رَضِي الله عَنهُ، فِي النَّهْي عَن لبس الْحَرِير: إلاّ مَوضِع إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع.